في سياق الهوس الإيراني بالتمدد والتوسع الاقليمي، على حساب خزينتها الخاوية، وعجز يصل إلى أكثر من تسعة مليارات سنوياً، وانخفاض سعر النفط ؛ هل تستطيع طهران الاستمرار في سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الدول وبخاصة العربية. مما انعكس الوضع على الدول العربية حيث ان التلويح بالتوسع الايراني على حسابها دفع الدول العربية وبالأخص الخليجية الى زيادة انفاقها العسكري لمواجهة اي توسع ايراني، وكان المستفيد الاول طبعا من زيادة الانفاق العسكري هي شركات السلاح وبلدانها؛ اذ انه من مصلحتها ودولها اثارة النزاعات والصراعات وجر حكومات المنطقة وتوريطها فيها بغية استيراد الاسلحة لتشغيل مصانع الشركات وعمالها، ثم تحقيق الارباح لها بما يمكنها من دفع الضرائب المستحقة للدولة.
ويقدر خبراء اقتصاديون تكلفة تورط ايران في الصراعات الاقليمية والدولية بثلاثة تريليونات دولار منذ الثورة الايرانية .
وادى تورطها في الحروب التي شنتها على دول عربية وإسلامية الى إنفاق مبالغ مالية فلكية، اذ يقدر الخبراء تكلفة الحرب العراقية ـــ الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي، بـ 500 مليون دولار.
ولم يتوقف التدخل الايراني في شؤون الدول الداخلية للدول العربية، اذ تشارك بالحرب، في سوريا، العراق، لبنان، اليمن، وليبيا، ولكنها تمددت الى دول آسيوية وافريقية غير عربية، بأشكال ووسائل مختلفة، منها اهدار المبالغ الضخمة التي تدفع نقداً لأنظمة وأحزاب وميليشيات، من اجل شراء الولاءات السياسية أو التوسع في المنطقة، وادامة تلك الصراعات في هذه الدول، ويتولى الحرس الثوري الإيراني دعم تلك الدول لإمكانياته المالية الكبيرة التي يقتطعها من مبيعات النفط الإيراني، على حساب تنمية الاقتصاد، ورفاهية الشعب الايراني.
والمعروف هنا ان النفقات العسكرية الإيرانية لمؤسسة الجيش والحرس الثوري والمخابرات تصل الى ثلاثين مليار دولار، ومن ضمنها نفقات التطوير العسكري، على ترسانة لا تشير الى انها لبلد يريد ان يبقى في حدوده.
وكل هذا الانفاق يأتي على حساب الشعب الإيراني، وبرغم من أنه يتضور جوعاً، ويعاني غياب حقوقه التنموية، وحقه في العلاج والتعليم، وغياب البنى التحتية، إلا أن إيران برغم هذه الظروف وديونها التي تقترب من الثمانين مليار دولار، تواصل سياسة التدخل ذاتها.
ويقول خبراء اقتصاديون إن انخفاض سعر النفط عالمياً ، اربك حسابات إيران التي كانت تراهن عليه، لتقليص خسائرها جراء العقوبات عبر زيادة إنتاجها وصادراتها من النفط، ولكن تدني أسعارالنفط بهذا المستوى غير المسبوق قلب توقعات الإيرانيين الذين تراجعت صادراتهم النفطية تحت وطأة العقوبات من أربعة ملايين برميل يومياً إلى مليونين ومئة ألف تقريبا، مما اجبر الحكومة الإيرانية على اتخاذ قرارات سلبية على احوال الايرانيين كرفع أسعار السلع والخدمات الأساسية على نحو قد يعرض ايران لعواصف من الاحتجاج الشعبي بسبب عجز شريحة واسعة من شعبها عن توفير تكلفة المعيشة اليومية .
ويرى مراقبون اقتصاديون انه حتى مع الإفراج عن الأموال الإيرانية برفع العقوبات، ستواصل طهران السياسة ذاتها ، مما يعني ان الشعب الإيراني لن يستفيد من هذه الأموال، التي كان من المفروض توجيهها لرفاهيته، الذي يعاني ازمات اقتصادية تنعكس سلبا على كل ظروفه المعيشية.
انفاق ايران لدعم الاسد (سوريا )
يقدر خبراء في (مركز فارس للدراسات الشرق اوسطية) قيمة المبالغ التي تدفعها إيران لنظام الأسد نقداً وأسلحة وخبراء بـ 15 مليار دولار سنويا، لتغطية تكلفة الحرب في سوريا، لشراء الأسلحة والصواريخ، تمويل دفع رواتب فصائل سورية عسكرية تقاتل مع الأسد، وتمويل نفقات مدنية وعسكرية للنظام السوري.
وهذه المبالغ الضخمة تعبر عن موقف إيراني يتعلق بدعم الأسد ونظامه، ويمكن اضافة نفقات اخرى تتعلق برواتب الإيرانيين من مقاتلين وخبراء وقوات يتم إرسالها لسوريا لمساندة الأسد، وفي هذا تبديد للقوة العسكرية الإيرانية، وللخزينة التي تعاني أساساً مشكلات اقتصادية.
وفيما يرى الإيرانيون ان أموالهم تبدد في حروب لدعم انظمة عربية، يرى المتسلطون على الحكم في ايران ان تلك الدول تعد جزرا تابعة سياسياً لطهران ولابد من تقويتها وإدامة حضورها .
ولذلك, في حال انتهاء الاقتتال في سوريا بتسوية سياسية ما, سيحدد الوضع الميداني على الأرض (أي عسكرياً) مقدار ما ستتمكن إيران من الحفاظ عليه من استثمارات عبر طاولة المفاوضات. وأما الاحتمال الآخر فهو الحسم العسكري، وفي هذه الحال إما أن تبتلع ايران سوريا اقتصادياً في حال حسم المعركة لصالحها، وإما أن تخسر إيران جميع مكتسباتها الاقتصادية في حال سقوط النظام على يد المعارضة، وجميع الاحتمالات مطروحة .
انفاق ايران في اليمن – الحوثيين
يقدر خبراء قيمة الأموال الإيرانية التي تم إنفاقها في اليمن منذ عام 2009، بـ 8 مليارات دولار، وذكر تقرير سري لخبراء في الأمم المتحدة رفع إلى مجلس الأمن الدولي أن إيران تقدم للحوثيين بالإضافة الى المال أسلحة مشيرا الى أن السلطات اليمنية عندما اقتادت عام 2013 سفينة جيهان الإيرانية وجدتها تنقل أسلحة إلى الحوثيين.
ويضاف إلى النفقات في اليمن الاموال التي تهدرها المؤسسة الإيرانية على موظفيها من القطاعات المدنية والعسكرية الذين يتم تفريغهم لإدارة الصراع في اليمن، وإرسال شحنات السلاح واستئجار السفن، والتدريب والتأهيل وغير ذلك من نفقات ترتد سلبا على مستوى حياة الإيرانيين.
دعم إيران لحزب الله اللبناني
جاء دعم إيران لحزب الله اللبناني بأشكال عدة، أبرزها الدعم النقدي السنوي الذي يقدر خبراء قيمته السنوية بـ 300 مليون دولار، منذ تأسسه ولحد اللحظة، وقد وفرت ايران للحزب مصدر اخر للدعم قيمته اربعة مليارات دولار يديرها رجال أعمال وواجهات في دول كثيرة في العالم، ، ويستفاد من أرباحها في تقوية حزب الله، وزيادة ما يمكن تسميته بأوقاف الحزب المالية؛ لاستقطاب عشرات آلاف العناصر في لبنان، لتشغيلهم في مؤسسات وشركات، بالإضافة الى النفقات العسكرية والمدنية لقطاعات مختلفة في لبنان.
دعم إيران لفصائل فلسطينية
وتدعم إيران ايضا ، فصائل فلسطينية، اذ يقدر خبراء حجم الدعم المالي الذي تم تقديمه لحركة الجهاد الإسلامي في غزة والضفة الغربية، بـ 150 مليون دولار.
وقد تفاوتت الارقام بين ارتفاع وانخفاض، وفقاً لعدة معايير من بينها مدى التزام الحركة (الجهاد الاسلامي) بالسياسة الإيرانية وفي فترات توقف الدعم بسبب التباعد الذي جرى بين الحركة وطهران، الا انه يمكن القول عموماً ان إيران وفرت مخصصات مالية كبيرة لحركة الجهاد الإسلامي، وكانت هذه الأموال مخصصة لتدريب كوادر وتهريب السلاح ونفقات سياسية وإعلامية، بالإضافة الى بنود اخرى،
وقدمت إيران دعماً مالياً قدر بـ ملياري دولار لحركة حماس، توزعت على مخصصات نقدية مرتبطة برواتب كوادر الحركة، ودفع رواتب موظفين مدنيين، وعسكريين، ونفقات التدريب العسكري، وتصنيع السلاح وتهريب الأسلحة والصواريخ.
ومع ان العلاقات فترت بين حماس وطهران عندما ابتدعت الأولى عن تأييد نظام الأسد، الا انها مؤشر مهم الى رغبة طهران بالاستقطاب داخل فلسطين المحتلة..
وفي سياقات التشويش الإيراني على الاقتصاد الأميركي، تتهم واشنطن طهران بطباعة دولارات مزورة، تتطابق إلى حد كبير جداً مع الدولارات الأصلية وتدعم بها اعوانها، أعلنت جهات دولية مراراً عن وجود دولارات مزيفة بكميات هائلة في يد قيادات وعناصر تابعة لإيران في لبنان وسوريا ودول اخرى. وكانت طهران سعيدة بهذه الرواية لتوظيفها داخلياً بالقول للإيرانيين ان الأموال التي يتم إنفاقها على حروب إيران العربية وغيرها، ليست من الخزينة بل مجرد دولارات مزيفة، لكن هذا أمر غير صحيح ، اذ ربما تكون هناك دولارات مزيفة ولكنها كميات قليلة، والواقع ان المليارات المدفوعة معظمها صحيح وهي ثمن النفط الإيراني، المباع في الأسواق الرسمية ، و خارج الأسواق، والذي يشكل ثروة الإيرانيين التي يتم تبديدها في صراعات غير مجدية.
التدخل في العراق
اما في العراق فالأمر مختلف تماما عنه في الدول الاخرى لأن إيران تعتمد سياسة الاستفادة من المال العراقي بشكل كبير منذ 2003 ، لدعمها سياسياً وحزبياً وإعلامياً وعسكريا ومساندتها في حروبها العربية، وبخاصة ان بعض اطراف الحكومات المتعاقبة في العراق مؤيدة لإيران.
و يقدر خبراء قيمة الدعم الإيراني لميليشيات عراقية سورية معاً، بملياري دولار سنوياً، يضاف إليها نفقات مالية هائلة تتعلق بتفرغ ضباط إيرانيين وخبراء للعمل في العراق، وتدريب آلاف العناصر العراقية في إيران، عسكرياً وأمنياً، ومع هذا نفقات متابعة الشؤون العراقية داخليا
وتساعد الجهات الموالية لإيران في العراق، طهران مالياً بوسائل مختلفة، وتدخل شريكة في نفقات الحروب الإيرانية في العالم العربي، دون أن يكتشف كثيرون أسرار هذا الملف تحديداً، فالعراق الثري جداً، وموازناته الفلكية شريك في الظل لإيران، التي تورط جهات حكومية وعسكرية عراقية نيابة عنها في صراعات كثيرة داخل العراق وخارجه، تمثيلاً للسياسة الإيرانية، مما يكلف خزينة العراق اموالا طائلة.
انعكاسات الوضع داخل ايران
تشير دراسات اقتصادية إلى أن التزايد والتورط بالإنفاق على ميليشيات ايران الخارجية يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي الايراني بتراجع معدلات الادخار والاستثمار، والإنفاق في قطاعات الصحة والتعليم، و ارتفاع الإنفاق العسكري الذي يؤدي الى عجز الموازنة, وتزايد الديون, وارتفاع بمعدلات الضرائب وتراجع إنتاجية القطاع الخاص، مما انعكس على الشارع الايراني الذي خرج للتعبير عن رفضه لتدخل ايران في صراعات في دول عربية عديدة.
ففي مدينة أصفهان الإيرانية تظاهر الشعب ضد تدخل نظام طهران بسوريا، والتكلفة الاقتصادية لدعم إيران لنظام الأسد، وانتشر على موقع يوتيوب وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي فيديو تظهر فيه مجموعة من الموظفين الذين لم يقبضوا رواتبهم منذ أشهر، وهم يطالبون الحكومة الإيرانية بمعالجة المشاكل الداخلية عوضا عن التدخل بسوريا.
وقال مسؤول العلاقات العربية في حزب الکوملة الكردستاني الإيراني، سوران بالاني، ” إن تردي الأوضاع الاقتصادية في إيران فاقم من الغضب الشعبي ضد سياسية إيران الخارجية، ولاسيما في سوريا.
وأضاف ان الشعوب غير الفارسية في إيران، ومن بينها الأكراد والعرب، تعارض دعم النظام الإيراني للأسد ضد الشعب السوري والتدخلات في الدول العربية، ودعم “الحركات الإرهابية في المنطقة على غرار حزب الله”.
وأوضح بالاني أن معارضة الشعوب غير الفارسية تنطلق من أسباب سياسية وإنسانية، في حين أن المظاهرات التي شهدتها مدن عدة في إيران من موظفين فرس تركز على رفض هدر أموال الشعب على دعم الأسد.
وكانت مجموعة من الموظفين يهتفون في المظاهرات : “أخرجوا من سوريا وفكروا بوضعنا المالي”، وذلك احتجاجا على عدم دفع الحكومة رواتبهم، في حين أن أموال الشعب الإيراني تذهب إلى دعم نظام الاسد.
وأكد مسؤول العلاقات العربية في حزب الکوملة الكردستاني المعارض أنها ليست المظاهرة الأولى ضد التدخل الإيراني بسوريا، فقد شهدت مدن أخرى حركات احتجاجية تطالب بوقف “سرقة أموال الشعب الذي يعاني من الفقر”.
ومما يزيد من ضعف الاقتصاد الإيراني تراجع أسعار النفط في التعاملات المبكرة 9/1/2017، وذلك بعد الإعلان عن زيادة إيران لصادراتها، وعدم التزامها بكميات الانتاج التي اتفق عليها اعضاء منظمة اوبك اخيرا.
ويرى باحثون ان مستقبل ايران سيشهد تحولا وذلك لانتهاء ولايتي الرئيس الاميركي باراك اوباما التي وصفهما الحاكمون في ايران بالعهد الذهبي. اذ ان سياسته في جوهرها تعمل على التقرب الى النظام الايراني وهذه السياسة قدمت العراق على طبق من ذهب لايران.
وفي سوريا تجاوز حاكمها الخط الأحمر باستخدامه الكيمياوي في الحرب على الشعب السوري، وأدرك الأسد وايران وروسيا أن الطريق مفتوح أمامهم لاستمرار الاعتداء على الشعب السوري، ولكن هذه السياسة التي نجحت مؤقتا لم تقض على المقاومة وستزيد من التكلفة المالية التي ستدفعها ايران لسوريا .
وتعلقت ايران بأثواب روسيا لحفظ بشار الأسد والحيلولة دون هزيمته على أمل تغيير توازن القوى لصالحه في ابقائه في الحكم باستخدام القوة الجوية الروسية مما أبرز ضعف النظام الايراني في المنطقة وداخل ايران، التي اصبحت في سوريا لاعبا ثانويا ، اذ تم التوافق لوقف اطلاق النار في سوريا بين أنقرة وموسكو وهما الطرفان اللذان صاغا التوافق والضامنان له دون أن يكون لإيران أي دور فيه.
واذا أراد النيتو أن يمنع سقوط تركيا بأحضان روسيا، ويبدأ بمجاملة تركيا ببدء الدعم للعمليات التركية، فقد شجع روسيا عمليا على لعبة تقديم التنازلات. عندئذ على موسكو أن تقدم تنازلات أكثر للأتراك نظرا الى أهمية أنقرة لأهدافها ومعنى ذلك تقييد ايران في سوريا أكثر فأكثر.
والروس أثبتوا أنه ليس لديهم مشكلة مع أهداف تركيا في سوريا ويولون الأولوية للتعاون مع أنقرة. وهنا نستنتج أن ايران هي خاسرة في سوريا.
واخيرا يستنج خبراء وباحثون تراجع الدور الايراني وضعفه محليا وعالميا، وذلك لمعارضة الشعب الايراني لتدخلات النظام في دول أخرى والنقمة الشعبية العارمة حيال استنزاف ثروات ايران لتصدير الارهاب وأعمال القتل والمجازر في سوريا وغيرها من الدول عامل حاسم في تصعيد الضغوط المتزايدة على النظام الايراني لوقف تدخلاتهم في دول المنطقة.
ومن اسباب تراجعه ايضا انخفاض اسعار النفط وتزايد الانفاق العسكري الايراني على حساب الجانب التنموي، مما يضعف البنى التحتية ويؤدي الى اهتزاز تماسك النظام وضعفه مما يدعو الاقليات في ايران الى الثورة وضعف كل مفاصل الدولة والانكفاء لداخلها.
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية