لا يمر أسبوع إلا وتعلن وسائل إعلام إيرانية -على استحياء- مقتل أحد جنرالاتها، أو عناصر من الحرس الثوري، الذين دفعت بهم إلى سوريا، لدعم ومساندة نظام بشار الأسد، الذي تعتبره طهران وحزب الله حليفا استراتيجيا لها، في الوقت الذي يسوق فيه المسؤولون الإيرانيون أن التواجد العسكري في سوريا هدفه “حماية المراقد الشيعية”، وتحت هذا الشعار يتم استخدام جنازات القتلى العسكريين الإيرانيين للتعبئة الشعبية، وإثارة العواطف لتبرير التدخل في سوريا.
ولم تكشف طهران عن عدد العسكريين الذين تم الدفع لمساندة قوات بشار، ولا عدد مستشاريها في دمشق، ولا عن أرقام ضحاياها، وكان أول تصريح بعدد القتلى في مايو/أيار الماضي، حيث اعترف “عين الله تبريزي”، المستشار في “فيلق كربلاء”، التابع لـ”الحرس الثوري”، بمقتل ألف و200 عسكري تابع له في سوريا منذ العام 2012، حسب وكالة أنباء الطلبة الإيرانية.
أطماع حزب الله
طهران تعترف رسميا بتواجد عسكري في سوريا، من خلال المستشارين العسكريين أو عناصر الحرس الثوري، أو وضع قاعدة همدان الجوية تحت تصرف القوات الروسية، لكن العدد الأكبر يتمثل في الميلشيات الشيعية من الأفغان والباكستانيين، ومن شيعة دول أخرى، إضافة إلى حزب الله اللبناني، الذي أكد رسميا تواجد عناصره في “كل المناطق السورية”، على حد تصريح الأمين العام للحزب حسن نصر الله، والسؤال ما هي الدوافع التي تجعل النظام الإيراني للإلقاء بثقله في سوريا؟ وما المكاسب التي تستهدف طهران تحقيقها، سواء في ظل وجود بشار أو ما بعده؟ وماذا عن التغيير في ديموغرافية بعض المناطق السورية، وتوطين شيعة أفغان وباكستانيين، ممن يقاتلون بجانب نظام بشار؟ وهل في ظل الحديث عن تقسيم سوريا إلى كانتونات، سيكون هناك نصيب للشيعة؟
طموحات طائفية وقومية ومذهبية
أسئلة كثيرة تطرح نفسها، في ظل ما يجري في سوريا، التي يجمع المراقبون على أن “سوريا الموحدة” لم تعد موجودة على أرض الواقع، في ظل طموحات طائفية وقومية ومذهبية، وكل يريد أن يستأثر بجزء من “الكعكة”، الشيعة يريدون المناطق التي بها مزاراتهم، وحزب الله يريد التوسع في القرى التي بها أغلبية شيعية، والأكراد بات حلمهم في مناطق مغلقة لهم أقرب إلى الواقع، ويجدون الدعم من الولايات المتحدة، والتركمان تقف خلفهم تركيا، المتواجدة عسكريا في سوريا، والخاسر الوحيد من تفتيت سوريا السود الأعظم من السوريين، وهم أهل السنة الذين يشكلون 90% من السكان.
حسن أكبري
خسائر العسكريين الإيرانيين في سوريا تزداد يوما بعد الآخر، وأعلنت وسائل إعلام إيرانية، يوم الأربعاء، مقتل العميد في الحرس الثوري الإيراني، حسن أكبري، خلال مواجهات مع تنظيم “داعش” في مدينة تدمر السورية، وذكرت وكالة أنباء فارس (شبه رسمية) أن العميد “أكبري” كان “آمرًا لوحدة إزالة الألغام، وقتل أثناء مواجهته المسلحين (في إشارة إلى داعش)، في مدينة تدمر التاريخية” بريف محافظة حمص، ولم تكشف الوكالة تاريخ مصرع أكبري، الذي قالت إنه كان من مصابي الحرب مع العراق خلال عامي 1980 و1988.
لواء “الحيدريون”
وفي آخر الشهر الماضي، شيّعت إيران جثامين 7 من مليشيات “فاطميون” الأفغانية، و”زينبيون” الباكستانية، التابعتين للحرس الثوري الإيراني، قتلوا في معارك ضد المعارضة في سوريا.
و لواء الزينبيين، وهم من الباكستان، يقاتلون تحت قيادة الحرس الثوري، ولواء الفاطميين، مكون من عدة فرق، وهو مشكل من الشيعة الأفغانيين، وتشكل في العام 2014، إضافة إلى قوات من الحرس الثوري نفسه، في هذه الألوية على مستوى ضباط الصف، وعلى مستوى مقرّ القيادة، وهذه الألوية تقاتل تحت راية واحدة، وتلبس زيّاً موحّداً، ولها نظام واحد، إضافة إلى لواء الحيدريين، المكون من الشيعة العراقيين، ولواء باسم “حزب الله” وله قسمان: الأول حزب الله لبنان، والثاني حزب الله سوريا، المكون من أهالي دمشق ونُبُّل والزهراء”.
مليشيات “زينبيون”
مدينة “قم” الإيرانية، شهدت مرات عدة تشييع جثامين عناصر من مليشيات “زينبيون” الباكستانية، التابعة للحرس الثوري الإيراني، ممن قتلوا في معارك ضد المعارضة السورية بمدينة حلب.. موقع “انتخاب” الإيراني للأخبار، أعلن عن مقتل 10 إيرانيين، كانوا يقاتلون إلى جانب قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد، مشيرًا أن القتلى دفنوا في مدينة “قم”، وذكر الموقع في الخبر نفسه، أن 233 جنديًا إيرانيًا، ممن قتلوا في سوريا، دفنوا في المدينة، دون أن يعطي مزيدًا من التفاصيل عن إجمالي قتلى الجنود الإيرانيين في سوريا.
قمع الثورة الشعبي
ومنذ تدخلها العسكري لمساندة نظام الأسد، لقمع الثورة الشعبية التي اندلعت ضده في 2011، تتكبد إيران بين الحين والآخر خسائر في صفوف جنرالاتها وجنودها، الذين سقط منهم الكثيرون، لكن لا توجد إحصاءات رسمية حول أعدادهم، ويعد الجنرال “ذاكر حيدري”، الذي أعلن عن مقتله في 2 نوفمبر الماضي، خلال معارك ضد المعارضة في محافظة حلب ، أحدث خسائر إيران في سوريا، لينضم إلى جانب جنرالات آخرين سبقوه منذ 2013.
“غلام رضى سيماي”
“حيدري” كان جنرالًا متقاعد وقائدًا لسرية عسكرية في قوات الحرس الثوري بمحافظة “أذربيجان الشرقية” غربي إيران، غير أنه اختار أن يقدّم خدمات “استشارية” عسكرية في سوريا عقب تقاعده، ومن بين القتلى أيضًا، “غلام رضى سيماي” الجنرال الإيراني الرفيع، وأحد رفاق حيدري، الذين سقط هو الآخر في معارك ضد المعارضة بسوريا، قبل “حيدري” بأسبوع، وتحدثت وسائل إعلام أنه شارك على مدار 8 أعوام في الحرب ضد العراق بالثمانينات.
“دريوش دوروستي”
وتضم قائمة خسائر إيران من الجنرالات، “دريوش دوروستي”، الذي قتل بمعارك في محافظة حماه وسط سوريا، بداية سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى جانب الجنرال المتقاعد “غلام أحمدي”، مساعد قائد ما يسمى فرقة “سيد الشهداء”، الذي لقي مصرعه بحلب في 31 أغسطس/أب الماضي.
الجنرال “حسين همداني”
وجاءت أكبر الخسائر البشرية لإيران خلال أكتوبر/ تشرين الأول 2015، حينما خسرت الجنرال “حسين همداني”، نائب قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني، في التاسع من ذات الشهر، خلال معارك في حلب، وبعده بأربعة أيام فقط، جاءت الضربة الموجعة الثانية، لتعلن إيران عن مقتل جنرالين لديها في سوريا، وهما “حاج حميد مختربند” المعروف بـ “أبو الزهراء”، و”فرشاد حسني زاده”، لكن هذه المرة في محافظة حماه.
“فيلق القدس”
ومع احتدام المعارك جنوبي حلب، بين المعارضة والنظام وحلفائه، سقط العميد “جواد دوربين” قتيلاً جديدا لإيران في سوريا، إلى جانب “شفيق شفيعي” القيادي البارز في صفوف “فيلق القدس”، ومن بين قتلى إيران في سوريا، الجنرالات: حسن شاطري، محمد جمالي زاده، عبدالله إسكندري، عبدالرضى مجيري، جبار دريساوي، علي الله دادي، محسن قجريان، حسن علي شمس أبادي.
الحرس الثوري
وعمدت إيران إلى إرسال ميليشيات للقتال في سوريا، منضوية تحت ألوية الحرس الثوري، وشكلت هذه القوات قوامها العسكري المحارب هناك، غير أن الخسائر لحقت بتلك الميليشيات العابرة للحدود أيضًا، حيث قتل “علي رضى توسلي”، قائد “لواء فاطميون” ذو الأصل الأفغاني، بمعارك ضد المعارضة بمحافظة درعا، جنوبي سوريا، العام الماضي.
“لواء فاطميون”
ومن بين أبرز القتلى في صفوف “لواء فاطميون”، رضى حواري، وعلي فرداي، وعلي بيات، الذين لقوا حتفهم على أيد المعارضة العام الماضي، إلى جانب محمد حسن حسيني، مساعد قائد اللواء في يونيو/ حزيران المنصرم في مدينة تدمر وسط سوريا، ومن الصعب تقدير خسائر إيران البشرية في سوريا، حيث تحتفظ إيران بهذه المعلومات لدى “هيئة حماية القيم المقدسة”، التابعة لرئاسة الأركان الإيرانية.
“فيلق كربلاء”
ومع أن الهيئة تمتلك موقعًا إلكترونيا لها عبر شبكة الانترنت، غير أنها لم تنشر إحصائيات بخصوص خسائر إيران في سوريا، لكن “عين الله تبريزي”، المستشار في “فيلق كربلاء”، التابع لـ”الحرس الثوري”، اعترف في مايو/ أيار الماضي، بمقتل ألف و200 عسكري تابع لقوات بلاده في سوريا منذ عام 2012، حسب وكالة أنباء الطلبة الإيراني.
70 موقعا لمراقد
وتحصر الموسوعة الحرة “ويكيبديا”، على الانترنت 70 موقعا لمراقد شيعية في سوريا، وكما يقول موقع “الامام الرضا” على الانترنت، أن سوريا من أكثر البلاد الإسلاميّة احتضاناً للمقامات والمشاهد المنسوبة لآل البيت وذراريهم، وأحصى المؤرّخون في أنحائها 49 مقاماً ومشهداً، أغلبها في دمشق، ثم في حلب وباقي المدن والمناطق السورية.. وتتبع الباحث هاشم عثمان في كتابه “مشاهد ومزارات ومقامات آل البيت عليهم السّلام في سوريا”، المصادر التاريخية التي تحدّثت عن المزارات الشيعية في سوريا.
المزارات الشيعية
وبيّن “عثمان” في كتابه أنه يوجد في دمشق ومنطقتها 20 مشهداً، وفي حلب ومنطقتها 7، وفي اللاذقية ومنطقتها 4، وفي حماه 4، وفي حمص 3، وفي مدن الجزيرة (ميافارقين، صفّين، بالس، الرقة، نصيبين) 11، وأن العدد الأكبر من هذه المشاهد منسوب لأمير المؤمنين عليّ 12، ثم للحسين 7، ثمّ لزين العابدين 4، ثم لبقية آل البيت لكل واحد منهم مقام، لكن عددًا من الأضرحة والمراقد المنسوبة إلى بعض الرجال والنساء من آل البيت، لم تثبت صحة نسبتها إليهم، والبعض الآخر حظي بعناية المؤرخين ومتابعتهم، لما مرّ عليها من تغييرات، وبعضها يكاد لا يعرِف عنه شيئاً، لأن المصادر لم تذكره، إلاّ بإشارات عابرة كمشاهد أهل البيت في المدن السورية، وهناك مشاهد تغيّرت أسماؤها مع الأيام، ولم يعد أحد يعرفها إلاّ من خلال الكتب، كبعض مشاهد آل البيت في المسجد الأموي.
عبداللطيف التركي – التقرير