نيويورك – نجحت روسيا في أن تفرض التعديلات التي طلبتها على مشروع القرار الفرنسي المقدم إلى مجلس الأمن، ما جعل قرارا بنشر مراقبين دوليين يتماشى تماما مع رؤية موسكو، ويهمش الأدوار الأخرى.
وأطلق الرصاص مساء أمس على أندريه كارلوف سفير روسيا لدى أنقرة خلال حضوره معرضا فنيا بأنقرة، في خطوة تعكس قلقا من الدور الروسي في سوريا ومسعى لإرباك جهود موسكو الهادفة إلى وقف الحرب.
يأتي هذا فيما تستضيف موسكو اليوم (الثلاثاء) لقاء ثلاثيا يجمع بين وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، ويهدف إلى البحث عن حل في سوريا بمواصفات روسية على أن تتحرك بقية الأدوار في فلك تلك المواصفات، وخاصة الدورين الإيراني والتركي.
وصوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع الاثنين على نشر مراقبين تابعين للأمم المتحدة بسرعة في حلب للإشراف على عمليات الإجلاء من المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة والاطلاع على مصير المدنيين الذين لا يزالون عالقين في المدينة.
وتبنى مجلس الأمن مشروع قرار فرنسيا تم تعديله وفق ملاحظات روسية.
وكان مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين أعلن الأحد أن الدول الأعضاء في مجلس الأمن توصلت إلى “صياغة جيدة لنص” مشروع القرار بشأن حلب.
ويهدف إقرار مبدأ إرسال المراقبين إلى حلب إلى فك أي اشتباك بين مقاتلي المعارضة السورية، والميليشيات الموالية لإيران، وهو ما أدى في الأيام الماضية إلى الإخلال باتفاق إجلاء المحاصرين في المدنية.
وقال متابعون للشأن السوري إن هذا القرار سيحد من الدور الذي تلعبه الميليشيات الحليفة لإيران التي توقف عمليات الإجلاء بشكل مستمر، فضلا عن أنه يكشف عن توسع دائرة الخلاف الإيراني الروسي على الأرض.
محمد زاهد جول: التنافس التركي الإيراني يهدد بإفشال أي حل سياسي
وفيما تسعى إيران إلى تعطيل الاتفاق، تعمل روسيا على إنجاح وقف إطلاق النار والمرور إلى البحث عن حل سياسي تبدأ أولى المساعي إليه في اجتماع اليوم بروسيا.
ولجأت موسكو إلى الضغط الخفي والمعلن لدفع الإيرانيين إلى القبول بالتسوية.
وذكر الكرملين في بيان أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغ نظيره الإيراني حسن روحاني هاتفيا الاثنين بأنه يأمل في أن يعملا سويا للتوصل إلى حل بشأن سوريا في أسرع وقت ممكن.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بأن اللقاء المنتظر اليوم مع نظيريه التركي مولود جاويش أوغلو، والإيراني جواد ظريف يرمي إلى إحداث “تأثير حقيقي” على الوضع في سوريا.
وعبر لافروف عن عزمه “التحدث بالتفصيل وبشكل ملموس مع الذين يمكنهم التأثير بشكل حقيقي على تحسين الوضع في سوريا”.
ونقلت وكالة “إنترفاكس” عن لافروف قوله إن “الشركاء الغربيين الذين ينشغلون بالخطابة والدعاية بصفة خاصة”، لا يندرجون ضمنهم.
ويرى مراقبون أن غياب الدور الأميركي في الملف السوري خلال الفترة الفاصلة بين انتخاب الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب في نوفمبر وتسلمه للسلطة في يناير، وضع مفاتيح الحل السوري بيد روسيا.
وأشار المراقبون إلى أن المسؤولين الروس يعملون الآن على ترويض الأدوار الإيرانية والتركية في سوريا بما يصب في خدمة رؤية موسكو للحل، على أن تترك لأنقرة وطهران هامشا محدودا من التحرك لخدمة أجنداتهما في سوريا.
بوريس دولغوف: الاجتماع الثلاثي سيكون بمثابة مقدمات أولية للحل في سوريا
وقال بوريس دولغوف الخبير بمركز الدراسات العربية والإسلامية في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية “إن أهمية هذا الاجتماع الثلاثي نابعة من تفاهمات مسبقة للدول الثلاث بخصوص الحل السوري ولا سيما بعد التغير الكبير في الموقف التركي لاعتبارات داخلية وخصوصا الإرهاب والأزمة مع الأكراد”.
وعبر دولغوف في تصريح لـ”العرب” عن اعتقاده بأن نتيجة هذا الاجتماع ستكون مقدمات أولية للحل في سوريا ولا سيما أنه يأتي بعد التفاهمات الروسية التركية بخصوص حلب واتفاق إخراج المدنيين والمقاتلين من المدينة.
ومن النقاط التي ينتظر أن يناقشها الاجتماع شكل ومدة المرحلة الانتقالية في سوريا بما يحقق الاستقرار والحفاظ على مؤسسات الدولة ووحدة البلاد وترك السوريين يحددون شكل الحكم المقبل برلماني أو رئاسي والانتخابات العامة.
وأشار الخبير الروسي إلى أنه بالرغم من التفاهمات المسبقة إلا أن الوصول إلى حل في سوريا ليس بالأمر السهل والسريع، لافتا إلى أن هناك قلقا للإيرانيين من الوجود العسكري التركي المتمثل في درع الفرات وقلقا للأتراك من الوجود الكردي المسلح على حدودهم، وأن روسيا تعمل على إدارة وضبط حالات القلق.
وحذر الباحث التركي المهتم بالسياسة التركية والعربية محمد زاهد جول في تصريح لـ”العرب” من أن الاجتماع قد لا ينجح في التوصل إلى نتائج ملموسة، لافتا إلى أنه لا تزال هناك خلافات تركية إيرانية ولا سيما أن الخارجية التركية أشارت إلى أن إيران مازالت هي الجزء المعطل للوصول إلى حل سياسي في سوريا.
وينتظر أن يعمل الاجتماع على تهيئة الأرضية لإعلان هدنة عامة والدعوة إلى التفاوض الذي يلقى دعما تركيا روسيا في العاصمة الكازاخستانية أستانة للعودة إلى الحوار السوري بعد أن تبين للجميع استحالة الحسم العسكري.
واعتبر جول أن التقارب التركي الروسي انبثق من إعادة تركيا ترتيب أولوياتها بدل سعيها لإسقاط الأسد.
ونفت تركيا إبرام أي “صفقة” سرية مع روسيا حول سوريا قبيل اجتماع موسكو.
وقال مسؤول كبير في الخارجية التركية “لا نرى الأمر بهذا الشكل”، و“المسألة ليست كما وكأننا نقوم بصفقة ما. لا نرى أي علاقة”.
لكن المراقبين يرون أن الاستدارة التركية الكاملة لا يمكن تفسيرها سوى بوجود صفقة تتخلى بموجبها أنقرة عن حلب.
العرب اللندنية