بنى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أغلب حملته الانتخابية الناجحة على إيقاف الهجرة غير الشرعية، لكن تدفق المهاجرين هو عَرَضٌ لخطرٍ أكبر بكثير للأمن الأمريكي يحتشد سريعًا على الحدود الجنوبية. في مقالٍ لهما بمجلة فورين بوليسي الأمريكية، يناقش إيمانويل أوتولينجي وجون حنا، الزميلان بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، الدور الذي تلعبه شبكة مخدرات تنظيم حزب الله في أمريكا اللاتينية في ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
في البداية يلفت الكاتبان النظر إلى أن التعاون بين عصابات المخدرات العنيفة وشبكات الإرهاب الإسلامي يزداد تعاونها عبر المنطقة، بمساعدةٍ من النخب السياسية الفاسدة. تغذي تلك الشبكة السامة كلًا من الخطر الصاعد للإرهاب العالمي وانهيار القانون والنظام عبر أمريكا اللاتينية وهو ما يساعد في دفع المخدرات والأفراد شمالًا نحو الولايات المتحدة، لذلك فإن تطوير استراتيجية لمحاربة ذلك الخطر المتنامي يجب أن يكون أولوية لإدارة ترامب، وينبغي أن يكون أحد أهدافها الرئيسية هو ذراع إيران الأكثر فتكًا، تنظيم حزب الله اللبناني الإرهابي.
يشير أوتولينجي وحنا إلى أن مشاركة حزب الله في تجارة المخدرات بأمريكا اللاتينية كبيرة ومتنامية. شكّل التنظيم، الذي عادةً ما يدعى “الفريق أ” للإرهاب الدولي، شراكات مع العديد من شبكات الجريمة الأسوأ سمعة بالمنطقة، من بينها عصابات لوس زيتاس المكسيكية، وحركة فارك الكولومبية، وعصابة بريميرو كوماندو دي لا كابيتال البرازيلية. تشير الأدلة إلى أن لدى حزب الله علاقاتٍ على طول سلسلة توريد المخدرات غير المشروعة. استهدفت العقوبات الأمريكية، بالإضافة إلى قضايا مرفوعة في الولايات المتحدة وخارجها، العملاء المرتبطين بحزب الله الذين يعملون كمقدمي خدمات لوجستية ومالية، ومهربين، وتجار، وموزعين، ومؤخرًا، موردين للمواد الأولية التي تستعمل في تكرير الكوكايين. يبدو الأمر أنها مسألة وقت قبل أن تظهر معامل مخدرات يديرها حزب الله أيضًا، من النوع الذي ظل طويلًا هناك في مركز عمليات التنظيم في وادي البقاع اللبناني.
أصبح ارتباط حزب الله بتجارة المخدرات في نصف الكرة الأرضية الغربي مصدرًا رئيسيًا لدخل التنظيم. تستخدم بعض الأموال لشراء مسؤولي الشرطة والسياسيين المحليين، ما يساهم في انتشار الفساد والجرائم، وهما من الأشياء التي تضر بحكم القانون ما يساعد في دفع موجة الهجرة.
من خلال شبكة غسيل أمواله الموثق وجودها، ينقل حزب الله أيضًا العوائد إلى الشرق الأوسط لتمويل عملياته العسكرية والإرهابية في أنحاء المنطقة. يشمل هذا تدخل التنظيم واسع النطاق في الصراع السوري، حيث كانت جرائم الحرب التي ارتكبها مسببًا رئيسيًا لأسوأ أزمة لاجئين تشهدها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن ما يعتبره الكاتبان أكثر إثارة للقلق هو علامات الإنذار على أن حزب الله يسعى إلى استخدام صلاته بعصابات المخدرات لأغراضٍ مشبوهة أقرب كثيرًا إلى الداخل الأمريكي، من بينها عملياتٍ إرهابية في الولايات المتحدة.
يضرب الكاتبان مثلًا بقضية البنك اللبناني الكندي، وهو مخطط غسيل أموال لحزب الله لصالح مهربي كوكايين من أمريكا اللاتينية يمتد إلى الولايات المتحدة وغرب أفريقيا. كشفت القضية عن شبكةٍ معقدة من عمليات غسيل الأموال والأنشطة الإجرامية وصلاتٍ موثقة بكبار قادة حزب الله. نسق الرأس المحرك للمخطط، أيمن جمعة، شحنات المخدرات لعصابات لوس زيتاس المكسيكية وحركة فارك الكولومبية. تم غسيل الأموال عبر وكلاء سيارات في الولايات المتحدة وأعمال يمتلكها التنظيم في غرب أفريقيا، مع حصول حزب الله على نسبةٍ من الأرباح. الأكثر إثارة للانتباه، يتابع الكاتبان، هو أن التواصل بين حزب الله وعصابات لوس زيتاس قد يكون ساعد لاحقًا في مخططٍ من قِبل الحرس الثوري الإيراني لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة عام 2011.
يستقر أهم أعضاء شبكة حزب الله في أمريكا اللاتينية بباراجواي، حيث يبدو أن صلات التنظيم تصل إلى أعلى مراتب الحكومة. من الأشياء ذات المغزى هو أنه رغم استهداف العديد من هؤلاء العملاء بالعقوبات الأمريكية فإن أحدًا منهم لم يواجه عواقب كبيرة في باراجوي، سواء شخصيًا أو لمصالحهم التجارية. أحد أبرز الأمثلة هو محمد فايز بركات، وهو لبناني باراجواني مزدوج الجنسية استهدفته عقوبات واشنطن عام 2006 لتورطه في تحريك الأموال إلى حزب الله من منطقة الحدود الثلاثية في أمريكا اللاتينية. رغم ذلك كان بركات ضيفًا مرحبًا به في حفل استقبال أقامته السفارة اللبنانية في أسونسيون في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 للاحتفال بعيد استقلال لبنان.
انعكس نفوذ حزب الله في باراجوي أيضًا على تعيين حسن خليل ضيا كسفيرٍ لباراجواي في لبنان. ضيا هو تاجر شيعي لبناني المولد من منطقة الحدود الثلاثية. تطلب الأمر تغيير القانون الباراجواني عام 2010 حتى يمكن القيام بذلك.
كسفير، يبدو أن ضيا قد عمل بدأب لتعميق مصالح حزب الله في باراجوي، بما في ذلك استضافة زيارة رفيعة المستوى إلى لبنان في آب/أغسطس 2015 من قِبل هوجو فالازكويز، المتحدث باسم برلمان باراجواي. خلال الزيارة، رتب ضياء مقابلة فالازكويز لرجال دين تابعين لحزب الله في جنوب لبنان.
قضى فالازكويز وقتًا مع برلمانيين بارزين عن حزب الله مثل نواف الموسوي، الذي كان رئيس قسم العلاقات الخارجية لحزب الله، وهو مكتب دعاية التنظيم الإرهابي ومشارك رئيسي في مخطط البنك اللبناني الكندي. هيمن تجار لبنانيون من منطقة الحدود الثلاثية على وفد فالازكويز، من بينهم وليد أمين سويد، حسب تقارير صحفية صدرت مؤخرًا، سويد هو أحد الذين تشتبه السلطات الباراجويانية في تورطهم في مخططٍ لغسل 1.2 مليار دولار، جزئيًا من خلال بنك بانكو آمامباي الباراجوي.
ما إذا كان أصدقاء حزب الله ذوي النفوذ سوف يدعون التحقيق في قضية بانكو آمامباي يسير في مساره هو أمرٌ محل شك. في محادثة خاصة مع أحد الكاتبين، زعمت مصادر من داخل السلطات القضائية الباراجويانية أن الشركات المتورطة في المخطط تم إبلاغها بعملية التفتيش والمصادرة الوشيكة قبل يومين من ذهاب المحققين إلى مكاتبها. أشارت مصادر أخرى داخل مكتب النائب العام الباراجوياني بإصبع الاتهام إلى “سيبرلاد”، وهي الوكالة الحكومية المسؤولة عن التحقيق في غسيل الأموال. لكن لا أحد يبدو متحمسًا لمتابعة الأمر، متذرعين بقدرة البلاد المحدودة على تتبع التحويلات المالية خارج باراجواي.
يخص بانكو آمامباي رئيس باراجوي، هوراسيو كارتس، من خلال المؤسسة التي تملكها عائلته. بينما لا يوجد مؤشرات على أن كارتس هو هدف أي تحقيق، إلا أن سلطات إنفاذ القانون الأمريكية اشتبهت في وقتٍ سابق في اشتراك بنكه في مخططٍ لغسيل الأموال هرّب أرباحًا غير مشروعة من تجارة المخدرات والتبغ غير الشرعية إلى الولايات المتحدة. تسبب الكشف المبكر عن التحقيق ضمن ملفاتٍ نشرها موقع ويكيليكس عام 2010 في إعاقة التحقيق.
بالنظر إلى تلك الصورة القاتمة، يتابع الكاتبان، فإن خطر استمرار مصرفيين على صلةٍ بحزب الله في الإفلات من العقاب عبر المال، خاصةً في أجزاء من أمريكا اللاتينية حيث السلطات المحلية مرتبطة بالفعل بطرازها الخاص من التهريب غير الشرعي، هو كبير.
في بقية المقال يطرح الكاتبان الحلول التي يقترحانها لمواجهة ذلك الخطر. كان أول تلك المقترحات هو استهداف من يمكّنون حزب الله، بما في ذلك المسؤولين والبنوك الباراجوانية. أما ثانيها فكان تدعيم أثر تصنيف حزب الله كمنظمةٍ إرهابية في أمريكا اللاتينية عبر ملاحقة من يسهلون أعمال التنظيم، ويتضمن ذلك فرض عقوبات على الشركات المحلية التي تسهّل مثل تلك الأنشطة. ثالثًا، يقترح الكاتبان أن تعلن الولايات المتحدة أنها سوف تستخدم التشريعات الحالية والمستقبلية الخاصة بتمويل الإرهاب لإعطاء الأولوية لاستهداف نشاطات التنظيم في أمريكا اللاتينية. رابعًا، يرى الكاتبان أن المدعي العام المستقبلي جيف سيشنز يجب أن يجعل ملاحقة قضايا المخدرات وغسيل الأموال والإرهاب النابعة من أمريكا اللاتينية محل اهتمامٍ كبير لوزارة العدل.
في النهاية يوضح أوتولينجي وحنا أن استهداف التهديد المتصاعد الذي يشكله التحالف النامي بين حزب الله وعصابات المخدرات والنخب الفاسدة في أمريكا اللاتينية سوف يكون له فوائد كبرى، أهمها هو تمكين الولايات المتحدة من مواجهة العديد من التحديات الهامة للأمن القومي. عبر إضعاف الشبكات الإجرامية التي تقوض على نحوٍ خطِر القانون والنظام في المنطقة، سوف تكافح الولايات المتحدة سببًا رئيسيًا من أسباب الهجرة غير الشرعية. عبر تعطيل وتجفيف مصادر هامة لتمويل حزب الله، سوف توجه الولايات المتحدة ضربةً قوية ضد أحد أقوى التنظيمات الإرهابية في العالم وداعميه الإيرانيين. وأخيرًا، عبر معاقبة السياسيين الفاسدين الذين يوفرون غطاءً لشبكة الإرهاب والجريمة، يمكن لواشنطن أن ترسل إشارة أمل ضرورية لشعوب أمريكا اللاتينية: أنه ما زال يمكن إنقاذ مجتمعاتها من حكم اللصوص (الكليبتوقراط) الذين جعلوا سلوك الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى الشمال خيارًا أفضل من البقاء في بلدانهم.
مجلة فورين بوليسي الاميركية
ترجمة عبد الرحمن رضوان
نقلا عن صوت الترا