لم تنتعش الأذرع الإيرانية وتتطاول يمينًا ويسارًا، في منطقة الشرق الأوسط وبعض مناطق آسيا، وفي بعض دول إفريقيا، كما انتعشت في ظل إدارة باراك أوباما للبيت الأبيض.
بل بدا -في بعض الأحيان- أن أوباما موظف إيراني في دوائر القرار الأميركي، فهو من رعى وانجز الاتفاق النووي بين الغرب وبين إيران، وهو من دعم وغض الطرف عن ميليشياتها الطائفية بجميع ما ترتكبه من جرائم حرب في العراق وسورية واليمن، بحيث كانت السياسة الأميركية في عهد أوباما كمفوض سامي إيراني في كل تلك الدول.
جاء التصويت في مجلس الشيوخ، الخميس الماضي 1 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بأغلبية كبيرة من الحزبين: الديموقراطي والجمهوري، على تمديد العقوبات الأميركية على إيران لمدة 10 أعوام إضافية، ليفتح باب الحديث من جديد عن الفترة الذهبية لإيران خلال السنوات الثماني الماضية من حكم أوباما، وعن التوقعات من السياسة الجديدة للبيت الأبيض بعد استلام الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، مهماته الرئاسية في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، وقد بدأت تتوضح معالم جزء أساسي من فريقه الرئاسي، وبالأخص وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، ذلك الفريق الذي عُدَّ أنه يجنح إلى عدم المهادنة مع إيران، ويرى أنها تُموّل الإرهاب بالمنطقة، من خلال تدخلها في العراق ولبنان وسورية واليمن، وتهدد الأمن الإقليمي لدول الخليج العربي، وقد تمدّدت تمددًا ساهم في زعزعة الاستقرار في المنطقة برمتها.
أول ما يمكن النظر إليه حاليًا عن انعكاس التبدل المُتوقع أميركيًا، على الساحة الإيرانية الداخلية، هو الخلاف الذي بدأ يظهر -رويدًا رويدًا- بين أركان الحكم الإيراني مع ارتفاع أصوات مختلفة تتهم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بالتسرع في الاتفاق النووي؛ إذ يرى الإيرانيون أن روحاني يقف خلف الانفتاح السياسي على الغرب، وبالذات أميركا، وكان لذلك الانفتاح الدور الدافع لإبرام الاتفاق النووي، وهو ما أشارت إليه الدائرة المقربة من المرشد الأعلى، علي خامنئي، التي انتقدت عدم تحسن الاقتصاد ومستوى المعيشة بعد الاتفاق.
حُلم العمق السوري
تعمل إيران، وبعد ان تمكنت من شرعنة إدخال “الحشد الشعبي” في جسد الجيش العراقي، لتأمين خط بري يصلها بالموصل، ثم العمق السوري؛ وصولًا إلى اللاذقية، ومنها إلى لبنان حيث ميليشيا “حزب الله”، ما يعطيها ميزة مُستقبلية إذا ما فرض المجتمع الدولي حلًا سياسيًا في سورية.
لا دولة -حتى الآن- تموّل هذا العدد الكبير من التنظيمات العسكرية خارج أراضيها، مثلما تفعل إيران، بتجاوزها الأعراف والقوانين الدولية، لتتدخل تدخلًا مباشرًا واستفزازيًا داخل عدد من الدول، كما لم تلق أي دولة هذا التجاهل لدورها التخريبي كما لقيت إيران، ولم يُتجاهل الدور الدعوي الديني، الذي تمارسه إيران في المجتمعات الإسلامية، كما يحدث الآن، وهي تدعم جامعة مذهبية هنا، وميليشيا ثانية هناك… إلخ، وبما لا يقل خطورة عن برنامجها النووي وتهديدها للسلم الاقليمي والدولي.
تحاول إيران أن تُظهر للعالم أنها دولة مؤسسات وانتخابات تُنتج سلطات ديموقراطية، وتلعب ذلك بدقة عبر برامج الخدعة التي صدّقها بعض قصيري النظر في الغرب، فها هي تحاول تقليد الكونغرس الأميركي بعرض قانون مقاطعة البضائع الأميركية، والعودة إلى ما قبل الاتفاق النووي، في وقت يتحدث فيه بعض المسؤولين الإيرانيين عن أن الاتفاق أُبرم مع أكثر من دولة، ولا يحق لدولة واحدة أن تُلغيه، وهذا يُمكن عدّه غمزًا للأوربيين؛ كي يتدخلوا لمساعدة إيران، إن قرّر ترامب تجميد الحوار ومحاصرة إيران سياسيًا اقتصاديًا، وربما عسكريًا.
قد يكون الاستعراض العسكري الذي أجراه حزب الله في مدينة القصير السورية، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، رسالة إلى الأطراف الدولية باسم إيران، من أن الطيران والقاعدة العسكرية الروسية لا تقرر وحدها مسار الحل المقبل في سورية، انما القوة على الأرض، والتي باتت في غالبيتها إيرانية التمويل والانتماء، وهذا يُعيدنا إلى الأريحية التي لقيتها هذه الميليشيات، التي لا تتوقف عند حزب الله فحسب، بعبورها الحدود وتمدّدها على الأرض السورية، وتجاهل الإدارة الأميركية في عهد أوباما، لما تقوم به من ممارسات طائفية وإرهابية وغير ذلك، بطريقة لا تقل عما تفعله أي منظمة إرهابية، كتنظيم الدولة (داعش) الذي يتقاسم المهمات معها، ومع النظام وروسيا بقتل الشعب السوري وتشريده واستباحة مدنه وقراه.
يبقى الانتظار سيد الموقف لرؤية ما ستنتجه السياسة الأميركية الجديدة، ولكن من المرجح أن سنوات العسل التي قدمها أوباما لإيران قد ولّت، ومهما كانت السياسات الأميركية المقبلة، لن تكون بذلك الحصاد المُر الذي جنته المنطقة، واتخذته إيران فرصة؛ للتلذذ بالعسل الذي صبغ حياة الشرق الأوسط بالدم.
موقع