هل تكون الخطوة التالية إضفاء طابع قانوني على «حزب الله» وسلاحه غير الشرعي في لبنان؟ هذا ما توحي به ألاعيب «الحزب» وحلفائه منذ انتخاب حليفه ميشال عون رئيسًا للجمهورية، وكذلك العراقيل التي يضعها أمام ولادة حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري. وهذا، أيضًا، ما يفترضه النهج الإيراني مع كل الميليشيات التي أسّسها ومأسسها، بدءًا بـ«الحرس الثوري» الذي همّش الجيش الإيراني، ثم الميليشيات العراقية التي ولّدت «الحشد الشعبي» الذي صوّت البرلمان أخيرًا على جعله تشكيلًا عسكريًا «مستقلًا» و«جزءًا من القوات المسلّحة» في آن، ثم إن مساهمة إيران في استشراء الميليشيات المنبثقة من قوات النظام السوري وعلى هامشه فرضت منطقًا عسكريًا دفع إلى إيجاد أطر لضمّ هذه المجموعات المسلحة والمنهمكة في معظمها بأعمال النهب والابتزاز، ولذلك أنشئ «الفيلق الرابع» قبل شهور بإيحاء روسي وتبعه «الفيلق الخامس» قبل أيام بإيحاء إيراني وقد أطلق عليه اسم «اقتحام».
قد لا تكون المهمة سهلة بالنسبة إلى «حزب الله» بالنظر إلى التركيبة الطائفية، رغم أنه قطع أشواطًا مهمّة في تهميش الدولة والجيش، وفي الهيمنة على الحياة السياسية، وفي تفريخ ميليشيات أخرى لاستخدام العلويين واختراق السنة والدروز، وفي صنع الفوضى والترهيب السياسيين وإدارتهما. وللبنان تجربة في استيعاب الميليشيات منذ انتهاء الحرب الأهلية، وثمة أفكار وخطط عرضت سابقًا ويصار إلى التذكير بها بين حين وآخر بالنسبة إلى الوضع المستقبلي لـ«الحزب» ومقاتليه، أو بالأحرى لـ«جيشه» وفقًا للتصريحات التي رافقت العرض العسكري الذي أقامه أخيرًا في بلدة القصير السورية التي يحتلّها منذ خاض فيها معركة شرسة لطرد مقاتلي المعارضة منها. ولكن تلك الأفكار، التي كان «الحزب» يتجاهلها، ربما تكون غير عملية أو قابلة للتطبيق بالنظر إلى التغيير الذي أحدثه القتال في سورية على بنية «الحزب» ونظرته إلى نفسه وتوغّله العميق في مرجعية الولي الفقيه، وبالتالي فإن «الحزب» يتصرف على أساس أنه لا يحتاج إلى «شرعية» من أي جهة داخلية، وأنه قد يفرض عند الضرورة الصيغة التي تناسب وضعيته في البلد.
مرّت عملية الاستنساخ من «الحرس» إلى «الحزب» فـ«الحشد» و«فيلق اقتحام» بمراحل عدة في استراتيجية «تصدير الثورة» التي باتت تصديرًا للفتنة والعنف والإرهاب. في إيران نفسها، غداة إطاحة الشاه وحكمه، لم يكن الجيش بأيديولوجيته التقليدية المزمنة ليلائم الملالي المتعجّلين للإمساك بالأمن وفقًا للأدلجة الدينية التي كانوا باشروها قبل زمن من الثورة، فأسسوا «الحرس» كجيش موازٍ مكلّف أيضًا بالعمليات الخارجية و«الباسيج» كـ«حشد شعبي» (وفقًا للتسمية الإيرانية) من المتطوّعين ليتولّى مهمات الأمن الداخلي. وخلال الحرب العراقية- الإيرانية اشتغل نظام الملالي على العراقيين الشيعة الذين لجؤوا إلى إيران وأنتج منهم نواة «باسيج» عراقي وقد نفّذوا ضربات محدودة ضد النظام السابق وبعد سقوطه دخلوا أحزابًا مدّعمة بميليشيات جاهزة لأنواع العمليات والاغتيالات كافة. أما بالنسبة إلى لبنان فقد شكّل الاجتياح الإسرائيلي واحتلاله كل الجنوب (1982) الحافز المباشر لإنشاء «حزب الله» الذي تحوّل إلى أداة اختراق وعسكرة للطائفة الشيعية، واشتهر أولًا بخطف الطائرات واحتجاز الرهائن قبل أن يحتكر مقاومة الاحتلال ويضطرّه عام 2000 للانسحاب، وبعد إنجاز التحرير أصبح «الحزب» عبئًا داخليًا بسبب تصميمه على مواصلة القتال ضد إسرائيل وفقًا لأجندة النظامين الإيراني والسوري، وإلى اليوم لا يزال «حزب الله» يعتبر إسرائيل مبرّر وجوده وهي من جانبها تساعده وتدعمه في هذا الدور.
وعلى رغم كل التحذيرات والنصائح الداخلية والخارجية بأن «شرعنة الحشد الشعبي» خطأ فادح، دفعت أحزاب «التحالف الوطني» (الشيعي) البرلمان العراقي إلى ارتكاب هذا الخطأ، بما فيه من إخلال بمفهوم الدولة وبالتوازن في المؤسسات وإضعاف للوحدة الوطنية بتحدّي المكوّن السنّي، وكذلك بتقويض مشروع المصالحة الوطنية الذي يعدّ لمرحلة ما بعد التخلّص من «داعش». ولم يكن رئيس الوزراء حيدر العبادي مقنعًا بقوله إن قانون «الحشد» منع تحوّله «قوةً خارج الدولة»، فالكل مدرك أن قاسم سليماني هو القائد الفعلي لهذه الميليشيات. وليس مقنعًا أيضًا السماح بأن تتمثّل الميليشيات داخل «الحشد»، وأن تبقى فاعلة خارجه رغم شرعنته، بل إن عددًا منها يقاتل في سورية ويقوم حاليًا بحملة تطويع للقتال في اليمن، ولكن الأهم أن إصرار إيران على إقحام «الحشد» في معركة الموصل وتحديدًا في تلعفر تكاد تكون قاب قوسين أو أدنى من إقامة جزء رئيسي من الخط الرابط بين طهران وبغداد وصولًا إلى دمشق وبيروت.