شكّلت أنباء المعارك في شرق حلب في الساعات الأخيرة انقلابا في موازين القوى لصالح قوات النظام السوري والميليشيات التابعة لإيران، بما يطرح أسئلة عن ظروف التقدم السريع الذي حققته دمشق وعن مآلات سقوط حلب بكاملها على الوضع السوري برمته.
ودب الضعف في فصائل المعارضة بينما فر الآلاف من سكان حلب إلى خارج المناطق التي تسيطر عليها القوات السورية.
وتشير الدلائل إلى أن فصائل المعارضة المسلحة في شرق حلب قد بدأت في التفكك وفقدان السيطرة، في الوقت الذي بدأ فيه الآلاف من المدنيين النزوح.
وأدى القصف الجوي المستمر الذي يشنه الجيش السوري والقوات الروسية إلى نقص الطعام والإمدادات وهي من بين العوامل التي ساهمت في الوصول إلى هذا الموقف.
وفيما تعزو بعض المصادر انهيار دفاعات فصائل المعارضة في شرق حلب إلى خطط وتكتيكات عسكرية جديدة، لا تستبعد أوساط مراقبة أن يكون السبب عائدا أصلا إلى تبدّل الأولويات التركية التي تمثّلت بانسحاب فصائل معارضة من مناطق الدفاع عن حلب للالتحاق بحملة “درع الفرات”.
وأشارت المصادر إلى الجهد الدبلوماسي الروسي الذي واكب عملية حلب، لافتة النظر إلى اتصالين هاتفيين أجريا خلال الـ24 ساعة التي سبقت سقوط أحياء كبرى شرق حلب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.
ويرى الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن للأبحاث فابريس بالانش أن “سيطرة النظام على حلب ستشكل نقطة تحول في مسار الحرب في سوريا، إذ ستسمح له بالسيطرة على دمشق وحمص وحماة واللاذقية أي المدن الخمس الكبرى”.
وذكرت مصادر سياسية تركية أن تكثيف الاتصالات بين أنقرة وموسكو أتى بعد إغارة طائرات تابعة لدمشق، وفق رواية أنقرة، على أهداف تركية بالقرب من مدينة الباب تسببت بمقتل 3 جنود أتراك، بما عُدّ إنذارا من موسكو أيضا ضد التمدد التركي صوب المدينة.
ولم تعرف هذه المصادر ما إذا كان الاتصالان بين زعيمي البلدين قد أثمرا صفقة معينة قد يكون سقوط حلب أحد جوانبها.
ويرى باتريك وينتور محرر الشؤون الدبلوماسية في صحيفة الغارديان البريطانية أن الرئيس الروسي يسعى للسيطرة على حلب قبل تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الحكم في ينايرالمقبل، والاستفادة من الفراغ السياسي الحالي في الولايات المتحدة ورفض الرئيس باراك أوباما التورط في الساحة السورية.
وكتب وينتور أن ترامب يعين مستشارين للأمن القومي يفضلون التعاون مع روسيا على الساحة السورية للحفاظ على وضع الرئيس بشار الأسد والتركيز مقابل ذلك على التخلص من تنظيم داعش.
وأكد أن التطورات السياسية في فرنسا وانتخاب اليميني المتشدد فرنسوا فيون كمرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة يعزز من سياسة موسكو أيضا حيث عبر عن رغبته في التعاون مع روسيا في مختلف المجالات بما فيها تقليل العقوبات الاقتصادية ضدها.
وخسرت الفصائل المعارضة الاثنين كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية في مدينة حلب إثر تقدم سريع أحرزته قوات النظام وحلفاؤها، فيما فر الآلاف من السكان من منطقة المعارك.
وأعادت نتائج الساعات الأخيرة الوضع الميداني في حلب إلى ما كان عليه عام 2012، وتحقق لموسكو إنجاز بري لافت هو الأكبر منذ التدخل العسكري الروسي منذ أكثر من عام في سوريا.
وقالت مصادر في الدفاع المدني في حلب إن حصيلة القتلى جراء قصف النظام وروسيا لأحياء حلب الشرقية ارتفعت خلال اليومين الماضيين من 508 قتلى إلى 613 قتيلا حاليا.
وأشارت إلى أن المئات من العائلات نزحت من أحياء “مساكن هنانو” و”جبل بدرو” و”الهلك” و”بعيدين” و”الحيدرية” و”عين التل” و”الصاخور”، التي سيطر عليها النظام خلال الأيام الأربعة الماضية، وتوجهوا إلى الأحياء المتبقية في أيدي المعارضة، حيث افترش الكثير منهم الأرض لبقائهم دون مأوى.
وأفادت هذه المصادر بأن النظام شن منذ ساعات صباح الاثنين أكثر من 200 غارة جوية على أحياء مختلفة من شرقي مدينة حلب، لافتا إلى وجود أعداد كبيرة من المدنيين تحت الأنقاض في حيي “الكلاسة” و”صلاح الدين” جراء هذه الغارات.