أكدت مصادر مطلعة من داخل منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وخارجها، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مارس ضغوطا على إيران قبيل إعلان الاتفاق المفاجئ على خفض إنتاج النفط.
ونقلت رويترز عن المصادر قولها إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قام بدور حاسم في مساعدة السعودية وغريمتها إيران على تنحية خلافاتهما جانبا وإبرام أول اتفاق منذ 15 عاما بين المنظمة وروسيا غير العضو في المنظمة.
وبدأت آثار الاتفاق تظهر سريعا حينما ارتفعت أسعار النفط 10 بالمئة، متجاوزة حاجز 53 دولارا للبرميل الـواحد، بعد أن بلغت مطلع العام الجاري أقل من 30 دولارا للبرميل.
وأكدت المصادر أن بوتين وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والمرشد الإيراني علي خامنئي والرئيس حسن روحاني تدخلوا في لحظات حاسمة قبيل الاجتماع، الأربعاء الماضي.
وكان دور بوتين في الوساطة بين الرياض وطهران بالغ الأهمية وأبرز تنامي نفوذ روسيا في منطقة الشرق الأوسط منذ تدخلها العسكري في الحرب السورية العام الماضي.
واتفق الجانبان على التعاون لمساعدة أسواق النفط العالمية على تصريف تخمة المعروض التي دفعت أسعار الخام للهبوط إلى أقل من النصف منذ منتصف العام 2014، وهو ما أثر سلبا على إيرادات حكومتي روسيا والسعودية.
ويقول المحللون إن المتاعب المالية هي ما جعل الاتفاق أمرا ممكنا، رغم الخلافات السياسية الكبيرة بين موسكو والرياض حول الحرب الدائرة في سوريا.
وقال مصدر في قطاع الطاقة الروسي مطلع على المحادثات إن “بوتين يريد الاتفاق. هذا كل ما في الأمر. وسيتعين على الشركات الروسية أن تخفض الإنتاج”.
وكانت بلدان أوبك قد اتفقت مبدئيا في اجتماع بالجزائر، في سبتمبر الماضي، على خفض الإنتاج للمرة الأولى منذ الأزمة المالية في 2008، لكن تعهدات الدول لإتمام الاتفاق لا تزال تحتاج كثيرا من الدبلوماسية.
وأخفقت اجتماعات أوبك في الآونة الأخيرة نظرا للجدل بين السعودية القائد الفعلي للمنظمة وإيران ثالث أكبر منتج للنفط في التكتل.
ولطالما قالت طهران إن “أوبك” لا ينبغي لها أن تمنعها من استعادة مستويات الإنتاج التي فقدتها خلال سنوات الحظر، إلى جانب ما خلفته الحروب بالوكالة في سوريا واليمن في تأجيج التوترات المستمرة منذ عقود بين السعودية وإيران.
ومع اقتراب موعد الاجتماع لم تكن المؤشرات مبشرة بالخير، فأسواق النفط اتجهت صوب الهبوط والأمير محمد بن سلمان طالب إيران مرارا بالمشاركة في خفض الإمدادات ودخل مفاوضو السعودية وإيران بأوبك في دائرة مفرغة من الجدل قبيل الاجتماع.
وقبل أيام قليلة من الاجتماع، بدت الرياض بعيدة عن إبرام اتفاق وهددت بزيادة الإنتاج إذا لم تشارك إيران في الخفض، لكن بوتين أدرك أن الرياض ستتحمل “نصيب الأسد” في الخفض طالما أنها لن ينظر إليها وكأنها تقدم تنازلا كبيرا لطهران.
وقال مصدر مقرب لخامنئي إن مكالمة هاتفية بين بوتين وروحاني ساهمت في تمهيد الطريق. وبعد المكالمة ذهب روحاني ووزير النفط بيجن زنغنه إلى الزعيم الأعلى للحصول على موافقته.
وأضاف المصدر “خلال الاجتماع أوضح خامنئي أهمية التمسك بخط إيران الأحمر وهو عدم الرضوخ لضغوط سياسية وعدم القبول بأي خفض في فيينا”.
وقال “لقد أوضح زنغنه بدقة إستراتيجيته.. وحصل على موافقة الزعيم. تم الاتفاق أيضا على أن حشد الدعم السياسي أمر مهم وبصفة خاصة مع بوتين، ووافق الزعيم أيضا على ذلك”.
وبعد ضبابية رافقت الاجتماعات السابقة، وافقت السعودية أخيرا على خفض كبير في الإنتاج لتتحمل “عبئا ثقيلا”، وهو ما أعلنه وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بينما جرى السماح لإيران بزيادة طفيفة في إنتاجها.
وقال مندوبون في “أوبك” إن “وزير النفط الإيراني حرص على ألا يخطف الأضواء في الاجتماع حيث وافق بالفعل على الاتفاق مساء الثلاثاء بوساطة من الجزائر دون إحداث ضجيج”.
وبعد الاجتماع، تفادى زنغنه الإدلاء بأي تعليق يستشف منه إحراز نصر على الرياض، لكن التلفزيون الإيراني الرسمي نقل عنه قوله “لقد كنا حازمين.. لعبت المكالمة بين روحاني وبوتين دورا رئيسيا.. بعد المكالمة أيدت روسيا الخفض”.
ولم تكن إيران العقبة الأخيرة، فقد شهدت أوبك خلافا في اللحظة الأخيرة كاد يعرقل الاتفاق وهذه المرة كان العراق ثاني أكبر منتج في المنظمة، فمع إجراء المحادثات الوزارية أصر على أنه لا يستطيع تحمل خفض الإنتاج نظرا لتكلفة الحرب التي يخوضها ضد داعش.
لكن مع الضغوط التي مارستها بقية أعضاء “أوبك”، رضخ وزير النفط العراقي جبار علي اللعيبي خلال الاجتماع بعد مكالمة من رئيس وزرائه حيدر العبادي أشار له فيها إلى أن يوافق على الاتفاق.
وكشف محمد السادة وزير الطاقة القطري خلال مؤتمر صحافي عقب الإعلان عن الاتفاق أن منظمة “أوبك” ستعقد اجتماعا في نهاية مايو المقبل لمراجعة الاتفاق وقد تمدده لمدة نصف عام آخر.