«تمكنت إيران والسعودية من وقف عرقلة عملية الانتخابات الرئاسية في لبنان. وقد حققنا نجاحًا». هذا ما تحدث به وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في منتدى دافوس الاقتصادي. وعرض أمام الحضور رغبة بلاده في التعاون مع السعودية لحل قضايا «سوريا واليمن والبحرين وغيرها».
ما عرضه الوزير الإيراني على السعودية، من على مسرح مفتوح، مقترحًا العمل المشترك لإنهاء الصراعات في المنطقة، هو دعوة جديدة تكررت حديثًا على لسان مسؤولين إيرانيين. لماذا؟ هل نحن نشهد تبدلاً في السياسة الإيرانية العدوانية، التي كانت تعتبر مشروعها هو محاصرة السعودية وحلفائها؟ أم إنه استباق إيراني للتطورات على الساحة الدولية، مع ما نراه من ملامح تغيير في السياسة الأميركية، بخروج صديقهم باراك أوباما المنتهية رئاسته، وقدوم إدارة أميركية جديدة عبرت صراحة عن عزمها على مواجهة إيران، وكذلك الإشارات التي تبعث بها روسيا بأنها لا تريد أن تبقى حليفة وشريكة في الحرب مع إيران وسوريا؟ والاحتمال الثالث أن تعبير الوزير ظريف عن رغبة بلاده في التعاون مع السعودية، هو فقط مجرد كلام في برنامج علاقات عامة لتحسين صورة الجمهورية الإيرانية في منتدى دافوس.
ما طرحه الوزير ظريف عن آفاق التعاون بين إيران والمملكة العربية السعودية، وتحديدًا التعاون معًا من أجل إنهاء الصراعات في المنطقة، ليس محل الاستنكار، بل الغريب أن يصدر عن إيران. وهو تطور إيجابي لولا أن تفسير نظام طهران لمصطلح «التعاون» هنا هو أن نقبل سياسيًا بما تفرضه إيران بالإثم والعدوان، في سوريا واليمن مثلاً. وهي تسعى الآن لفرض مفهومها لـ«التعاون» في سوريا، في مؤتمر آستانة، وسبق أن حاولته في البحرين وأفشلته الدول الخليجية.
هل، فعلاً، جرى تعاون بين البلدين في لبنان ويصلح نموذجًا قابلاً للاستنساخ؟ الوصول إلى القبول برئاسة ميشال عون في لبنان مر بمراحل شد وجذب بين القوى اللبنانية نفسها، وبعد مرور فراغ طويل عطّل العمل الحكومي ومؤسسات الدولة، لم يبقَ أمام وكلاء إيران ما يمكنهم تحقيقه، بخاصة بعد أن أعلنت السعودية امتناعها عن التعاطي مع الشأن اللبناني، حتى في إزالة القمامة من الشوارع، لم يفلحوا! وطالما أن الرئاسة الجديدة لا تتبنى مواقف عدائية ضد السعودية، ولا تسمح لأحد بممارستها على الأراضي اللبنانية، وطالما أن الفرقاء اللبنانيين راضون، فإن تحفظات الرياض تزول، وهذا ما حدث.
أما التعاون النفطي الذي أشار إليه ظريف، فالحقيقة أن التعاون تم بين السعودية وروسيا، ولم تكن إيران طرفًا مباشرًا فيه، وتولت الحكومة الروسية إلزام الإيرانيين باحترام حصتهم من الإنتاج المتفق عليها سابقًا.
وهذا لا يعني أن ما قاله ظريف من حيث المبدأ خاطئ، «لا أرى سببًا في أن تكون هناك سياسات عدائية بين إيران والسعودية. حقيقة يمكننا العمل معًا لإنهاء الأوضاع المأساوية لشعوب سوريا واليمن والبحرين وغيرها من دول المنطقة».
في المنطقة توجد دولة واحدة لها سياسة عدوانية هي إيران. أما الدول الخليجية، وغيرها من دول المنطقة، فهي تلجأ إلى السياسة الدفاعية ضد إيران. ولا يحتاج ظريف إلى أن تشن دولته حروبًا يقتل فيها مئات الآلاف، ويشرد ملايين الناس، حتى يكتشف أنه لا يوجد هناك سبب معقول للعداء مع جيرانها!
نجحت سلطات طهران في خلْق ميليشيات، قامت بتجميعها من أنحاء دول المنطقة، لشن حروب وعمليات إرهابية، لكن هذه السياسة تنقلب الآن على إيران، لأنها فتحت صراعات مذهبية وعرقية مضادة، وأجبرت دول المنطقة على التحول إلى الانخراط في الحروب دفاعًا عن نفسها. هذا كله من سببه إيران التي انخرطت في القتال مباشرة في العراق وسوريا، وتمول عسكريًا المتمردين في اليمن.
هل يناسب دول المنطقة، وتحديدًا الخليجية، التعاون مع إيران؟ أتصور أنه أمر مستبعد في ظل الهجمة الإيرانية العسكرية. كل ما نلمسه الآن، أنها تقوم بتخريب كل مساعي التصالح. فالقوى الإيرانية على الأرض حاولت تخريب اتفاق حلب، بين روسيا وتركيا، وتضغط على الحوثيين المتمردين في اليمن لرفض الحل السياسي، بعد أن كانوا قد قبلوا به.
عبدالرحمن الراشد
صحيفة الشرق الاوسط