عندما اجتمع الرئيس أوباما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أيلول (سبتمبر) الماضي لآخر مرة قبل أن يغادر الرئيس أوباما البيت الأبيض، تميز الاجتماع بالابتسامات المفتعلة والنكات المتوترة عن لعب الغولف في سنوات التقاعد، كما لو أن أحداث الماضي أصبحت من الماضي بعد ثمانية أعوام من الصراع.
لكن الأمور لم تكن لتنتهي بتلك الطريقة أبداً؟ كيف تفعل؟ فقد بلغت الرواية عن العلاقة المتوترة والنزقة بين الرئيس الليبرالي ورئيس الوزراء المحافظ أوجاً في مواجهة مسيسة جداً حول الحرب والسلام والعدل والأمن وحقوق الإنسان، وأخيراً، حول معنى الصداقة الدولية نفسه.
يوم الجمعة، كشف قرار السيد أوباما عدم الوقوف في وجه صدور قرار مجلس الأمن الدولي الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي كل الحنق الذي احتضنه الرجلان منذ أن توليا مهامهما الرسمية في العام 2009. وبالنسبة لنتنياهو، كان القرار بمثابة الخيانة الأخيرة التي يقدم عليها رئيس كان من المفترض أن يكون حليفاً، لكنه لم يكن كذلك أبداً. وبالنسبة للسيد أوباما، كان ذلك هو النتيجة الحتمية لتجاهل السيد نتنياهو العنيد المخاوف الدولية في سياساته.
كان الرجلان قد فعلا القليل لإخفاء ازدرائهما المتبادل. وبعد أن قادت المباحثات إلى استنتاج أن السيد أوباما لن يستخدم حق النقض “الفيتو” على مشروع القرار، كما كان رؤساء الحزبين قد فعلوا في الماضي، كان المسؤولون الإسرائيليون قد غسلوا أيديهم سلفاً من الرئيس المنصرف واتصلوا بخلفه في الخفاء. وعلى الأثر، أصدر الرئيس المنتخب دونالد ترامب على الفور بياناً يدعو السيد أوباما إلى استخدام الفيتو ضد مشروع القرار.
وعندما لم يوقف ذلك مجلس الأمن عن التصرف في نهاية المطاف، أعرب فريق السيد نتنياهو عن غضب كبير من السيد أوباما. وأدلى مسؤول إسرائيلي، مصراً على عدم ذكر اسمه للحفاظ على المظهر الخادع للبروتوكول الدبلوماسي، بتصريح للعديد من المراسلين الصحفيين، والذي هاجم فيه السيد أوباما ووزير خارجيته جون كيري بالاسم.
وقال المسؤول الإسرائيلي إن “الرئيس أوباما ووزير الخارجية، جون كيري، يقفان وراء هذه الخطوة المخجلة ضد إسرائيل في الأمم المتحدة”. وأضاف: “لقد طبخت الإدارة الأميركية سراً مع الفلسطينيين مشروع قرار متطرف ضد إسرائيل من وراء ظهر إسرائيل، والذي سيكون مفيداً للإرهاب والمقاطعات، والذي يجعل حائط المبكى من الناحية الفعلية أرضا فلسطينية محتلة”.
من جهته، سارع البيت الأبيض إلى الإعراب عن انزعاجه من التهجم الإسرائيلي، نافياً أنه كان وراء القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي، لكنه دافع عن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على مشروع القرار بدلاً من الاعتراض عليه لأنه منسجم مع المعارضة الأميركية طويلة الأمد، من كلا الحزبين، لإنشاء المستوطنات لأنها تشكل عائقاً أمام التوصل إلى السلام مع الفلسطينيين.
وقال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي في إدارة أوباما، بنيامين رودوس، للصحفيين في مؤتمر بواسطة الانترنت، إن الاستيطان الإسرائيلي “مليء بعدم الدقة والتزييف”. وأضاف أن الرئيس حاول مراراً وتكراراً جلب الخصمين معاً إلى المفاوضات، فقط ليرى إسرائيل وهي تستمر في بناء المزيد من الإسكانات في الضفة الغربية بطريقة تجعل التوسط إلى اتفاق سلام أكثر صعوبة باطراد.
وقال السيد رودوس: “لقد حاولنا كل شيء”. وأضاف بعد تصويت الأمم المتحدة يوم الجمعة، إن نتنياهو كان يرى هذا قادماً. وقال: “كانت لدى السيد نتنياهو الفرصة لاتباع سياسات كانت ستفضي إلى محصلة مختلفة اليوم. لو لم نشاهد هذا التسارع في النشاط الاستيطاني، ولو لم نسمع نوع الخطاب الذي نراه من الحكومة الإسرائيلية الراهنة، أعتقد أن الولايات المتحدة كانت لتتخذ موقفاً مختلفاً”.
جاء الصدام الأخير الذي حدث قبل أربعة أسابيع وحسب من مغادرة السيد أوباما لمنصبه تتويجاً لثمانية أعوام من الخصومة بين الرجلين. لم يتوافق الرجلان منذ البداية. وقد وصل أوباما المثالي، وربما مفرط الثقة بنفسه، إلى البيت الأبيض وهو متأكد أن باستطاعته حل الصراع المستمر بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ عقود. لكن السيد نتنياهو رأى فيه رجلاً ساذجاً فشل في استيعاب التهديد الوجودي لإسرائيل، والذي طلب من أصدقائه تقديم أكثر مما طلب من أعدائه.
اتسمت العلاقة بين الرجلين بنزاع بعد الآخر، في انعكاس ليس للخلافات الشخصية وحسب، وإنما لأهداف سياسة متباعدة يتبناها الرجلان وبلداهما بعمق. وكانت مطالبة السيد أوباما بأن تعلق إسرائيل بناء المستوطنات تمهيداً للدخول في مفاوضات قد أغضبت السيد نتنياهو. كما أن الإعلان عن بناء مستوطنة جديدة في القدس الشرقية بينما كان جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي، يزور إسرائيل، أغضب السيد أوباما. وقد انهارت محاولتان رئيسيتان للمفاوضات بذلهما السيد أوباما وسط جو من عدم الثقة والعداوة.
أثبتت الصفقة متعددة الأطراف التي هندسها السيد أوباما لكبح البرنامج النووي الإيراني في مقابل تخفيف العقوبات الدولية عن إيران أنها كانت نقطة انعطاف. وفي البداية، أخفى السيد أوباما المباحثات السرية مع إيران عن الإسرائيليين. وبعد أن انتشر نبأ المباحثات على الملأ، طار السيد نتنياهو إلى واشنطن ليشجب الجهد في اجتماع مشترك للكونغرس، لكنه لم يفلح مع ذلك في وقفه.
حاول الجانبان وضع الشقاق بينهما خلفهما في الخريف الماضي من خلال التوقيع على حزمة مساعدات أمنية لإسرائيل بقيمة 38 مليار دولار على مدار 10 أعوام. لكن مرارة الخلافات بين الطرفين ظلت تخيم على الاتفاقية. وكان منتقدو السيد نتنياهو في الوطن قد أكدوا على أن قيمة الحزمة كان يمكن أن تصل إلى 45 مليار دولار، وأن خطاب رئيس الوزراء نتنياهو هو الذي تسبب بهبوط سقفها بقيمة سبعة مليارات دولار. ومن جهتهم، قال مسؤولون أميركيون إنها ما كانت لتصل إلى ذلك العلو أبداً، لكن الجانبين المعارضين ظلا متمسكين بعنادهما.
وحتى بعد تبادل الابتسامات واجتماع لعبة الغولف معاً في نيويورك في يلول (سبتمبر)، أوضح السيد أوباما أنه لم ينته بعد من جهوده لترك علامته على جهود السلام في الشرق الأوسط، بينما كان يبحث في وضع إطار عمل أميركي للتوصل إلى اتفاق. وكان السيد أوباما قد غضب من اقتراح السيد نتنياهو بالاحتفاظ ببؤرة استيطانية إسرائيلية غير شرعية في آمونا عن طريق نقل المستوطنين إلى قطعة أرض أخرى يملكها الفلسطينيون.
وقال منتقدو السيد نتنياهو في إسرائيل إن الجدل الذي ثار حول مستوطنة آمونا واقتراح تشريع لإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية الأمامية غير القانونية كانا المسؤولين عن قرار أوباما التخلي عن حكومة إسرائيل يوم الجمعة الماضي.
من جهتها، أشارت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، في مشاركة لها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إلى أن نتنياهو “اختار تقديم مشروع قرار المشروع، وأصر على آمونا وقفز إلى الحائط وهو على معرفة تامة بأن هذه ستكون النتيجة -بينما اختار مصلحته الخاصة على المصلحة الوطنية”.
لكن فريق السيد نتنياهو رفض ذلك. وقال مايكل أورين، نائب الوزير والسفير السابق لدى الولايات المتحدة: “أعتقد بأن مشروع قانون شرعنة المستوطنات لم تكن له علاقة بالموضوع”. لكنه اعترف لاحقاً بأنه “كان من الأفضل لو تم بحث مشروع قرار الشرعنة في وقت لاحق، تماماً بسبب أسئلة مثل هذه”.
وقال السيد أورين إن العائق الحقيقي أمام السلام هو التحريض الفلسطيني وليست المستوطنات الإسرائيلية. وأضاف أن الأمم المتحدة كانت منافقة لأنها اختصت إسرائيل بينما تجاهلت عشرات النزاعات الإقليمية الأخرى حول العالم. وقال: “إنه قرار ليس معادياً لإسرائيل فقط. إنه قرار معادٍ للسامية أيضاً”.
وفي الولايات المتحدة، واجه السيد أوباما انتقادات -ليس من الجمهوريين فقط وإنما من الديمقراطيين المؤيدين لإسرائيل أيضاً، مثل السناتور تشك شومر من نيويورك، وقسم من المنظمات الأميركية اليهودية، بما فيهم العديد من التي تقف على خلاف مع السيد ترامب.
وقال جوناثان غرينبلات، المسؤول التنفيذي لرابطة معاداة التشهير في بيان: “من المثير للقلق جداً أن يكون هذا القرار المنحاز هو الكلمة الأخيرة للإدارة حول هذا الموضوع”.
إذا كانت هذه هي الكلمة الأخيرة -وما تزال هناك 27 يوما متبقية من رئاسة أوباما- فإنها ستكون المقطع الختامي لعلاقة لم تكن متناغمة على الإطلاق.
بيتر بيكر
صحيفة الغد