نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للكاتبة ديانا سمعان، تصف فيه الوضع المأساوي الذي تعيشه مدينة حلب، التي تعاني من موجة بعد أخرى من القصف العنيف، الذي يهدد بتحويلها إلى كومة من الخرسانة المحطمة والغبار.
وتفتتح الكاتبة مقالها باقتباس من المنشورات التي ألقتها الطائرات الروسية والسورية على المناطق المحاصرة في شرق حلب: “إذا لم تخلوا هذه المناطق عاجلا فسيتم القضاء عليكم.. أنتم تعلمون أن الجميع تخلوا عنكم وتركوكم بمفردكم لتواجهوا مصيركم، ولن يقدم لكم أحد أي مساعدة”.
وتعلق سمعان قائلة إن “هذه الكلمات المروعة من تلك المنشورات التي ألقيت على شرق حلب، قبل الهجمة الأخيرة عليها، وخلال الأيام القليلة الماضية، أثبتت صدقا لم يتخيله أي شخص في حلب أو خارجها”.
ويستدرك المقال، الذي ترجمته “عربي21″، بأن “التحذيرات كانت موجودة، وليس على شكل منشورات فقط، وبعد خمس سنوات من الحرب لا يستطيع العالم أن يدعي أنه لم يكن على علم بحاجة السوريين الماسة، أو بعدم وجود فرص للتصرف”.
وتشير المجلة إلى أن “حلب تشكل اليوم مركز الصراع، وتعاني من موجة بعد أخرى من القصف العنيف، الذي يهدد إلى تحويلها إلى كومة من الخرسانة المحطمة والغبار، ومع الهجمة الأخيرة للقوات الموالية للحكومة محاولة السيطرة على المناطق، أصبح الصراع أكثر دموية من أي وقت مضى، فخلال أيام سيطرت القوات الحكومية المتقدمة في شرق حلب على مناطق كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة، بما في ذلك منطقتا جبل بادرو ومساكن هانانو، حيث تعيش أكثر من 100 عائلة، ومنذ 25 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عن أن 25 ألف شخص فروا من المناطق المحاصرة”.
وتبين الكاتبة أن كثيرا من السكان المساكين تخلوا عن كل أمل في أي تدخل دولي لوقف معاناتهم، وقال أحد سكان شرق حلب واسمه نزار: “ليس هناك أي مكان للهروب أو الاختباء”، وقالت مواطنة تدعى أم محمد، قبل الهجمة الأخيرة، ولتوقعها تجدد القصف، إنها تشعر بأن المسألة مجرد وقت “قبل أن تفتح أبواب الجحيم ثانية”.
ويلفت المقال إلى أن حكومة النظام السوري وحلفاءها الروس استخدموا قوة نارية هائلة؛ لإلحاق أكبر معاناة بشرية ممكنة، وتدمير البنية التحتية المدنية، وفرض حصار ومجاعة على المنطقة، مستهترين بأرواح المدنيين والقوانين الإنسانية الدولية.
وتكشف المجلة عن أنه “تم استهداف البنايات السكنية والمستشفيات والعيادات الطبية والمدارس بشكل مستمر، وفي هجمات محرمة، واستخدمت القوات المهاجمة البراميل المتفجرة والقنابل العنقودية المحرمة دوليا، بصورة ترقى في كثير من الأحيان إلى جرائم الحرب، وأصبح تهديد القصف الجوي قويا جدا، واضطر سكان حلب للعيش في شبكة من السراديب المكتظة تحت الأرض”.
وتقول سمعان إنه تم استهداف العديد من المستشفيات في حلب على مدى العام الماضي، وآخرها كان مستشفى للأطفال في حي الشعار الأسبوع الماضي، مشيرة إلى أن منظمة العفو الدولية وثقت في آذار/ مارس، كيف تم استهداف المرافق الطبية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في المناطق المحيطة بحلب، كجزء من الاستراتيجية العسكرية لإخلاء المناطق من السكان؛ لتسهيل الاجتياح البري.
وينوه المقال إلى أنه مع خروج آلاف المدنيين من شرق حلب، فإن الكثير ممن بقوا يعيشون في حالة خوف من الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري على أيدي القوات الحكومية، لافتا إلى أن حوالي 8 آلاف شخص هربوا إلى المناطق التي يسيطر عليها الأكراد في الشيخ مقصود؛ لأنهم يخشون الهروب إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
وتفيد المجلة بأن “العالم فشل مرات عديدة في مساعدة المدنيين في شرق حلب في وجه الدمار والمعاناة على نطاق واسع، وهذا يجسد عجز المجتمع الدولي، الذي لطالما فشل في فعل شيء لوقف الانتهاكات المتفشية للقانون الدولي، بينما تفاقمت النكبة السورية على مدى الأعوام الخمسة الماضية”.
وتورد الكاتبة أن “مجلس الأمن الدولي كان رهينة في يد روسيا، التي استخدمت الفيتو لحماية حكومة النظام السوري، فعلى مدى الخمس سنوات الماضية استخدمت روسيا الفيتو ضد خمسة قرارات للمجلس سعت إلى إنهاء بعض الجرائم، وتحويل المجرمين لمحكمة الجنايات الدولية، واستخدمت روسيا الشهر الماضي قرارا للمجلس يقضي بوقف الغارات الجوية وسفك الدماء في حلب”.
ويشير المقال إلى أن “القرارين 2139 و 2165، اللذين تمت الموافقة عليهما، طلبا وصول المساعدات الإنسانية دون إعاقة، ورفع الحصار عن المدينة ونهاية لضرب المدنيين والتعذيب والاختفاء القسري، لكن يتم انتهاك بنود القرارين كلها يوميا، دون عواقب للجناة وحتى حين لم تستخدم روسيا الفيتو، إلا أن التهديد باستخدامه منع مجلس الأمن من فرض عقوبات على المسؤولين الحكوميين لعدم الالتزام بالقرارين”.
وبحسب المجلة، فإن المسؤولين في الأمم المتحدة وزعماء العالم عبروا عن صدمتهم وغضبهم لاستمرار سفك الدماء، مستدركة بأن الناس في حلب يحتاجون إلى أكثر من عبارات الشجب.
وتذهب سمعان إلى أنه “لتوفير حظوظ حقيقية لوقف الجرائم ضد الإنسانية في سوريا، يجب اتخاذ إجراءات صارمة، مثل المقاطعة التي تستهدف المسؤولين الذين يأمرون بهجمات غير قانونية، وفرض حظر شامل على الأسلحة؛ لوقف تدفق الاسلحة للنظام، وإيجاد طريق لجلب مرتكبي جرائم الحرب للعدالة”.
ويجد المقال أن “قرارا من مجلس الأمن لتحويل الوضع في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية ستكون فيه إشارة إلى أن الجرائم التي ترتكب في سوريا لن تمر دون عقوبة، وفي غياب مثل هذه الخطوات سيستمر الرعب وينتشر، ليس في سوريا فقط بل عبر العالم كله”.
وتخلص “فورين بوليسي” إلى القول إن “خيانة المدنيين في شرق حلب سيلطخ ضمير العالم لسنوات قادمة طويلة، ولن يصلح الفشل الذي أدى إلى عدم الفعل على مستوى العالم تجاه هذه النكبة، وأقل ما نستطيع فعله هو ألا نسمح بتكرار الرعب الذي مروا به مرة أخرى”.
اسل درويش
عربي21