من السيناريوهات المطروحة لمستقبل تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بعد تراجع نفوذه في العراق وسوريا الذي بلغ أوج قوته في عام 2014، انتقاله بعد خسارته في معقله الرئيسي إلى مناطق بديلة لإعادة هيكلة بنيته واستعادة نفوذه، لا سيما مع تحول العديد من دول المنطقة إلى دول فاشلة فاقدة للسيطرة على أجزاء من أراضيها.
أمام التنظيم في بحثه عن مناطق بديلة لاستعادة نفوذه ثلاثة مسارات رئيسية محتملة، هي: المفاضلة بين دول تضم ولايات تابعة له، أو البحث عن مناطق جديدة لم يتوجه إليها من قبل تتوفر فيها المقومات المساعِدة لاستعادة نفوذه من جديد، وأخيرًا البقاء في العراق وسوريا ولكن في الأطراف.
ويمكن الإشارة إلى أن هناك ثلاثة معطيات رئيسية من شأنها تحديد الدولة التي سيفضلها التنظيم لتكون محل تواجد قيادته المركزية. أولها، يتعلق بضرورة وجود قضية كبرى يسوِّق التنظيم بها لنفسه، كالاحتلال الأجنبي أو ديكتاتورية النظام السياسي. وثانيها، يرتبط بوجود طبيعة جغرافية توفر غطاء لتواجد التنظيم وعملياته، كأن تكون الدولة واسعة المساحة، ذات حدود ممتدة يصعب حصارها، واحتواؤها على جبال أو غابات تساعد في التمركز ومواجهة القوات في حال مواجهتها، وكفاية مواردها الغذائية والمائية في حالات الحصار. وثالثها، يتصل بسكان الدول المختارة، حيث يفضل التنظيم الدول ذات العدد الكبير من السكان، بحيث يصعب ضبط حركته.
المسار الأول- التوجه نحو دول الفروع:
تتعدد الولايات الفاعلة التابعة لتنظيم “داعش” في الدول العربية، وعلى وجه الخصوص ليبيا ومصر واليمن، وغير العربية مثل أفغانستان ونيجيريا، وعليه تتوسع دائرة الاحتمالات حول الدول التي من المحتمل أن يتوجه إليها التنظيم لإعادة ترتيب أوراقه، وهي على النحو التالي:
أولا- ليبيا: بدأ التنظيم الانتشار فيها منذ بدايات عام 2015 بالسيطرة تدريجيًّا على “سرت” لتكون قاعدته الرئيسية في منطقة شمال إفريقيا إثر فوضى الحرب الأهلية هناك. وقد عمل التنظيم على إيفاد عناصر مقاتلة ذات خبرة للمشاركة في العمليات الميدانية على الأراضي الليبية.
وبرغم توافر المعطيات الجغرافية والسكانية والسياسية المناسبة لانتقال التنظيم إلى ليبيا، فإن الخسائر التي تكبدها التنظيم هناك لم تكن في صالحه، وقضت على أحلامه، حيث تمكنت قوات “البنيان المرصوص” التابعة لحكومة الوفاق الوطني بغطاء جوي أمريكي في مطلع شهر ديسمبر 2016 من دحر التنظيم في سرت، وإعلان خلو المدينة من العناصر الداعشية، مما قضى على آمال “داعش” هناك.
ثانيًا- اليمن: الطبيعة القبلية لليمن تقوض من احتمالات انتقال التنظيم إلى الأراضي اليمنية، لا سيما مع اعتماد “داعش” على عناصر غير يمنية في قيادة المجموعات التابعة له هناك، إلى جانب اشتباكاته مع المدنيين، الأمر الذي أدى إلى تغيبه عن الظهور كطرف فاعل في الساحة اليمنية، وهو ما يقلل من فرص التنظيم في التوجه إلى هناك.
ثالثًا- مصر: هناك صعوبات لانتقال تنظيم “داعش” إلى مصر لأسباب عدة، أولها: أن تواجد فرع التنظيم في مصر جاء نتيجة تهديدات تنظيم “القاعدة” لجماعة “أنصار بيت المقدس” بقطع التمويل، ومن ثم أعلنت الجماعة مبايعتها لتنظيم “داعش” من أجل الحصول على تمويل، وليس من أجل الإيمان بالتنظيم، وظهرت على إثره باسم “ولاية سيناء”. وثانيها: ضعف انتشار التنظيم في مصر مع الهزائم المتكررة التي يتلقاها من قبل الجيش المصري. وثالثها: طريقة تنفيذ عملياته تنم عن اعتماده على أسلحة بدائية. وأخيرًا: غياب المعطيات السياسية. وهذه الأسباب لا تُؤهل التنظيم لأن يختار مصر كواجهة لإعادة التمركز.
رابعًا- نيجيريا: على الرغم من التدخل الواضح لتنظيم داعش في اختيار قيادات تنظيم “بوكو حرام” في نيجيريا، وكسبها لتغطية إعلامية كبرى من قبل القيادة المركزية لتنظيم “داعش”، إلا أن بوكو حرام شهد العديد من الخسائر آخرها في شهر ديسمبر 2016، حيث تمكن الجيش النيجيري من سحق أتباعه في غابة “سامبيسا” شمال شرق البلاد. وتلك الخسائر من شأنها الحد من فرص اختيار “داعش” نيجيريا بديلا لسوريا والعراق.
خامسًا- أفغانستان وباكستان: يأتي التنافس على الساحة الجهادية هناك كأحد أهم العوائق التي من شأنها منع التنظيم من اختيار أيٍّ منهما كواجهة لإعادة الهيكلة، خاصة أن القيادات التي يعتمد عليها بصورة رئيسية داخل الدولتين قُتل أغلبها. وإلى جانب هذا، تأتي التركيبة السكانية للشعب الأفغاني، والعادات والتقاليد، والتواجد الأمريكي، ووعود الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” بمساندة الأفغانيين في مواجهة الإرهاب، كعائق أمام تنظيم داعش في فكرة توجهه إلى أفغانستان. لكن هذا لا يمنع من تفكير التنظيم في أفغانستان، لا سيما بعد فرار العديد من مقاتليه من سوريا والعراق إليها.
المسار الثاني- السعي نحو خلق مناطق جديدة:
يضم التنظيم في داخله مقاتلين أجانب من دول مختلفة، على رأسها تونس، الأمر الذي دفع البعض للقول بأن من المحتمل أن تكون تونس هي المحطة القادمة للتنظيم، وما يعزز من تلك الفرضية العلاقة الوطيدة التي تجمع التونسيين المنتمين للتنظيم منذ بدايته تحت قيادة “أبو مصعب الزرقاوي” حتى وقتنا هذا، إلا أن هناك العديد من المعوقات التي من شأنها الوقوف أمام رغبة “داعش” في الوصول إلى تونس، حيث تغيب المعطيات السياسية، فلا توجد قضية كبرى بالداخل التونسي يمكن للتنظيم الاعتماد عليها في الترويج له وخلق بيئة لاحتضانه من قبل الشعب التونسي، إلى جانب هذا تأتي الاستعدادات الأمنية في الداخل التونسي والمساعدات الخارجية من قبل بريطانيا وغيرها للحكومة التونسية في تأمين حدودها كعائق أمام دخول مقاتلي التنظيم تونس، خاصة أن التنظيم لا يملك أسلحة متطورة تسمح له بالولوج إلى الداخل التونسي ونقل إمكانياته إلى هناك.
لبنان، أيضًا من الدول المحتمل أن تكون واجهة داعش القادمة، خاصة أن المعارك تدفع التنظيم نحو الحدود الشرقية للدولة، إلى جانب وجود قضية طائفية “السنة والشيعة” كقضية كبرى من المحتمل أن يستغلها التنظيم لتسهيل تواجده بالداخل اللبناني، خاصةً أن حزب الله مشارك بصورة رئيسية في الحرب بسوريا، إلا أن ذلك يتوقف على مدى رغبة “سنة” لبنان في الاستعانة بداعش. وهو احتمال ضئيل، فعلى الرغم من ذهاب بعض الشباب السني اللبناني للقتال إلى جانب التنظيم في العراق وسوريا، إلا أن أغلبية السنة داخل الحركة الإسلامية في لبنان -على الأرجح- لن يستعينوا بأطراف خارجية خاصة تنظيم “داعش” في تبني قضيتهم.
وفي سياق متصل، هناك توقعات بأن حزب الله لن ينجرّ نحو محاربة تنظيم مثل “داعش” بالداخل اللبناني كعائق أمام استخدام التنظيم لملف الطائفية كذريعة للتمركز في البلاد وإعادة هيكلة ذاته.
المسار الثالث- البقاء في موضعه بالأطراف:
قامت فكرة تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق وسوريا على بعد تاريخي وديني، حيث الرمزية التاريخية لكل من العراق وسوريا في فكرة إقامة الخلافة الإسلامية، الأمر الذي ساعد التنظيم في الترويج لذاته، وكسب مزيد من المتعاطفين والأراضي، ومن ثم حال توجه التنظيم للخروج من تلك الأماكن يكون قد فقد الأساس الذي قام عليه، ومن ثم يفقد مشروعيته وشرعيته، ويصبح “تنظيمًا جهاديًّا متطرفًا” كغيره من التنظيمات الصغيرة.
وهذا ما يدفع التنظيم بصورة أساسية للبقاء كما هو في العراق وسوريا، والاعتماد على المعارك في المناطق الريفية والأطراف محاولا العودة مرة أخرى وترتيب أوراقه. إلى جانب ذلك، تأتي صعوبة قيام تنظيم بحجم “داعش” بنقل إمكانياته من دولة لأخرى، لا سيما في ظل التركيز الدولي للقضاء على التنظيم، وهو ما يشكل عائقًا آخر أمام محاولات نقله القيادة المركزية خارج الدولتين.
ختامًا، يمكن القول إن التنظيم -في الغالب- لن يتوجه نحو نقل القيادة المركزية خارج حدود سوريا والعراق؛ نظرًا للبعد التاريخي للدولتين، إلى جانب الصعوبة الفعلية لنقل مقر القيادة المركزية إلى أي تنظيم متطرف بالخارج، خاصة أن التنظيم لديه العديد من الخلافات مع أتباع السلفية الجهادية الذين ربما كانوا يساعدونه في ذلك. ومن المحتمل أن يوفد التنظيم بعض عناصره إلى أفغانستان أو لبنان، إلا أن الأمر لن يتعدى حدود وجود ولاية تابعة للتنظيم هناك، وليس قيادة مركزية غالبًا ما تستمر في موضعها.
(*) مصادر استند إليها التقرير:
– Ahmed ali, 2016: The ‘beginning of end’ for Daesh in Iraq, Syria?, Anadolu Agency “AA” , September 4, 2016, last seen December 29, 2016, URl:
http://aa.com.tr/en/infographic/2016-the-beginning-of-end-for-daesh-in-iraq-syria/640522
– Katherine Bauer “Editor”, Beyond Syria and Iraq: Examining Islamic State Provinces, Washington Institute for Near East Policy “WINEP”, November 2016, last seen December 29, 2016, URL:
http://www.washingtoninstitute.org/uploads/Documents/pubs/PolicyFocus149_Bauer.pdf
– علاء جمعة، إلى أين يتجه داعش بعد تراجعه في سوريا والعراق؟، DW عربي، 6 يونيو 2016، متاح على الرابط التالي:
https://goo.gl/1fVuiC
– نيجيريا تعلن طرد بوكو حرام من آخر معاقلها في شمال شرق البلاد، DW عربي، 24 ديسمبر 2016، متاح على الرابط التالي:
https://goo.gl/LfoTUv
– هل يستعين أهل السنة في لبنان بداعش؟، قناة MTV اللبنانية، 8 ديسمبر 2016، متاح على الرابط التالي:
https://goo.gl/VidC11
– مرلين وهبة، لماذا يتجنّب «حزب الله» مواجهة «داعش» في لبنان؟، جريدة الجمهورية اللبنانية، 2014، متاح على الرابط التالي:
http://www.aljoumhouria.com/news/index/150562
– أبو مصعب السوري، دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، ص 1349-1384، نسخة إلكترونية متاحة على الرابط التالي:
https://archive.org/details/joe_leanback_hotmail