انطلقت في دبي أمس أعمال الدورة الخامسة للقمة العالمية للحكومات بمشاركة أكثر من 4 آلاف شخصية إقليمية وعالمية من 138 دولة. ومن المتوقع أن يساهم في أعمال القمة أكثر من 150 متحدثا خلال 114 جلسة على مدى 3 أيام.
وأكد مشاركون تزايد حاجة العالم للتقارب والتواصل المعرفي في بيئة دولية تزداد تعقيدا وفي مشهد سياسي دولي يشهد تقلبات متسارعة في قواعد العلاقات الدولية خلال العقود الأخيرة.
وتعد القمة، التي بدأت أمس برعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات وحاكم دبي، أكبر تجمع حكومي سنوي عالمي لتبادل الخبرات والمعارف والمعلومات وأضحت موعدا دوليا مفصليا منذ انطلاقها في عام 2013.
ويقول مراقبون إن القمة أصبحت أكبر منصة عالمية لرفع كفاءة الخدمات التي تقدمها الدول لمواطنيها وبحث سبل استدامة إدارة الموارد العالمية، وسط تحذيرات من سرعة التغيرات التي ينبغي التأقلم معها لاستدامة النشاط الاقتصادي العالمي.
وتجمع القمة كل عام أبرز المسؤولين السياسيين والاقتصاديين في العالم لاستكشاف المعضلات واستشراف حركتها من خلال حوار مفتوح حول القضايا السياسية والاجتماعية والتنموية الراهنة بين القيادات الحكومية الميدانية الممسكة بالملفات مباشرة.
وقد نجحت القمة في وضع أطر عالمية تساهم في ردم الفجوات المعرفية بين تجارب الدول المختلفة في العمل الحكومي، وتدفع باتجاه تقريب معايير العمل الحكومي والاستفادة المتبادلة من أساليب ونماذج تمارسها الحكومات وفق معطياتها وظروفها الخاصة.
ويأتي انعقادها هذا العام في ظل حراك عالمي كبير وتعاون دولي للتصدي للمتغيرات المتسارعة التي تؤثر على أداء الحكومات حاضرا ومستقبلا، إضافة إلى الخروج ببرامج عالمية للتعامل مع تحديات المستقبل ورفع مستوى استعداد الحكومات والهيئات لاستشراف المستقبل وتحقيق الخير للشعوب كافة.
وتبحث القمة العالمية للحكومات عددا من القطاعات الحيوية مثل التعليم والرعاية الصحية والعمل الحكومي إضافة إلى الابتكار والتكنولوجيا والاقتصاد وسوق العمل، إلى جانب إدارة رأس المال البشري والتنمية والاستدامة ومدن المستقبل.
لكن الجديد في دورة هذا العام أن القمة تحولت من كونها فعالية دولية إلى مؤسسة عالمية تعمل على مدار العام، تشرف عليها مؤسسة راعية تتابع خلاصات القمم وتعمل على تعظيم دورها في رفع مستوى الأداء الحكومي في العالم أجمع.
وتعمل المؤسسة على رصد ودراسة كافة القطاعات الحكومية واستشراف مستقبلها والتحضير لاستراتيجيات استباقية تكون جاهزة للتعامل مع استحقاقات الغد، كما تحاول ربط المعرفة الحكومية الدولية بالمنظمات الدولية لخلق شراكات دولية متجانسة.
وتعقد أبرز المنظمات الدولية في إطار شراكتها مع القمة اجتماعات ولقاءات تهدف إلى تطوير منصة عمل مشتركة لتوحيد جهودها. وتشمل قائمة الشركاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ومنظمة الأغذية والزراعة.
وتضم قائمة الشركاء أيضا المنتدى الاقتصادي العالمي والبنك الإسلامي للتنمية والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومركز أميركا اللاتينية للإدارة العامة والتنمية.
وقال جوزيف عون رئيس جامعة نورث إيسترن الأميركية خلال القمة، إن العالم اليوم يشهد تحولات تكنولوجية كبرى من شأنها أن تغير ملامح سوق العمل بشكل قد يلغي ما يقرب من 45 بالمئة من الوظائف الموجودة حاليا ويستبدلها بمجموعة من الوظائف الجديدة التي تتطلب بدورها مهارات وأدوات مختلفة.
وأضاف خلال جلسة بعنوان “ما هو النموذج المستقبلي للتعليم العالي؟” أن المستقبل “يحمل تحديات قد تغير ملامح سوق العمل، ولا بد أن نبدأ الآن بتهيئة الطلاب لكي يتأقلموا مع تلك المتغيرات من خلال الإلمام بمواضيع شتى تعزز من مهاراتهم وقدراتهم على المنافسة في السوق”.
وأكد أن “على صناع القرار والمسؤولين أن يضعوا خطة تتضمن خطوات واضحة نحو مستقبل الإنسانية في مجال التعليم والعمل”.
ويرصد المراقبون اهتمام القمة باستكشاف ما يمكن توفيره للجيل المقبل وربط ذلك بما تحققه الابتكارات التكنولوجية بحيث يتواكب التقدم العلمي التقني مع التحديات التي ستواجه المجتمعات في المستقبل في جانبها التنموي والبيئي والاجتماعي، على نحو يواكب التبدلات الجذرية التي ستطرأ على العالم في العقود المقبلة.
ودعت ماري كفينيمي نائب الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الدول إلى تعزيز المساءلة والشفافية في المؤسسات الحكومية. وقالت إنه “الوقت المناسب لتقف الدول وحكوماتها أمام مسؤوليتها لمواجهة التفاوت واللامساواة وغياب العدالة”.
وأكدت أن “المساءلة والشفافية تعيدان الثقة للعلاقة بين الحكومات والشعوب والمنظمات وتدفعان عجلة التنمية”. وأشارت إلى أن “الإمارات تشكل نموذجاً عالميا للدولة التي تحفز على الابتكار وتهيئ البيئة المناسبة التي تتيح لمواطنيها الإبداع في مساهماتهم لصالح المسيرة التنموية”.
وأكد المشاركون ضرورة عدم التركيز على تجارب الدول الغنية والمتقدمة فقط، بل أيضا على الخبرات التي تقدمها حكومات الدول المتوسطة والفقيرة، التي غالبا ما تكون الأكثر جذبا للمؤتمرين بفضل سماتها الجديدة، والتي تكون غالبا أكثر نفعا للدول الأخرى. وأضافوا أن ذلك يجعل القمة مختبرا حقيقيا للعولمة بمعناها الإنساني التفاعلي.
ويرى محللون أن خصوصية القمة تكمن في أنها ميدان تواصل لا يقتصر على مسؤولي الحكومات ورجال الصف الأول فيها، بل هي لقاء يجمع صناع السياسة بقادة الفكر والأنشطة الفاعلة داخل القطاع الخاص والمسؤولين الحكوميين الأكثر تماسا مع المعضلات والمسائل اليومية للمواطنين.