مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في إيران، يُظهر استطلاع حديث للرأي أجراه «مركز زغبي للأبحاث»، أن الشعب الإيراني غير سعيد، سواء بوضعه الاقتصادي أو بأولويات حكومته وأدائها. وأجرى مركز «زغبي» الاستطلاع في الربع الأخير من عام 2016 المنتهي، لصالح «منتدى صير بني ياس»، وتضمن حوارات مباشرة مع أكثر من ألف إيراني في أنحاء البلاد. ونتائج مسح العام الجاري أكدت حالة السخط المتزايد بين الإيرانيين، وهو ما يتناقض بوضوح مع نتائج استطلاعي 2014 و2015 للرأي العام في إيران، والتي تم تقديمها إلى منتدى «صير بني ياس» أيضاً.
وفي أعقاب توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة مع مجموعة «5+1» في أبريل عام 2015، كانت لدى الإيرانيين توقعات كبيرة بشأن تحسن أوضاعهم المعيشية. وعندما استطلع مركز «زغبي» آراء الإيرانيين في سبتمبر من ذلك العام، توصلنا إلى أنهم أرادوا حدوث تغيير في أولويات حكومتهم، على أن تولي مزيداً من الاهتمام لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والسياسية، وعلاقاتهم مع الغرب والدول العربية المجاورة. وأكد ثلاثة أرباع المستطلعة آراؤهم على الأقل أن الاستثمار في تحسين الاقتصاد وتوفير فرص العمل (81٪) وتعزيز الديمقراطية وحماية الحقوق المدنية والشخصية (75٪)، كانت من بين أهم الأولويات بالنسبة إليهم.
وقد أخبرنا الإيرانيون (60٪) بأنهم أرادوا من حكومتهم التركيز على تحسين العلاقات مع الحكومات العربية، والولايات المتحدة الأميركية وبقية الدول الغربية (59٪). وفي ذيل قائمة أولوياتهم جاء الدعم لمواصلة حكومتهم تدخلاتها في شؤون العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وعندما طلبنا من الإيرانيين في استطلاع عام 2016 تقييم رضاهم عن أداء حكومتهم في كلٍّ من تلك المجالات، بدا استياؤهم شديد الوضوح. وبالكاد منح 51 في المئة من الإيرانيين حكومتهم درجة النجاح في الاستثمار من أجل تحسين الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وكان ذلك هو المجال الوحيد الذي تحصل فيه الحكومة على درجة النجاح.
وأعرب نحو 70 في المئة عن استيائهم إزاء جهود تعزيز الديمقراطية وحماية الحقوق المدنية والشخصية. أما آمالهم في تحسين العلاقات مع الغرب ودول الجوار العربي فقد خابت بشكل كبير، إذ أكد 65 في المئة من الإيرانيين أنهم غير راضين عن أداء حكومتهم في ما يتعلق بتحسين العلاقات مع الحكومات العربية، بينما أعرب 85 في المئة منهم عن سخطهم في ما يتعلق بجهود تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية.
ويؤكد استطلاع «صير بني ياس» أيضاً أن أكثر من نصف الإيرانيين (53٪) غير راضين عن حكومتهم بسبب تقديمها دعماً لأطراف طائفية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ولأننا نجري الاستطلاع منذ عام 2014 حول الأهمية التي يوليها الإيرانيون لهذه التدخلات الخارجية، فإن مقارنة النتائج خلال تلك الفترة تكشف تراجعاً حاداً في تأييدهم لكل هذه التدخلات.
وفي عام 2015، اعتبر 90 في المئة من الإيرانيين أنه من المهم أن تتدخل حكومتهم في سوريا، لكن تلك النسبة تراجعت إلى 73 في المئة في عام 2015، قبل أن تسجل 24 في المئة فقط خلال العام المنصرم 2016!
وبعبارة أخرى، لا يعتقد أكثر من ثلاثة أرباع الإيرانيين أنه من المهم لهم أن تواصل الحكومة الإيرانية تورطها في سوريا. ويمكن إدراك السخط الشعبي في إيران حيال التدخلات الخارجية لحكومة بلادهم من خلال تراجع التأييد لتلك التدخلات في العراق (87٪ في 2014، و64٪ في 2015، و47٪ خلال العام الفائت). كذلك انخفض تأييد التدخل في لبنان من 88٪ عام 2014 إلى 43٪ عام 2016، ومن 62٪ في اليمن عام 2014 إلى 29٪ في استطلاع العام المنصرم).
ومن الواضح أنه بينما بدا في السابق أن الإيرانيين كانوا يشعرون بالفخر من السياسات الخارجية العدوانية التي تنتهجها حكومتهم، أصبحوا الآن أكثر إدراكاً لمخاطر الحرب، ويريدون التركيز على أولويات جديدة.
وخلال الشهر الماضي، أضحت المشكلات التي تواجه حكومة روحاني أكثر وضوحاً، مع إصدار البنك المركزي الإيراني بيانات إيرادات ونفقات الحكومة خلال عام 2016. وقد بدت الصورة مخيبة للآمال إلى حد كبير. فعلى الرغم من رفع بعض العقوبات الاقتصادية بعد التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أن الارتفاع الذي توقعته الحكومة في الإيرادات لم يتجسد، وهو ما يرجع بصورة جزئية إلى تراجع أسعار النفط والتدهور الاقتصادي. وفي الوقت ذاته زادت النفقات، الأمر الذي فاقم من عجز الموازنة خلال العام الجاري، مقارنةً بالعامين الماضيين. وزادت الديون، سواء بالنسبة إلى الحكومة أو بالنسبة إلى القطاع الخاص، وهو ما يجعل من الصعب بدرجة أكبر توفير الاستثمارات الضرورية للتنمية وللبنية التحتية.
وتوضح هذه المعطيات مجتمعة، من استطلاع الرأي والنتائج الاقتصادية، أن إيران والرئيس روحاني يواجهان مشكلة، وأن الأولويات السياسية للحكومة في طهران لا تتسق مع ما يريده الشعب الإيراني.
وتُظهر الاستطلاعات أن الشعب يريد اقتصاداً أفضل ومزيداً من الوظائف والحرية السياسية والعلاقات المسالمة مع دول الجوار. وما يحصل عليه في المقابل هو مزيد من التدخلات، وإهدار مزيد من الأموال، وخسارة الأرواح في حروب خارجية يرغبون في إنهائها. ومثلما تُظهر البيانات الاقتصادية، تواجه حكومة روحاني خياراً تقليدياً بين «البنادق والزُّبد»، وفي ضوء الموارد المحدودة، يعني مزيد من البنادق قليلاً من الزبد. ولهذا السبب يظهر الناخبون الذين أوصلوه إلى السلطة دلالات على الاستياء الشديد.
وجل ذلك من شأنه أن يجعل انتخابات مايو 2017 بمثابة استفتاء على أداء روحاني في المنصب، وعلى الأولويات السياسية لحكومته
*نقلا عن صحيفة الاتحاد