لندن – يترقب العالم بكثير من الحذر موجة جديدة من السياسات الشعبوية، قد تصدر بعد اجتماعات تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية والرئيس الأميركي دونالد ترامب، لا تراعي القواعد الراسخة التي يحتاجها الاقتصاد العالمي لمواصلة الاستثمار والنمو وما يتطلبه من تخطيط بعيد المدى.
ورغم أن خطر السياسات العشوائية التي تصدر عن ترامب هي الأبرز، إلا أن تلويح بريطانيا بالتحول إلى ملاذ ضريبي، قد يمثل خطورة أكبر على الاقتصاد العالمي، لأنها يمكن أن تقوض إيرادات الحكومات، وخاصة في دول الاتحاد الأوروبي.
ويخشى محللون من أن بريطانيا يمكن أن توجه ضربة قاتلة إلى الاقتصاد العالمي بالتحول إلى ملاذ ضريبي عملاق، يجر العالم إلى سباق تخفيضات ضريبية، في وقت تعاني فيه موازنات معظم الدول المتقدمة من عجز مزمن.
ويبدو أن إغلاق الاتحاد الأوروبي أمام أي مساومات، قد يدفع الحكومة البريطانية إلى اتخاذ خطوات مجنونة للهروب من الآفاق المعتمة لتداعيات الطلاق القاسي عن الاتحاد الأوروبي. ويكاد الاتحاد الأوروبي يكون أكبر الخائفين من هذا التهديد البريطاني، وهو ما دفع وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله إلى تحذير بريطانيا من محاولة التحول إِلى ملاذ ضريبي.
وقال في مؤتمر لوزراء مالية مجموعة العشرين في مدينة فيسبادن الألمانية يوم الأربعاء حول التكنولوجيا الرقمية في القطاع المالي، إنه “لا يمكن مقارنة بريطانيا بجزر كايمان (أحد الملاذات الآمنة الصغيرة في البحر الكاريبي). هذه ستكون إهانة لبريطانيا”. وأضاف أنه في حين أنه يمكن تحمل الدول الصغيرة مثل جزر كايمان، عندما تقدم ضرائب منخفضة لجذب الثروات الخارجية، فإن هذه الاستراتيجية ستكون خطأ كبيرا بالنسبة لأي اقتصاد كبير.
وأكد شويبله “أن باقي دول العالم لن تسمح لدولة كبيرة مثل بريطانيا بالتحول إلى ملاذ آمن” يقوض النظام المالي والاقتصادي العالمي.
فولفغانغ شويبله: دول العالم لن تسمح لبريطانيا بأن تتحول إلى ملاذ ضريبي كبير
كان شويبله قد حذر خلال فاعليات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأسبوع الماضي من “سباق ضريبي” بين الاقتصادات القوية، منتقدا بريطانيا بسبب مواقفها السياسية قبل بدء محادثات خروجها من الاتحاد الأوروبي.
وهددت تيريزا ماي مرارا في الآونة الأخيرة بخفض الضرائب على الشركات لتعزيز اقتصادها بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقال الوزير الألماني “لا نريد أن نهدد بعضنا البعض قبل بدء المفاوضات”.
وتلهب تصريحات ماي الحمى الشعبوية، وتلاقي تأييدا من الجناح اليميني في حزب المحافظين، المتحمس للانفصال والمناوئ للاتحاد الأوروبي، رغم أنها غير واقعية وقد لا تكون قابلة للتنفيذ.
في المقابل يسخر مؤيدو البقاء ضمن الاتحاد الأوروبي أو على الأقل البقاء ضمن السوق الأوروبية الموحدة من تلك التصريحات ويصفونها بأنها مساومة رخيصة بلغة التهديد للاتحاد الأوروبي.
وسخر عضو مجلس العموم عن حزب العمال ديفيد لامي من موقف ماي باعتباره مساومة للاتحاد الأوروبي على أساس إما “إعطاؤنا ما نريد أو سنحول بريطانيا إلى ملاذ ضريبي عملاق”.
وقال إن بريطانيا تنتظرها “أوقات حالكة السواد”. وتبحث بريطانيا عن آفاق جديدة لما بعد الانفصال، وتتمحور اجتماعاتها مع ترامب حول بحث إبرام اتفاق تجاري لتسهيل آلام الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
ويصر الاتحاد الأوروبي على أن لندن يمكنها فقط مناقشة عقد اتفاقات تجارية، لكنها لا تستطيع إبرام وتوقيع أي اتفاق لأنها لا تزال عضوا في الاتحاد الأوروبي.
ويقول كيري براون الأكاديمي في كلية “كينغز كوليدج” في لندن إن “بريطانيا الآن في موقف المتوسل، فهي تحتاج المساعدة والرعاية”.
وأكد أن “الحديث العفوي وغير المسؤول من جانب بعض القادة البريطانيين عن التوصل بسرعة إلى عقد اتفاقيات تجارية بمجرد التحرر مع قيود الاتحاد الأوروبي، يظهر حالة انفصال عن الواقع ميؤوس منها”.
وتؤكد التصريحات المتناقضة لأقطاب الحكومة البريطانية تلك الرؤية، فقد حاول وزير المالية فيليب هاموند أمس تخفيف اللهجة وأكد أن بلاده ستمتثل لالتزاماتها بموجب معاهدات الاتحاد الأوروبي في حين تسعى لتعزيز علاقاتها التجارية مع شركائها في العالم.
وأضاف لدى وصوله إلى اجتماع لوزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل “بالطبع نريد توطيد علاقاتنا التجارية مع شركائنا التجاريين في أنحاء العالم وهم كثيرون جدا. لكننا حريصون جدا على التزاماتنا بموجب المعاهدة وسنلتزم بها تماما”.
وقال إن بريطانيا “مازالت عضوا منخرطا بالكامل في الاتحاد الأوروبي وسنواصل الالتزام بقواعد ولوائح وقوانين الاتحاد الأوروبي طالما أننا من الأعضاء”. وتواجه الحكومة البريطانية تحديات كبيرة مع إسكتلندا وإيرلندا الشمالية المتحمستين للبقاء في السوق الأوروبية. ويمكن أن يدفعهما الطلاق التام إلى الانفصال عن المملكة المتحدة.
ويقول جون أودود، المتحدث باسم حزب “شين فين” الجمهوري في إيرلندا الشمالية إن حديث تيريزا ماي “يظهر بوضوح أنها تتجاهل رؤية الشعب” في إيرلندا الشمالية.
أما الوزيرة الأولى في إسكتلندا نيكولا ستورجين فتقول إن إسكتلندا “لم تصوت لصالح توجهات رئيسة الوزراء، التي لا تخدم مصالحنا الوطنية”.
وهددت بالدعوة إلى استفتاء ثان على استقلال إسكتلندا عن بريطانيا، إذا تم إجبار الشعب الإسكتلندي “على الخروج من الاتحاد الأوروبي على عكس إرادتنا”.
العرب اللندنية