تتجه الأنظار، الثلاثاء، صوب العاصمة البحرينية المنامة، حيث يعقد قادة دول مجلس التعاون الخليجي قمّتهم العادية السابعة والثلاثين، وقد أضفت عليها الظروف الإقليمية والدولية أهمية مضاعفة وجعلتها محطّ الأنظار من كامل المنطقة العربية، على اعتبار المجلس بدوله الستّ الغنية والمستقرة أصبح بمثابة جدار الصدّ العربي الأخير في وجه التهديدات والأطماع الخارجية، ومنطلقا لإعادة الاستقرار إلى المنطقة التي تمرّ بإحدى أصعب مراحل تاريخها المعاصر.
ويرى مراقبون أن لدول مجلس التعاون، التي اكتسبت وزنا سياسيا ودبلوماسيا يضاف إلى وزنها الاقتصادي، دورا ضروريا لا يمكن الاستغناء عنه في عملية إخراج المنطقة العربية من مرحلة عدم الاستقرار الراهنة وفي فض الاشتباكات المتشعّبة بين الكثير من أطرافها.
ولا تخلو قمة المنامة من اهتمام دولي يجسّده حضور رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي الساعية إلى تثبيت حضور بلدها في ساحة حلفائه التقليديين، في وقت يبدو جليا انحسار الدور الأميركي في المنطقة كما في أماكن أخرى من العالم. فيما تسعى دول الخليج في المقابل إلى إعادة صياغة علاقاتها الخارجية على أساس من الندية يقام على تقوية المنظومة الخليجية برفع مستوى التنسيق والتعاون بين مكوناتها وصولا إلى مخاطبة الحلفاء والشركاء بلسان موحّد.
وكانت رئيسة الوزراء البريطانية قد أعلنت، الأحد، أنها ستشارك في قمة مجلس التعاون الخليجي بالمنامة، بهدف فتح “صفحة جديدة” لبلادها مع دول الخليج، لتكون بذلك أول رئيس وزراء لبريطانيا يحضر قمة خليجية.
وقالت ماي، في بيان صادر عن مكتبها إنها “تريد أن تفتح فصلا جديدا لمرحلة ما بعد البريكست عبر علاقتها مع دول الخليج”، مضيفة “هذا العام يمثل ذكرى مرور قرنين على بدء علاقات بريطانيا مع البحرين ومرور قرن على العلاقات مع السعودية، لكن خلال السنوات الأخيرة لم تكن العلاقات مع دول الخليج وثيقة كما كانت من قبل، وأنا أريد أن أغيّر ذلك”.
وسبق قمّة المنامة حراك خليجي كثيف أعطى الانطباع بالاستعداد لقمّة تشهد قرارات مفصلية سواء لجهة الصرامة في مواجهة التهديدات الإيرانية للمنطقة العربية، أو لجهة دفع صيغة التعاون القائمة بين بلدان المنظومة إلى صيغة أقرب إلى الاتحاد.
وجاء على رأس ذلك الحراك زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ثم قطر مباشرة قبل توجهه الثلاثاء إلى البحرين لحضور القمة الخليجية.
وعكست تصريحات السياسيين التي سبقت قمة الثلاثاء حجم الآمال المعلّقة على اجتماع قادة الخليج في المنامة، حيث أعرب وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، الإثنين، عن ثقته في خروج القمة الخليجية السابعة والثلاثين التي تستضيفها بلاده بقرارات من شأنها الارتقاء بمسيرة التعاون المشترك بين دول الخليج وتعزيز التكامل في ما بينها.
وقال الشيخ خالد في تصريح مشترك لوكالة الأنباء الكويتية ومجلة “المسيرة” الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس التعاون “أن من أهم القرارات التي ستخرج بها القمة هي الاستمرار في تنفيذ رؤية خادم الحرمين الشريفين بشأن تسريع وتيرة التعاون بين دول المجلس وتعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك”.
وذكر أن “دول المجلس تؤدي دورا محوريا على الصعيدين الإقليمي والدولي وستكون قمتهم في المنامة فرصة لتعزيز هذا الدور وإشاعة مناخ الاستقرار والسلم في المنطقة بما يضمن وحدة وسلامة جميع الدول ويحقق لشعوبها التنمية والرخاء”.
ومن جهته أكد أمين عام مجلس التعاون عبداللطيف الزياني، أن المنطقة تواجه جملة من التحديات تتطلب تضامنا وتكاتفا شاملا وعملا دؤوبا يحقق التكامل والترابط والتضامن بين دول مجلس التعاون الخليجي في مختلف المجالات.
وقال الزياني في تصريح لوكالة الأنباء البحرينية، إن الدورة السابعة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون تأتي في وقت بالغ الأهمية خاصة في ظل التحديات التي تواجه المنطقة.
وأوضح أن أمام قادة دول المجلس ملفات عديدة تشمل مختلف مجالات التعاون المشترك سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، إضافة إلى تقارير العمل المشترك المرفوعة من المجلس الوزاري واللجان الوزارية المختصة والأمانة العامة. وشدد على أن الأوضاع الاقتصادية هي إحدى أهم التحديات التي تواجه مجلس التعاون والتي أدت عند تأسيس المجلس إلى إقرار الاتفاقية الاقتصادية وإنشاء السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والعديد من الهيئات الاقتصادية الخليجية.
وعن الأوضاع الأمنية في المنقطة، أكد الزياني أن دول المجلس مدركة لكل التحديات الأمنية التي تواجهها “ولن تتردد في اتخاذ جميع الإجراءات التي تحفظ أمنها واستقرارها والدفاع عن سيادتها واستقلالها ومصالحها”.