تنطوي صفحة 2016 مع كل ما حدث فيها من تحولات جيوسياسية ونزاعات متفاقمة وتصدع للعولمة وصعود للشعبوية، كي نستقبل 2017 التي لا يبدو أنها ستكون أفضل، لأنها ستتأثر بتداعيات وانعكاسات هزات السنوات السابقة في ميدان العلاقات الدولية.
2017 ستكون على الأرجح سنة انتقالية إن لم نقل تقريرية بالنسبة لتوجيه بوصلة تطور النظام الدولي في حقبة الاضطراب الاستراتيجي وتحديد المسار نحو التجاذب بين الجبابرة خاصة على الصعيد الاقتصادي بين واشنطن وبكين، وآفاق الاختراق الروسي وكذلك بالنسبة لموقع الاتحاد الأوروبي بعد البريكست والانتخابات القادمة في فرنسا وألمانيا، أو لجهة “مخاض” الفوضى التدميرية في إعادة تركيب الشرق الأوسط.
لا تبدو الصورة زاهية في هذا العهد الجديد من العلاقات الدولية ما بين البوتينية الساعية للترسخ، والترامبية القادمة بصخب، والتنين الصيني النهم، وأوروبا الهرمة والسلطويين الجدد ورعيل الحنين إلى الإمبراطوريات ومستخدمي البعد الديني والأساطير ورافضي العولمة وأنصار القطيعة بين الثقافات والشعوب.
في موازاة إنجازات الثورثين الرقمية والتكنولوجية في قريتنا الكونية، يشدنا التاريخ إلى الوراء وإلى قرن مضى بعد سقوط العولمة الرأسمالية الأولى الذي أدى إلى الحرب العظمى في 1914. وفِي حقبتنا هذه مع ازدياد الفوارق الاجتماعية وتراجع الحريات وصعود الشعوبيين تتشابه الظروف مع تلك التي قادت إلى اندلاع الثورة البولشفية الحمراء في 1917. بالطبع، لن يتكرر نفس السيناريو ولكننا على عتبة مرحلة تتطلب برمجة جديدة لأنماط تفكيرنا ومقارباتنا.
مع الانسحابات من المحكمة الجنائية الدولية، واللجوء إلى القوة الفظة (الحرب المقننة بطاقة عودة روسيا إلى نادي الكبار) وتفشي الإرهاب واستخداماته، تنتهي مرحلة “غربية” الطابع لناحية ربط العلاقات الدولية بقواعد مشتركة لما يسمى المجتمع الدولي. والآن يبرز على السطح التحلل من كل ربط بعوامل الأخلاق والاعتبارات الإنسانية، ومنح الأولوية لسيادة الدول على حساب قوة القانون الدولي والعمل الدبلوماسي المتعدد الأطراف.
إن هذه الردة ضد المكاسب المحدودة للنظام الدولي تتمثل ببريق البوتينية ليس فقط لجهة الإنجاز العسكري على الساحة السورية، بل لجهة صعود قادة شعوبيين أو يمينيين مقربين لموسكو في أوروبا وإذا صدقت اتهامات واشنطن حول ممارسة فريق بوتين التدخل الالكتروني في الانتخابات الأميركية، فهذا يعني أن الحرب الالكترونية التي تدور وراء الشاشات هي معارك تمهيدية أو اختبارات قوة في سياق أنواع جديدة من المواجهات لتقرير مصير الممسكين بزمام العالم في العقود القادمة.
ولذا سيشكل وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض علامة فارقة في هذا السياق وتوجهه تحت عنوان “أميركا أولا” يعطي إشارة واضحة إلى عودة الخطاب القومي والسيادي على حساب العولمة والتعاون الدولي.
ومن غرائب السياسة وتطور الاقتصاد أن تصبح الإمبراطورية الشيوعية الصينية أكثر حرصا على العولمة من الولايات المتحدة الأميركية التي صنعتها وقادت قطارها. وهنا يكمن الاختبار الأكبر لمعرفة اتجاه بوصلة العالم لناحية قرارات إدارة ترامب وردود فعل الصين عليها ولذلك كما سيتركز اهتمام الصين على المزيد من حصد المكاسب والقضم على طريق الحرير الجديدة، سيتركز اهتمام واشنطن على بحر الصين الجنوبي واللعبة الصينية في آسيا والمحيط الهادي .
بيد أن هذا التركيز على آسيا البعيدة لا يعني عدم الاهتمام بغرب آسيا وما يجري في الشرق الأوسط الكبير. وهنا سينتظر الجميع مواقف إدارة ترامب من إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا ومدى تسليمه بصعود الدور الروسي في شرق البحر المتوسط.
لا تشكل 2017 كتابا مفتوحا لأنه يحمل في طياته ألغازا ومفاجآت من انعكاسات الدولار القوي الذي ستعمل عليه إدارة ترامب، إلى أحوال سوق النفط الخام وانعكاساتها. وعلى لائحة الانتظار نتائج الانتخابات في فرنسا وإيران وألمانيا وهولندا ونيجيريا، وأفق ما بعد نكسات داعش من الموصل إلى سوريا، وكذلك تطور المسألة الكردية وجملة المخاطر الاقتصادية في أكثر من مكان.
يتسرع البعض في إعلان الغياب السياسي للعرب على ضوء قراءة المنعطفات الحادة في 2016. يسري ذلك بشكل أو بآخر على النظام الإقليمي العربي الذي لم ينهض عمليا بعد الضربة القاضية التي تعرض لها اثر سقوط بغداد في 2003 وصعود القوى الإقليمية الأخرى على حسابه (كما شهدنا
مع إعلان موسكو حول سوريا في 20 ديسمبر 2016). لكن عمق التحولات في أكثر من مكان في العالم العربي منذ العام 2010، وبالرغم من الفوضى التدميرية والإرهاب والهجمات الدولية والإقليمية والحروب التي تنهش أكثر من بلد، تدلل على أن القوة الكامنة في الشباب العربي مؤهلة لتصحيح المسارات ولكسب الرهانات وفق مشروع نهضوي لن يسلم بأي احتلال قريب أو بعيد.
د.خطار أبو دياب
صحيفة العرب اللندنية