الرياض- يظهر اهتمام الممولين والباحثين عن صفقات، بمشاركة للمدير التنفيذي لصندوق الاستثمارات العامة السعودي ياسر الروميان، في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي، أهمية التحول الكبير الذي شهده الصندوق، والدور الذي يمكن أن يلعبه في إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي. وأكد أحد المصرفيين أن مديري الشركات هرعوا لمقابلة الروميان للبحث عن صفقات في إطار الخطط الطموحة لصندوق الاستثمارات العامة. وقد قابل الروميان خلال منتدى دافوس، العديد من المديرين التنفيذيين لصناديق الاستثمار في الأسهم الكبرى مثل “بلاك روك” و”بلاك ستون”.
ومن المتوقع أن يشهد الصندوق قفزة نوعية كبرى عند إدراج أسهم شركة أرامكو العملاقة في البورصة السعودية وربما في عدد من البورصات العالمية أيضا، والمقرر أن يجري في عام 2018. وسيفرض ذلك على أرامكو مراجعة أبعاد استراتيجيته من حيث الشكل ونظام الضرائب والعوائد والموقع الجغرافي. وتعتزم الحكومة السعودية طرح 5 بالمئة من أسهم الشركة، والتي يمكن أن تبلغ قيمتها 100 مليار دولار على الأقل، في إطار خطة أوسع وردت في “رؤية السعودية 2030” التي أعلنتها الرياض في أبريل 2015.
إقرار الاتفاقية الخليجية لضريبة القيمة المضافة
الرياض- أقرت الحكومة السعودية الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة لدول مجلس التعاون الخليجي، لتمهد بذلك الطريق لفرض هذه الضريبة في السعودية، العام المقبل، والتي يمكن أن تعزز إيرادات الموازنة. وقال بيان حكومي إن مجلس الوزراء قرر الموافقة على الاتفاقية الموحدة لضريبة القيمة المضافة، التي توصلت إليها دول الخليج في يونيو الماضي. ومن المقرر أن يبدأ تطبيقها في العام المقبل.
وتأتي الضرائب الجديدة في إطار خطوات تتخذها الدول الخليجية للتأقلم مع تراجع أسعار النفط، الذي انعكس بشكل سلبي على إيراداتها العامة. وكانت مؤسسات مالية عالمية بينها صندوق النقد الدولي قد دعت دول الخليج إلى فرض ضرائب جديدة وإجراء إصلاحات مالية، لمواجهة تراجع أسعار النفط وتنويع مصادر الدخل الاقتصادي القائمة بشكل أساسي على الإيرادات النفطية.
وتراجعت أسعار النفط بشكل كبير، خلال العامين الماضيين، فانخفضت من أكثر من 100 دولار للبرميل في بداية عام 2014 إلى ما دون ثلاثين دولارا مطلع العام الماضي، لكنها انتعشت نسبيا إلى نحو 55 دولارا حاليا بعد اتفاق عالمي لخفض الإنتاج. وكانت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم وصاحبة أكبر اقتصاد عربي، قد جمدت مشاريع ضخمة واقتطعت من رواتب الوزراء ضمن سلسلة إجراءات تقشفية لمواجهة العجز في الموازنة الذي بلغ 79.2 مليار دولار في 2016، بعد أن بلغ مستويات قياسية في عام 2015 عند 98 مليار دولار.
وأعلنت في ديسمبر الماضي عن زيادة الإنفاق في موازنة العام الحالي إلى 237.2 مليار دولار، بزيادة 17.2 مليار دولار عن الإنفاق الفعلي في العام الماضي، وتوقعت أن يتراجع العجز إلى 52.8 مليار دولار. وأطلقت الرياض، في العام الماضي، برنامجا طموحا بعنوان “رؤية 2030” يهدف إلى تنويع اقتصادها.
ولم يكن صندوق الاستثمارات العامة معروفا على مدار عقود من الزمن، لكن دوره برز بقوة في العام الماضي، في إطار تفاصيل برنامج التحول الاقتصادي، حين ذكرت الرياض أنها تسعى لجعله أكبر صندوق سيادي في العالم، بأصول تصل إلى تريليوني دولار. ويرى سيميون كير في مقال كتبه من الرياض في صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن الخطط الجديدة وضعت الصندوق على الطريق الصحيح، عندما تفجرت موجة مفاجئة من الصفقات، بعد منح الصندوق دورا كبيرا في خطط الإصلاح بالسعودية.
وأشار إلى بعض الممارسات الاستثمارية الجريئة من قبل الصندوق، حين أعلن في العام الماضي عن استثمار نحو 3.5 مليار دولار في تطبيق “أوبر” لسيارات الأجرة، ثم إبرام اتفاق شراكة مع “سوفت بنك” اليابانية لاستثمار 45 مليار دولار في صندوق قيمته 100 مليار دولار يركز على الاستثمار في التكنولوجيا المستقبلية. وضخت الرياض، في نوفمبر الماضي، نحو 27 مليار دولار من البنك المركزي في صندوق الاستثمارات العامة، رغم سعي الحكومة لخفض الإنفاق بسبب الأزمة المالية الناجمة عن انخفاض عوائد صادرات النفط.
ويرجح بعض المصرفيين أنه بمرور الوقت ستتم إضافة المزيد من الأموال في الصندوق، إضافة إلى الأراضي والمشاريع؛ مثل مركز الملك عبدالله المالي، المكون من 73 برجا قرب العاصمة الرياض، والذي تملكه حاليا المؤسسة العامة للتقاعد، التابعة للدولة. وقد ناقش الصندوق في دافوس مع مسؤولي الشركات العالمية، خطط تحويل المركز المالي إلى منطقة تجارية حرة متصلة مباشرة بالمطار الدولي لجذب الشركات متعددة الجنسيات.
ويتوقع أحد المصرفيين أن يرتفع رأسمال صندوق الاستثمارات العامة من نحو 190 مليار دولار إلى نحو 500 مليار دولار، حتى قبل طرح أسهم شركة أرامكو للاكتتاب، رغم أن البيانات الرسمية للبنك المركزي لا تقدم سوى القليل جدا عن رأسمال الصندوق. ويسعى الصندوق إلى توظيف الشباب السعوديين، الذين يقول أحد المصرفيين الذين عملوا في الصندوق إن “معظمهم تلقى تعليمه في الخارج… وأنهم شباب طموح ومتعطش دائما للعمل والابتكار”.
وتكمن القوة الدافعة وراء هذا التحول في ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يبذل قصارى جهده لتنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط، والذي يرأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. وكان مجلس الوزراء قد قرر، بداية عام 2015، تحويل الإشراف على صندوق الاستثمارات العامة من وزارة المالية إلى مجلس الشؤون الاقتصادية. ويقول أحد المصرفيين عن الأمير محمد بن سلمان إنه شخص عملي ومهتم بالتفاصيل، ويمكنه عقد اجتماعات المجلس لمدة تصل إلى 8 ساعات “حتى يتم إنجاز العمل”.
ويبدو أن الصندوق، الذي أنشئ عام 1971، سيكون الأداة التي ستساعد الأمير محمد في الدفع بطموحه خطة الإصلاح والتحول الوطني، والذي جعل خلق صناعات تكنولوجية جديدة، تعمل على جذب الشباب السعوديين للقطاع الخاص، من أهم بنود خطة الإصلاح. ومن المتوقع أيضا أن يشارك الصندوق في بناء مدينة ملاه بالاشتراك مع أكبر شركة ترفيه أميركية في العالم “سيكس فلاغز”، فضلا عن مشاركته في تطوير صناعة الدفاع المحلية. ويؤكد الخبير البريطاني ستيفن هيرتوج ظهور بعض المخاوف في الأفق من أن صندوق الاستثمارات ليس لديه الخبرة الكافية في المجازفة بالخوض في إدارة رؤوس الأموال، في حين أن مؤسسة النقد العربي السعودي يمتلك الخبرة الكافية.
العرب اللندنية