بعد فوز مرشح الحزب الجمهوري “دونالد ترامب” برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في (8 نوفمبر 2016)، والذي من المقرر أن يمارس مهامه في البيت الأبيض بدايةً من (20 يناير 2017)، ثارت العديد من التساؤلات حول التوجهات الخارجية للرئيس الأمريكي الجديد تجاه قضايا وصراعات منطقة الشرق الأوسط.
وتعد الأزمة الليبية إحدى أبرز القضايا محل التساؤل بشأن التوجهات المستقبلية للرئيس الأمريكي الجديد تجاهها، خاصةً أنها تحمل أبعادًا متعددةً تتمثل في: الحرب على تنظيم داعش في مدينة سرت التي تشارك فيها الولايات المتحدة على مستوى الضربات الجوية، وغياب سلطة مركزية قوية لديها القدرة على بسط الأمن والاستقرار والتصدي للميليشيات الخارجة عن سيطرة الدولة، وكبح موجات الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من السواحل الليبية، والصراع على السلطة بين بين فصائل الغرب والشرق الليبي.
ليبيا في حملة ترامب
يمكن الحديث عن التوجهات المحتملة للرئيس الأمريكي الجديد تجاه الأزمة الليبية، والتي ستظهر معالمها بشكل أكثر وضوحًا عقب التشكيل النهائي لفريق مستشاري ومساعدي ترامب، انطلاقًا من تصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية التي تناول فيها الأزمة الليبية بصفة خاصة، وقضايا وصراعات المنطقة عامة، والتي يأتي على رأسها الموقف من تنظيم داعش والتنظيمات الإسلامية المتطرفة وتيارات الإسلام السياسي، حيث ركز ترامب في تصريحاته وخطاباته التي تناول فيها الأزمة الليبية خلال حملته الانتخابية على الآتي:
1- مواصلة الضربات الجوية الأمريكية ضد تنظيم داعش ليبيا، والقيام بما يلزم للقضاء على التنظيم، وقد كان ترامب صرح في أحد خطاباته بأنه سيتدخل عسكريًّا في ليبيا من أجل القضاء على التنظيمات المتطرفة، خاصةً داعش.
2- انتقاد التدخل العسكري الأمريكي في ليبيا عام 2011، محملا هذا التدخل مسئولية تدهور الأوضاع في ليبيا، وانتشار التنظيمات المتطرفة بها، وتحويلها إلى دولة فاشلة، معتبرًا أنه في حال بقاء نظام القذافي، فإن الوضع سيكون أفضل بكثير.
3-الإشارة إلى ليبيا باعتبارها في مقدمة الدول التي يجب حظر قدوم المهاجرين منها إلى الولايات المتحدة.
4-يعط ي ترامب الأولوية في أغلب أحاديثه لمحاربة تنظيم داعش، والتصدي للتنظيمات المتطرفة، ورفض توجهات وأفكار تيارات الإسلام السياسي بالمنطقة.
السياسات المحتملة:
نظرا لتعدد قضايا الأزمة الليبية، فيمكن طرح عدة احتمالات لتعامل إدارة ترامب معها، وإن ظل ذلك مرتهنا بطبيعة التشكيل النهائي للإدارة ذاتها، خاصة في ضوء ضعف خلفية الرئيس الأمريكي المنتخب حول قضايا السياسة الخارجية، ويمكن طرح القضايا واحتمالات التعاطي معها على النحو التالي:
أولا: تعثر المسار السياسي الليبي:
يأتي الرئيس الأمريكي المنتخب في ظل تعثر تطبيق الاتفاق السياسي الليبي الموقع عليه بمدينة الصخيرات المغربية في (17 ديسمبر 2015)، والذي بموجبه تم تقاسم السلطتين التشريعية والتنفيذية كمخرج للأزمة الليبية والحرب الأهلية الدائرة بين الشرق الليبي ممثلا في عملية الكرامة بقيادة المشير خليفة حفتر، والغرب الليبي ممثلا في تحالف فجر ليبيا الذي يضم التشكيلات المسلحة لمدينة مصراتة وعدد من التنظيمات الإسلامية الأخرى بالعاصمة طرابلس.
بيد أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فشل في بسط سيطرته على العاصمة طرابلس ونيل تأييد مختلف الأطراف الليبية والحصول على ثقة البرلمان الليبي بالشرق، أضف لذلك، تعثر المؤسسات المنبثقة عن الاتفاق في ممارسة مهامها. ونتيجة لفشل تطبيق الاتفاق السياسي خرجت العديد من الأصوات الداخلية والخارجية المطالبة بإجراء جولات حوار جديدة لإدخال تعديلات على الاتفاق السياسي الحالي، أو صياغة اتفاق جديد يراعي توازنات القوى على الأرض والفواعل الرئيسية بالأزمة الليبية، سواء السياسية أو الاجتماعية أو العسكرية.
وفي إطار ما سبق، وفي ضوء توجهات ترامب المناهضة لتيارات الإسلام السياسي، يمكن الإشارة للسيناريوهين التاليين فيما يتعلق بالسياسات المحتملة لإدارة ترامب الجديدة تجاه الحل السياسي للأزمة الليبية:
– السيناريو الأول: الانخراط الأمريكي الفعال في المسار السياسي لحل الأزمة الليبية، مع ترجيح تبني الإدارة الأمريكية الجديدة في هذه الحالة للسياسات التالية:
(*) تأييد استئناف جلسات الحوار الليبي للتوصل لاتفاق سياسي جديد، أو تعديل الاتفاق القائم، بما يساهم في دفع عملية الحل السياسي للأزمة الليبية، وهو ما يعني تراجع الدعم الأمريكي للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق والذي يتركز مؤيدوه داخل صفوف تيار الإسلام السياسي.
(*) انحياز الإدارة الجديدة للقوى المدنية على حساب تيارات الإسلام السياسي، وذلك بخلاف إدارة أوباما التي كانت تتفق مع حلفائها الأوروبيين على ضرورة إشراك الإسلاميين بالحكم، وهو ما قد ينعكس على توزيع السلطات والصلاحيات بين البرلمان الليبي في الشرق الذي يهيمن عليه التيار المدني ومجلس الدولة في طرابلس الذي يهيمن عليه التيار الإسلامي، وكذلك نسبة تمثيل التيار المدني في الحكومة مقارنة بالتيار الإسلامي، بالإضافة إلى انتزاع بعض الصلاحيات من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لصالح البرلمان الليبي، والتي يأتي على رأسها تعيين قادة القوات المسلحة الليبية وقيادات المؤسسات السيادية الليبية. ومثل ذلك الأمر أحد أبرز الأسباب لرفض البرلمان الليبي للاتفاق السياسي، بما يضمن وجود المشير خليفة حفتر الذي يخوض مواجهات ضد التنظيمات المتطرفة في الشرق والمناهض لتيار الإسلام السياسي ضمن الهيكل القيادي للمؤسسة العسكرية الليبية.
– السيناريو الثاني: محدودية الانخراط الأمريكي في المسار السياسي لحل الأزمة الليبية لصالح الدول الأوروبية الأكثر تأثرًا بتفاقم الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، وذلك حال اتجاه ترامب لتقليل الانخراط الأمريكي في الأزمة السياسية الليبية لصالح التركيز على محاربة داعش، مع وضع الإدارة الأمريكية أطرًا عامةً لطبيعة الحل السياسي، خاصة فيما يتعلق بطبيعة ومستوى مشاركة تيار الإسلام السياسي في مستقبل حكم ليبيا:
ثانيا: محاربة تنظيم داعش:
يأتي الرئيس الأمريكي الجديد في ظل إعلان قوات البنيان المرصوص الموالية للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق السيطرة على مدينة سرت وطرد تنظيم داعش حيث قدمت الولايات المتحدة الأمريكية الدعم الجوي والمشورة العسكرية لهذه القوات.
على أن ذلك لا يعني انتهاء تواجد التنظيم بليبيا، حيث بدأت عناصر التنظيم الهاربة من المواجهات في سرت في إعادة التمركز بصحراء جنوب ليبيا بحسب بعض الترجيحات والتقارير، مستغلين حالة التدهور الأمني، مشكلين ما يُسمى بـ”سرايا الصحراء” لاستئناف قتالهم ضد القوات الليبية، وهو ما يعني أن تهديدات تنظيم داعش ليبيا ما زالت مستمرة.
وفي ضوء إعطاء ترامب الأولوية الأولى لمحاربة تنظيم داعش، يمكن ترجيح أن تتحدد الاستراتيجية الأمريكية في الآتي:
(*) تكثيف الإدارة الأمريكية الجديدة لضرباتها الجوية ضد تنظيم داعش ليبيا، مع الاتجاه لنشر مزيد من القوات الخاصة الأمريكية لتقديم الدعم الفني واللوجستي المباشر للقوات الليبية التي تقاتل فلول تنظيم داعش، مع استبعاد التدخل العسكري الأمريكي المباشر في صورة قوات برية تنتشر على الأرض لقتال التنظيم.
(*) تقديم الدعم للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في قتاله ضد تنظيم داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة بالشرق الليبي، مثل: مجلس شورى ثوار بنغازي، ومجلس شورى مجاهدي درنة، وسرايا الدفاع عن بنغازي، وذلك بعدما كانت تنظر إدارة أوباما لحفتر على أنه أحد معرقلي الاتفاق السياسي الليبي.
(*) الاستمرار في فرض حظر التسليح على ليبيا تخوفًا من انتقال الأسلحة للتنظيمات المتطرفة في ظل غياب مؤسسة أمنية موحدة وحكومة مركزية قوية تبسط سيطرتها على الأرض.
(*) تقديم الدعم للعملية البحرية الأوروبية بالبحر المتوسط قبالة السواحل الليبية (صوفيا) والتي تقوم بتطبيق قرار فرض حظر التسليح على ليبيا لمنع وصول الأسلحة للتنظيمات المتطرفة، بالإضافة لمواجهة تدفقات الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من الشواطئ الليبية.
ثالثا: التنظيمات الإسلامية الأخرى:
بجانب تنظيم داعش في سرت، يتواجد عدد من التنظيمات الإسلامية المتشددة، سواء في الشرق الليبي (مثل: مجلس شورى ثوار بنغازي، ومجلس شورى مجاهدي درنة، وسرايا الدفاع عن بنغازي) والتي تخوض مواجهات ضد الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، أو بالغرب الليبي (مثل: تشكيل “غرفة عمليات ثوار ليبيا” التي يقودها أبو عبيدة الزاوي، وكتيبة “ثوار ليبيا” التي يقودها هيثم التاجوري، و”قوات الردع الخاصة” التي يقودها عبد الرؤوف كارة).
وتسيطر هذه التشكيلات حاليًّا على معظم المناطق بالعاصمة طرابلس، ويزيد من الأمور تعقيدًا أن بعض أفراد تلك التنظيمات المتشددة ينخرط في القتال ضد تنظيم داعش بمدينة سرت تحت راية “قوات البنيان المرصوص” التابعة لحكومة الوفاق رغم أن ولاءهم الأساسي للمفتي المتشدد “صادق الغرياني” ولحكومة الإنقاذ الوطني التي أعلنت في شهر أكتوبر الماضي عودتها لممارسة مهامها بعد اقتحامها لمقر مجلس الدولة الجهاز الاستشاري لحكومة الوفاق بموجب الاتفاق السياسي الليبي.
وفي هذا الإطار، يمكن ترجيح أن تتخذ الإدارة الأمريكية الجديدة أحد السيناريوهين التاليين لمواجهة التنظيمات المتطرفة في الغرب الليبي، وهما:
السيناريو الأول: اتجاه الولايات المتحدة لتقديم الدعم للجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر لقتال التنظيمات المتطرفة في طرابلس، وذلك في حال رفض الإدارة الأمريكية الجديدة اعتماد مبدأ التفرقة بين الإسلاميين المعتدلين والإسلاميين المتشددين.
غير أن هذا السيناريو سيؤدي من الناحية الفعلية إلى اصطفاف كافة الإسلاميين بالغرب الليبي للتصدي لقوات الشرق الليبي بقيادة حفتر لتأخذ المعركة بُعدًا قبليًّا ومناطقيًّا، وهو ما يعني تجدد الحرب الأهلية في ليبيا بين الشرق والغرب، وهو ما سيقابل باعتراضات أوروبية وإقليمية.
السيناريو الثاني: أن تشكل الولايات المتحدة تحالفًا بالغرب الليبي من الإسلاميين المعتدلين تقوده مدينة مصراتة تكون مهمته قتال التنظيمات المتطرفة بالعاصمة طرابلس، مع قيام الولايات المتحدة بتقديم الدعم العسكري في صورة توجيه ضربات جوية لتدمير القدرات العسكرية للمجموعات المتطرفة، ودون تدخل قوات من الشرق لمنع تجدد الحرب الأهلية بين الشرق والغرب الليبيين. وبجانب ما سبق، فربما تقدم الإدارة الأمريكية الجديدة الدعم للجيش الليبي بقيادة حفتر لقتال التنظيمات المتطرفة في الشرق الليبي.
وختامًا، فمن المحتمل أن تشهد السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الأزمة الليبية تحت إدارة ترامب الجديدة تحولات باتجاه تكثيف ملاحقة تنظيم داعش في ليبيا، وتقديم الدعم للجيش الليبي بالشرق بقيادة المشير خليفة حفتر، باعتباره أحد الفاعلين الأساسيين لمواجهة الإرهاب في ليبيا، من وجهة نظر الإدارة الأمريكية الجديدة، مع تبني سياسات مناهضة لتيارات الإسلام السياسي في ليبيا، وهو ما يختلف عن توجهات إدارة الرئيس.
المستقبل