يقول الباحث والخبير في الشؤون الإسلامية لدى منظمة الأمم المتحدة ويلفريد بوختا، إن الشرق الأوسط في حالة تفكك وأوروبا ستدفع ثمن هذا الوضع.
كيف ترى الشرق الأوسط في نهاية سنة 2016؟
تعيش دول الشرق الأوسط مرحلة تفكك اجتماعي وسياسي في ظل تواصل موجات اللاجئين وتفاقم الإرهاب، ومن المحتمل أن تستمر الحرب في سوريا والعراق لعقود.
تعيش الحرب السورية بعد استعادة حلب تحولاً مأساويًا، فهل سينتصر بشار الأسد في الأخير؟
يسيطر الأسد وحلفاؤه في الوقت الراهن على أهم المدن السورية باستثناء إدلب والرقة، وهو ما يمثل نحو 50 أو 60% من الشعب السوري، ومن جهة أخرى، فإن المعارك في الريف لا زالت متواصلة، كما أن الحرب تشهد مرحلة جديدة، إذ إن المعارك قد تتحول في بعض المدن إلى حرب عصابات، ولا يملك الأسد تصورًا واضحًا للدولة التي يتمتع فيها كل المواطنين بحق المواطنة، وما تبقى من سوريا بعد معارك طويلة، دويلة طائفية تعيش فيها أقلية علوية بقيادة الأسد، بفضل الدعم الذي تحظى به من طرف أقليات أخرى في حالة صراع مع الطائفة السنية، التي تمثل 70% من الشعب.
ينتقد البعض الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا نظرًا لعدم تدخلهما في الحرب السورية، فما الأخطاء التي ارتكبتها أوروبا على مستوى سياستها الخارجية تجاه سوريا؟
إننا نملك صورة خاطئة عن الوضع العام في دول الشرق الأوسط، فنحن لا نعرف الوضع في هذه الدول، ولا نملك صورة واضحة عن الأنظمة السياسية فيه، كما أننا نجهل طبيعة المجتمعات الإسلامية، ونستطيع تحقيق الاستقرار في هذه الدول عن طريق التعاون الاقتصادي، وفي المقابل، نقترح عليهم إجراء إصلاحات سياسية، وبالإضافة إلى ذلك، يجب علينا أن نكون أكثر واقعية، لأن تصوراتنا خاطئة.
ويجب علينا أن نقر بأن التدخل العسكري يؤدي إلى نتائج كارثية، كما أن الديمقراطية الغربية لم تحقق تغييرات جذرية في الدول الإسلامية، وعلينا أن نقبل بواقع المنطقة مهما كان سيئًا، إن الدول التي تستعمل العنف قد تدمر نفسها، ولا يسعنا إلا تقديم المساعدات لبعض المدنيين المنكوبين.
تكبد تنظيم الدولة عديد من الهزائم، وتمكن الجيش العراقي من السيطرة على جزء من الموصل، فما مدى قوة التنظيم في الوقت الراهن؟
لقد توقفت معركة الموصل، ومن جهة أخرى، فإن تنظيم الدولة مستعد لإبراز مقاومة شرسة، ومن المحتمل أن تستمر المعركة لمدة طويلة، وتبقى نتيجة هذه المعركة غامضة، لكن من يسيطر على الموصل؟ تبدو الإجابة عن هذا السؤال غير واضحة، فيمكن أن تنفذ المليشيات الشيعية هجمات على نطاق واسع ضد السنة، وبعد الانسحاب من الموصل، يمكن أن يدافع تنظيم الدولة عن السنة في صراعهم ضد الشيعة.
هل ستزول دولة الخلافة من الخريطة؟
يصعب قول ذلك، إذ إن مصير دولة الخلافة مرتبط بمعركة الموصل والتطورات في الرقة، كما يمكن أن يتوسع نفوذ تنظيم الدولة، نظرًا إلى أن التنظيم يمكن أن يخرج منتصرًا في عدد من المعارك.
كنت قد ألفت كتابًا عن الأصولية في الشرق الأوسط، نقدت فيه دعم المملكة السعودية للسلفيين، لكن إلى أي مدى ساهم هذا الدعم في انفجار الوضع في الشرق الأوسط؟
ساهمت السلفية في مزيد من إضعاف الإسلام المعتدل، وهو ما أدى إلى الحد من التعددية السياسية والثقافية في المنطقة، كما تم التخلي عن الصوفية وكل أشكال الاعتدال والتسامح، لتحل محلها تنظيمات متطرفة على غرار تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، وتعتبر المملكة السعودية مسؤولة عن انتشار التطرف.
تؤكد الاستخبارات الألمانية ولجنة حماية الدستور أن كلاً من قطر والمملكة السعودية والكويت مسؤولون عن انتشار التطرف في المدن الألمانية، فما موقف ألمانيا من ذلك؟
تدعم المملكة السعودية سنويًا التنظيمات المتطرفة، ويعتبر موقف الدول الأوروبية وخاصة ألمانيا من ذلك سلبيًا، وستدفع أوروبا ثمن ذلك، كما يوجد عدد قليل من المتطرفين في ألمانيا، لكنهم منظّمون بشكل جيد ويتلقون دعمًا كبيرًا، ولا يمارس كل السلفيين العنف، لكن الوسط الذين يعيشون فيه يشجع على الجهاد، وهو ما يفسر انضمام عدد من السلفيين إلى تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة، ورغم قلة عددهم، إلا أن السلفيين يشكلون خطرًا.
تُعتبر إيران ثاني أكبر دولة إسلامية، وتعد هذه الدولة متطرفة مثل حزب الله، إلى أي مدى تمثل إيران خطرًا على أوروبا؟
لا تشكل إيران أي خطر بالنسبة لأوروبا في الوضع الراهن، وفي المستقبل القريب، كما تتنافس إيران والمملكة العربية السعودية من أجل الهيمنة على الشرق الأوسط، ومن المتوقع، أن تزداد هذه الحرب الباردة بين المملكة السعودية وإيران حدة خلال العقود القادمة، ولقد تمكنت إيران من تحقيق عديد من الانتصارات، إذ تملك نفوذًا على العراق، وتُعتبر حليف بشار الأسد، وتؤثر بشكل كبير على لبنان، وتطمح إيران إلى السيطرة على الشرق الأوسط، بينما لا تطمح لأي هدف في أوروبا.
كيف ستبدو ملامح الشرق الأوسط بعد عشر سنوات؟ وكيف ستتعامل أوروبا مع ذلك؟
إن الوضع الاقتصادي في معظم الدول كارثي، وسيبقى كذلك، كما ستكون كل دول المنطقة مهددة بالانفجار الديمغرافي، فقد تضاعف عدد السكان خلال العقود الثلاث الأخيرة في كل من مصر والعراق، وما زال العدد في ارتفاع، وفي المقابل، يوجد عدد قليل من مواطن الشغل، وهو ما يولد الاحتقان لدى عدد كبير من الشبان، وفي الوقت نفسه، تعاني السلطات الحاكمة من الرشوة والفساد، وعوض إجراء إصلاحات ونشر الديمقراطية، تمارس هذه السلطات القمع ضد المعارضة.
لقد ولّدت هذه السياسة القمعية التي تنتهجها السلطات الحاكمة مناخًا يشوبه الإحباط واليأس والعنف، ويجب أن تستعد أوروبا لموجات جديدة من اللاجئين قادمة من الشرق الأوسط وإفريقيا، ومن المرجح أيضًا أن تتزايد العمليات الإرهابية في أوروبا.
ويلفريد بوختا
المصدر: صحيفة تسايت
نون بوست