نظرًا إلى العداوة القائمة بين دول رئيسية في العالم العربي والنظام الإيراني وعدم ثقة هذه الدول بمحاولات إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، للتقارب من طهران، تحاول واشنطن إيجاد توازن دقيق بين التفاوض مع إيران من جهة وإقناع حلفائها العرب أنّ أي اتفاق سيعقد في المستقبل لن يمسّ بمصالحهم الوطنية من جهة أخرى. لكن جذور هذا الشعور بعدم الثقة تعود إلى الحقبة التي سبقت إدارة أوباما. فعلى مدى العقد الماضي، دفعت ثلاثة تطورات رئيسية حلفاء واشنطن العرب إلى التوجس من تحالف بين الولايات المتحدة وإيران، وتلك التطورات شملت غزو الولايات المتحدة للعراق في العام 2003 وتبوء نوري المالكي منصب رئيس وزراء العراق في العام 2006 وبروز تنظيم “الدولية الإسلامية في العراق والشام” (داعش) في العام 2014.
بالرغم من أنّ غالبية العرب لم يدعموا الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، إلا أن غزو العراق في العام 2003 اعتُبر كمؤشر يمهد الطريق لنفوذ إيراني أكبر في المشرق العربي. وبالفعل، ابتكر العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، عبارة “الهلال الشيعي” ليصف هذا الواقع الإقليمي بعد اسقاط نظام صدام حسين. وبعد اختيار المالكي رئيسا للوزراء في العام 2006، وعلى الرغم من محاولات المسؤولين الامريكيين توصيفه بأنه مستقل عن ايران، اعتبر كثيرون في العالم العربي أنّ الولايات المتحدة بحرصها على الخروج من العراق كانت مستعدة للإعتراف ضمنيًا بالنفوذ الإيراني في البلاد.
أما تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام،” فلقد برز في العام 2014 بالتزامن مع اتفاق مجموعة “الخمسة زائد واحد” على تمديد المفاوضات مع إيران ومع تقديم المالكي لاستقالته. كل هـذه العوامل أدت الى ازدياد شكوك المسؤولين العرب حول صفقة نووية محتملة مع إيران، فأوضحت المملكة العربية السعودية أنها ترغب أن تتجنّب تلك المفاوضات الاعتراف رسميًا بدور طهران في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، ازداد انعدام ثقة المسؤولين العرب بواشنطن نتيجة خيبة الأمل بالولايات المتحدة التي خلفت وعودها تجاههم. فحلفاء واشنطن توقعوا أن تقدم الولايات المتحدة الدعم إلى السنّة في العراق وإلى تحالف 14 آذار المدعوم من الغرب في لبنان. ففي ما يخصّ لبنان، كانت الحكومة اللبنانية المدعومة من الولايات المتحدة تأمل في أن تساندها واشنطن في أيار/مايو 2008 عندما اندلعت معارك بين مسلّحي حزب الله من جهة ومناصري تيار المستقبل وحلفائه من جهة اخرى، إلا أنها لم تتلقَ مثل هذا الدعم.
بشكلٍ مماثل، رفع الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما في القاهرة في العام 2009 من توقعات المسؤولين العرب٬ بيد أنّ هذه الآمال سرعان ما تلاشت عندما فشلت الإدارة الأمريكية بإحداث تغيير فعلي في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وإنّ التراجع عن “الخط الأحمر” الذي وضعه البيت الأبيض في ما يخصّ الأزمة السورية، وعدم إحراز أي تقدم في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، قد أثّرا بشكلٍ كبير على مصداقية الولايات المتحدة.
تواجه واشنطن حالياً صعوبة في تطمين شركائها العرب حيال تقاربها مع إيران، خاصةً في ظل الأحداث الأخيرة. وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى في مقابلةٍ أجراها مع صحيفة “الواشنطن بوست” في أعقاب وفاة الملك السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الشهر الماضي بأن “دولة إيرانية تمتلك أسلحة نووية هي أخطر بالنسبة للمملكة السعودية من أي اتفاقية يمكننا أن نتوصل إليها”. أيضا في نفس السياق، يأتي استيلاء الحوثيين المدعومين من إيران على اليمن مؤخرًا ليزيد من مخاوف السعودية من توسع نفوذ إيران.
يحتاج حلفاء واشنطن العرب إلى الحصول على تأكيدات حول خمس نقاط حاسمة. أولاً، أن المحادثات مع إيران تمثل سياسة احتواء وليس تقاربًا. ثانيًا، أي صفقة تخدم مصالح واشنطن الإقليمية لن تضرّ بمصالح حلفائها. ثالثًا، أن يكون حصول إيران على السلاح النووي خطًا أحمراً حقيقياً وأن تبقى العقوبات قائمة لضمان ذلك. رابعًا، أن المحادثات مع إيران ساعدت على التخفيف من حدّة التوترات في المنطقة وعلى تشجيع تشكيل حكومة أكثر شمولية في العراق. وخامساً، يجب أن تكون محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أولوية للأمن العالمي وليس فرصة لإيران لترسيخ نفوذها الإقليمي.
على إدارة الرئيس أوباما أن تطمئن حلفائها من العرب بشأن دعمها لهم، وأن تعيد تثبيت الثقة التي فُقدت بين الطرفين.
جو معكرون: كاتب وباحث لبناني
منتدى فكرة