النفط عصب الاقتصاد العالمي
يعد النفط من أهم اسباب الصراعات الدولية على وجه الارض، منذ اكتشافه عام 1859، ولحد هذه اللحظة، اذ اسهم في احداث ثورة هائلة في شكل الآلة وحجمها وقدراتها، وأصبح شـريان الصناعة والحرب والنقل والتكنولوجيا و حافزًا علميًا مهمًا للمزيد من الاختراعات، فالطائرة والصاروخ والأقمار الصناعية ،وغيرها من الآلات المتقدمة لم تكن لترى النور من دون النفط.
ويعد النفط العصب الرئيس للطاقة، فعندما ارتفعت أسعاره عقب حرب أكتوبر 1973، وشعرت الدول الصناعية الكبرى وبخاصة في أوروبا وأمريكا بإمكانية تحكُّم الدول المنتجة بالأسعار أو ربط ذلك بالمواقف السياسية، حاولت الدوائر العلمية لتلك الدول أن تبحث عن بديل للبترول والترويج لتلك الفكرة بأسعار معقولة، ولكن مع الوقت اكتشف الجميع أن هذه لم تكن إلا خدعة إعلامية.
وان السيطرة على النفط، تعني ضمان استمرار عمل الآلة الصناعية والآلة العسكرية معًا، أي الرخاء والقوة.
وبما ان النفط هو الابرز في المشهد الاقتصاد العالمي، كان من الطبيعي أن تحاول الدول الصناعية الكبرى السيطرة على منابعه، اذ دخل المعادلة منذ ذلك الوقت ما يسمى بالدم مقابل النفط، أي استعداد تلك الدول لنشر جيوشها وخوض الحروب من أجل تحقيق تدفق آمن ورخيص لهذه المّادة الحيويّة، القليلة التكلفةً، وأفضل مصدر معروف للطاقة حتى الآن.
انّ المنطقة العربية متخمة بالأزمات القابل كل منها للاشتعال في أي لحظة، وما يجمع هذه الأزمات، وخصوصًا في الرقعة الممتدة بين شرق المتوسط والخليج العربي ، هو ارتباطها بالصراع الأمريكي- الإيراني، الذي يختزل تناقضًا بين مشروعين لمستقبل المنطقة وهويتين مختلفتين لها، حيث أصبح هذا الصراع والتناقض هما المحرّك الأول للتفاعلات السياسية، وهذا ما يجعل شبح الحرب مخيمًا في سماء هذه المنطقة، بعد أن كان الصراع العربي- الإسرائيلي مصدر توترها الوحيد ثم الرئيس لعدة عقود.
التأثير السياسي على اقتصاديات دول النفط
يرتبط النفط بعلاقة وطيدة منذ زمن بعيد مع الأزمات والصراعات السياسية، ويرجع الخبراء هذه العلاقة إلى بداية القرن الماضي وتحديدًا العام 1914، حيث أضحت سلعة النفط محركًا أساسيًا، ومهمًا في وقائع الأزمات والصراعات الدولية، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى سجّلت أسعار النفط مستوياتٍ تصل إلى 100 دولار للبرميل، حيث تنامت الحاجة لتأمين مصادر الطاقة للعمليات العسكرية والإنتاج الصناعي، وأصبح النفط أحد أهم الأهداف العسكرية، والمقومات الأساسية في رسم الحدود السياسية والاقتصادية.
واستمر النفط من أبرز العوامل المؤثرة في السياسة الدولية حيث كان له دور جديد، كورقة ضغط في حرب تشرين الأول/ أكتوبر العام 1973 عندما استخدم العرب النفط سلاحًا للضغط على الغرب، لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967، وقد أكد استخدام العرب لورقة النفط أهمية هذا السلعة ودورها في العلاقات الدولية .
وتشير وثائق سريّة( حسب كتاب د. عبد الحي زلوم) مستقبل البترول العربي في كازينو العولمة، الى أهمية النفط بالنسبة للدول الكبرى حيث كشفت وثيقة سرية بريطانية آنذاك عن تفكير الولايات المتحدة الجاد، بإرسال قوات محمولة جوًا للسيطرة على حقول النفط الرئيسة، في بعض دول الخليج خلال الحظر على صادرات النفط الذي فرضته الدول العربية.
ومنذ ذلك الحين بدأت مسألة تأمين إمدادات النفط تشغل بال الدول الكبرى، ولا غرابة إذا قلنا أنّ ما لحق بالمنطقة من حروب وويلات، كان أحد أهم أسبابه تأمين تدفق النفط إلى تلك الدول التي تحرك دفّة الصراعات في المنطقة .
وعلى الرغم مما يشهده المجتمع الدولي اليوم من صراعات وحروب ، يقف العالم مصعوقًا أمام انخفاض أسعار النفط لمستويات قياسية، وهي حالة غريبة قلما تحصل. فالتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، وانهيار الأوضاع في دول مثل اليمن ودول شرق أفريقيا، والأزمة في أوكرانيا، من المفترض أن تؤدي كلها إلى ارتفاع جنوني لأسعار النفط، واشتداد الطلب عليه، إلا أنّ الأمر كان عكس هذه التوقعات.
أسباب هبوط أسعار النفط
تناول الخبراء والمحللون أزمة النفط بالبحث والدراسة، وأعادوا الأزمة الحالية في قطاع النفط إلى العديد من الأسباب، التي تتوزع بين سياسية، واقتصادية مع ترجيح السياسية منها بشكل كبير، ومنها:
– انكماش الاستهلاك العالمي؛ اذ اعتقد المحللون الاقتصاديون وخبراء النفط ، بأنّ الأسعار تتجه نحو الارتفاع بشكل جنوني، بسبب ما تشهدها مناطق آسيا والبلقان وإفريقيا، لم تأتِ التوقعات بالشكل المتوقع والمفترض .
– الأزمات والصراعات التي توقع خبراء النفط أن تصل الأسعار بسببها إلى سقف الـ120 دولارًا للبرميل، لكن لم يكن بحسبانهم أنّ الأسعار ستهوي إلى ما دون 50 دولار للبرميل الواحد، حيث واصلت أسعار النفط التراجع بصورة غريبة إلى أقل من ذلك لتصل إلى حدود 45 دولارًا للبرميل، وهو أمر غير معتاد في حالات الصراعات والأزمات الدولية مع وجود التوترات السياسية التي تسود المنطقة العربية خصوصًا، ممّا يدعو إلى إعادة تحديد اللاعبين في أسواق النفط والقوى التي تهيمن على السوق، ومن الذي يستخدم النفط ورقة للمساومة والإخضاع والضغوط السياسية.
ومع هذا التراجع المخيف في أسعار الذهب الأسود، ارتفعت صيحات المطالبين لأوبك بخفض الإنتاج إلى حدود مليوني برميل يوميًا، للحفاظ على تماسك الأسعار، وهنا يرى الخبراء أنّ الأمر سياسي محض، يتعلق بحسابات سعودية – إيرانية متضاربة، كما أنه يعود إلى دخول سوق النفط منتجون غير شرعيين مثل “داعش” في سوريا والعراق، والميليشيات في ليبيا، وغيرها من الجماعات.
ويشير الخبراء إلى أنّ منظمة “أوبك” بصفتها الدولية وكونها المنتج لقرابة ثلث النفط العالمي، مطالبة بالتحرك العاجل من أجل حماية السوق ، والمحافظة على مكانتها ، بعد ظهور من يحاول سلب مكانتها في الفترة الأخيرة، من خلال النفط الصخري وعقد صفقات خلف الكواليس بهدف انهيار الأسعار.
وهذا مما يخلق حالة من القلق والهلع لاستمرار الانخفاض، تزامنًا مع تراجع الطلب على النفط، ووفرة المعروض، في هذه الأحوال التي تسيطر على دول العالم والتي شهدت هبوطًا في مؤشرات الأسواق العالمية، بعد تراجع أسعار خام برنت منذ مطلع الصيف الماضي، والتي وصلت إلى أقل من 48 دولارًا للبرميل، مما يعني انخفاضًا نسبته 20 % .
ويؤكد الخبراء ان الضجة الاعلامية الكبرى التي حصلت عام 2013 بأن الولايات المتحدة الامريكية قد فاق انتاجها من النفط انتاج المملكة العربية السعودية وأنها حققت استقلالها في مجال الطاقة ولم تعد بحاجة الى السعودية، لم تكن دقيقة، وسيبقى النفط العربي هو الافضل عالمياً من حيث تكلفة انتاجه ونوعه وقربه من البحار وموانئ التصدير وكميات احتياطاته
ورغم الثورة التكنولوجيا للطاقة التي مكنت الولايات المتحدة من ان تتبوأ مركز الصدارة في انتاج النفط فنلاحظ انه في مجال الاستكشاف والانتاج في مياه البحر العميقة والانتاج من النفط الجبسي (Tight Oil) ومن صخور
الـShale Oil، وكذلك تم انجازات كبيرة في التحكم بكميات النفط او الغاز الممكن انتاجها من حقل ما (Recoverable oil) وذلك بوضع مجسّات (Sensors) في أجزاء متفرقة من الحقل يتم ربطها مع اجهزة حواسيب تقوم بعمل أدق الحسابات للاستغلال الامثل للحقل وبأعمال المراقبة أيضاً.
وان انتاج الولايات المتحدة من النفط لن يفوق انتاج السعودية بعد كل الاكتشافات الجديدة من Shale Oil بواسطة الوسائل الجديدة من التكسير الهيدروليكي (Fracking) والحفر الافقي
وسنأخذ بجميع العوامل المختلفة لنبيّن ان اعتماد الولايات المتحدة على النفط العربي سيبقى ما بقيت امريكا أو ما بقي النفط العربي قبل ان ينضب، أيهما اولا. فالنفط بالنسبة للولايات المتحدة هو طاقة، وانتاجها لن يغطي استهلاكها الى الان ولا في المدى المتوسط ولا حتى البعيد، وكذلك فان البترول المدفوع ثمنه بالدولار هو غطاء للدولار وهو عماد نظامها المالي.
المقارنة بين انتاج النفط في السعودية والولايات المتحدة
لو قارنا بين الانتاج النفطي العربي خاصة السعودي ، والنفط الامريكي، لوجدنا هذه الملاحظات:
أولاً: الزيت الصخري
إن الابار المنتجة عن طريق الحفر الافقي لآبار الزيت الصخري عمرها قصير. ومع أن عمر التكنولوجيا المستعملة هو أيضاً قصير الا أنه بدا واضحاً كما جاء في مجلة بزنس ويك (10اكتوبر2013) ان الانتاج بدأ في البئر H Serenity برقم مرتفع نسبياً وهو 1200 برميل / اليوم سنة 2009.
وهبط في منتصف 2013 الى 100 برميل/ اليوم فقط. وكان هذا في ولاية أوكلاهوما، ومثال اخر، كان في ولاية داكوتا الشمالية بقدرة 2358 برميل / اليوم سنة 2004 ولكن انتاجه انخفض 69 بالمئة في السنة الاولى فقط.
ولكي يحافظ المستثمرون على كمية انتاجهم من الحقل الواحد فانهم يضطرون الى حفر مزيد من الابار للتعويض عن النقص السريع للانتاج. وهذه الظاهرة أطلق عليها رجال النفط ظاهرة الملكة الحمراء (Red queen) “، وهي “عليك الركض بكل قواك لتستطيع البقاء في المكان نفسه”
اما من ناحية الانتاج الامريكي، فانه ذات تكلفة مرتفعة أكثر بكثير من انتاج السعودية أو أي من الدول العربية الاخرى، اذ تقدّر شركة غلوبال سستينبلتي الاستشارية أن الولايات المتحدة بحاجة الى حفر 6000 بئر جديدة كل سنة بتكلفة 35 مليار دولار للمحافظة على المستوى الحالي من الانتاج فقط.
والدراسات تثبت أن الابار الجديدة المكتشفة طاقاتها الانتاجية منذ البداية ضعيفة؛ مما يعني ان الاماكن الاكثر انتاجية قد تم الانتاج منها، وتتوقع الدراسات ان يصل الانتاج من هذا النوع من الابار لذروته بحلول سنة 2017 لكن هذا الانتاج سيهبط خلال سنتين أي سنة 2019 الى مستويات سنة 2012.
حفر الابار: يحتاج حفر البئر الواحدة الى ملايين الغالونات من الماء؛ مما يسبب العديد من المشاكل لتوفير هذا المصدر في ولاية تكساس ونيفادا، بالرغم من هذه المشاكل غير المتواجدة في انتاج النفط العربي الا ان هذا الانتاج هو فعلاً ثورة تكنولوجية، وأيضاً اقتصادية حسنت من ميزان المدفوعات التجاري الامريكي لكنها لم تنقذه.
ان احتياطي النفط الاميركي براً وبحراً يبلغ 23 مليار برميل بينما احتياط المملكة العربية السعودية هو 268 مليار برميل، أي ان احتياطي العربية السعودية أكبر من الاحتياط الامريكي بـحوالي 12 مرة. وبينما الاحتياط السعودي هو في المرتبة الثانية عالمياً فإن الاحتياط الاميركي مرتبته الرابعة عشرة، وهو يأتي بعد ايران العراق، الكويت، الامارات العربية المتحدة، ليبيا، قطر.
ونلاحظ هنا أن ترتيب الاحتياطي للدول قد تغير في السنوات العشر الاخيرة، فأصبحت صاحبة الاحتياطي الاول هي فنزويلا؛ نتيجة اضافة احتياطي الزيت الثقيل جداً الى مجموع احتياطها بعد ان بدأ العمل في استغلاله وأصبح مصنفاً بأنه مجد اقتصادياً. وكذلك كندا التي كانت تملك 5 مليارات برميل من الاحتياطي فقط أصبحت ثالث مالك للاحتياط الكبير بالعالم بعد أن بدأ الانتاج الاقتصادي من بترول الرمل (sand Oil) ، وتصديره بالملايين من البراميل.
وان زيادة الانتاج في الولايات المتحدة ساهمت الى حد كبير بزيادة الاحتياط النفطي من 16 مليار برميل سنة 2008، الى 17 مليار سنة 2009 الى 19 مليار برميل سنة 2010 الى 21 مليار سنة 2011، والى 23 مليار برميل سنة 2012، ومع ان هذه الزيادة في تلك السنوات الاربع تعني زيادة 44 % الا أنها كميّاً تعد زيادة متواضعة.
ولذلك نصل الى نتيجة في ظل هذه المعطيات، وهي: هل تحتاج الولايات المتحدة الى استيراد النفط لسد العجز؟ لأن استهلاكها حالياً حوالي 18.5 مليون برميل يوميا وهي بحاجة الى استيراد حوالي 6 مليون برميل يومياً، بعد كل هذه الثورة وتلك الانجازات وهو رقم يساوي تقريباً مجموع انتاج الكويت والامارات العربية المتحدة أو نصف الانتاج السعودي.
النفط الصخري
تشهد الولايات المتحدة ما يطلق عليه “طفرة النفط الصخري” ، والتي لها دور واضح في تراجع للطلب العالمي على النفط، بحث يعزو العديد من الخبراء في مجال الطاقة اليه تراجع اسعار النفط .
وكتبت جريدة “التايمز” البريطانية في 16 تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٥، أن السعودية اتخذت موقفًا محسوبًا بدقّة، بدعمها انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 80 دولارًا للبرميل، لكي تجعل من استخراج النفط الصخري أمرًا غير مجدٍ اقتصاديًا، ممّا يدفع واشنطن في النهاية إلى العودة لاستيراد النفط من المملكة وإخراج الغاز الصخري من السوق.
وهنا يشير خبراء النفط إلى أنّ تدخّل منظمة “أوبك” في وقف انخفاض الأسعار، سيساعد أيضًا المنتجين والمستثمرين في النفط الصخري “المنافس” على زيادة أرباحهم، وكذلك دخول مستثمرين جدد لهذا القطاع، وزيادة الصادرات الأميركية من المشتقات النفطية إلى العالم، وهذا ما لا تريد “أوبك” أن يحصل .
يتفق أكثر الخبراء على أن النفط التقليدي الذي عرفه العالم طوال القرن العشرين سينتهي آجله قبل نهاية هذا القرن ومنه النفط العربي.
ولقد بدأت فعلاً مرحلة الانحدار في احتياطات النفط التقليدي خارج العالم العربي وكما في نفط بحر الشمال وكثير من الحقول في مناطق مختلفة من العالم.
فرضية : انخفاض انتاج النفط العربي
ان ما جاء في دراسة مادة الحالة 096-383-9 في كلية الدراسات العليا للإدارة في جامعة هارفارد والتي تقول: “السيطرة على سعر النفط وكمية انتاجه هما من ركائز الامن القومي الاميركي”. هو أن الولايات المتحدة هي التي تحدد كميات الانتاج من النفط خصوصاً للدول المنتجة الكبرى لهذه المادة وكذلك تتحكم بأكثر من طريقة في السعر.
لذلك ليس سراً ان اكثر الدول العربية تنتج أكثر بكثير من حاجاتها للتنمية الاقتصادية، مما يحول أثمان الفائض عن تلك الحاجة الى خزائن الولايات المتحدة لسد عجوزات ميزانياتها أو في احسن الاحوال الى اسهم في شركاتها لتدعيم اقتصادها.
ولو فرضنا تطبيق نظرية الانتاج الكافي لتنمية اقتصاد دوله ما ، تنتج عشرة ملايين برميل يومياً ومخزونها200 مليار برميل ،فعندئذٍ سينضب نفطها خلال 55 سنة.
لكنها لو انتجت حاجتها فقط ولنفرض انها 4 ملايين برميل في اليوم عندها سينضب احتياط نفطها بعد 137 سنة، وإن الانتاج الكافي فقط لتنمية دون فوائض تبادل مادةً ثمينة كالنفط مقابل أوراق نقدية، لكن هذا يحتاج الى مقومات قد لا تكون متوفرة حاليا.
الاهمية الاستراتيجيّة لمنطقة الشرق الاوسط: تتمتّع هذه المنطقة بغِـنى مواردها الطبيعيّة وعلى رأسها النفط والغاز ، وما من شكّ بأنّ هذا الموقع المتميّز لدول الشرق الأوسط، الذي يتحكّم بمجموعة من القنوات والبحار والممّرات المائيّة الاستراتيجية المهمّة، يتيح لها أن تؤدي دور صلة الوصل في مسارات نقل النفط الخام والغاز والمواد الأولية إلى الدول الصناعية والدول الكبرى على مدى الأبعاد المترامية للكرة الأرضية على مساحة الجغرافية الكونية.
من المسلّم به ان التنافس على موارد الطاقة هي إحدى الغايات الرئيسة للدول الكبرى التي تسعى إلى تأكيد نفوذها، وتأمين احتياجاتها من النفط الخام والغاز، في ظل تسارع وتيرة الإنتاج وفي ظل اضطرابات مالية تصيب الاقتصاد العالمي باهتزازات متتالية، وفي ظل السباق على حجز مواقع متقدمة في السوق الدولية.
من هنا تكمن أهمية منطقة الشرق الأوسط في حسابات الدول، بخاصة بعد نهاية مرحلة الحرب الباردة وبروز أقطاب جدد على المسرح الدولي.
وتعد منطقة الشرق الأوسط، من أهم المناطق التي تتنافس فيها الدول الكبرى في العالم نتيجة لموقعها الاستراتيجي البالغ الأهمية في العالم، ونتيجة للتنافس الدولي والنزاعات والتوترات الداخلية، مما جعلها تعاني اضطرابات وتوترات بين حين وآخر، و تنفجر فيها الحروب والنزاعات المسلحة. ويولي معظم حكومات الدول الكبرى اهتمامًا كبيرًا لهذه المنطقة.
ومع انتهاء الحرب الباردة، تحولت منطقة الشرق الأوسط، ، مسرحًا زاخرًا بالعلاقات الدولية المتأزمة، الأمر الذي كان يستوجب دفاعًا اميركيًا عنها.
لكن بعد سقوط جدار برلين وأطروحة هانتنغون “صدام الحضارات” وزوال الاتحاد السوفياتي، برز كلام جديد عن “مواجهة بين الحضارتين الاسلامية والغربية”، وبأن الشرق الاوسط خط التماس بين الحضارتين.
وعلى الرغم من أن كثيرين لم يوافقوا على أطروحة هانتنغتون في “صدام الحضارات” وعلى رأسهم الرئيس الامريكي بيل كلينتون آنذاك، فإن هذا الفكر كان يعكس تطلعات بعض النخب الاميركية حول هذه المنطقة التي اعتبروها تهديدا لهم ومصدرًا للموارد الأولية.
ان الدول الغربية واوربا ، تعتمد أساسًا على مصدر واحد للطاقة وهو الفحم، حيث كان يلبي أكثر من 90% من احتياجاتها، أما بعد الحرب العالمية الثانية وخلال الخمسينيات والستينيات والعقود التي تلت ووصولًا إلى يومنا هذا، فقد زاد استهلاك المنتجات البترولية بصورة سريعة للأسباب الآتية:
– تدني سعر البترول، نتيجة إعادة افتتاح العبور وتفعيله عبر قناة السويس، وازدياد مبيعات الاتحاد السوفياتي، وازدياد منافسة شركات البترول المستقلة ومواجهتها للشركات المستثمرة للبترول أعضاء الاتحاد الاحتكاري ، ونظافة البترول وقلة التلوث المرتبط باستخدامه، وسهولة نقله واستخدامه؛ مما جعل دول غرب أوروبا تزيد اعتمادها على بترول الشرق الأوسط بصورة كبيرة، فقد ازدادت درجة الاعتماد من 20% من جملة استهلاك البترول قبل الحرب العالمية الثانية إلى 43% العام 1947 ثم إلى 85% العام 1950، ولاحقًا زاد الطلب الغربي وغيره من الدول الصناعية على البترول الشرق أوسطي ،طوال العقود التي تلت في القرن الماضي وصولًا إلى مرحلتنا الراهنة بنسب تصاعدية، ويرجع ذلك إلى ما يلي:
– قـرب حقول بترول الشرق الأوسط من السوق الأوروبي.
– النفوذ الكبير للدول الأوروبية في منطقة الشرق الأوسط، حيث كانت فرنسا تسيطر على دول المغرب العربي (الجزائر)، وإنجلترا تتعامل بشكل واسع مع دول الخليج (الكويت ودولة الامارات وقطر والبحرين وعمان).
وكانت الدول الأوروبية تتمتع بامتيازات واسعة في حقول بترول دول الشرق الأوسط، عن طريق الشركات التابعة لها، ومنها: الشركة الفرنسية للبترول CFP والشركة البريطانية BP وشركة شل (المملوكة مشاركة بين إنكلترا وهولندا).وقد كانت هذه الشركات تبيع بترولها للدول الأوروبية بالعملات المحلية لهذه الدول.
– عدم استطاعة الولايات المتحدة الأمريكية إمداد دول أوروبا واليابان باحتياجاتها من البترول، بسبب توقعها حدوث نقص بترول عالمي، وبالتالي فهي معنية بإيجاد بدائل لتغطية هذه الحاجات.
سعر النفط الحالي:
يرى العديد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين والسياسيين أنّ ما يجري في أسواق النفط اليوم، يعد “عقابًا جماعيًا”؛ اذ اتفق منتجو النفط الكبار في العالم والولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من خسارتها في موضوع النفط الصخري، على خفض الأسعار من أجل معاقبة روسيا اقتصاديا؛ بسبب موقفها من الأزمة في أوكرانيا، وكذلك معاقبة إيران التي تم تخفيف العقوبات المفروضة عليها بعد إبرام الاتفاق النووي مع الدول الخمس الكبرى، وأصبح لديها قدرة أكبر على بيع نفطها في الخارج.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يستخدم سلاح النفط ضد روسيا وإيران، بل استخدمته إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي، لإحداث عجز كبير في ميزانيات موسكو وطهران.
ويشير بعض المحللين إلى أنّ الهدف السياسي من هذا الانخفاض يبدو جليًا للضغط على روسيا بخفض سعر البترول لإحداث عجز في موازنتها، والتي تمثل مبيعات النفط أهم مصادر الدخل بالنسبة لاقتصادات روسيا وإيران، وهنا يرى العديد من الخبراء أنّ استمرار أسعار النفط عند مستوياتها المتدنّية قد يوجّه صفعة قوية لموسكو، وهو ما قد يدخل الأخيرة في أزمة مالية. وكذلك الحال بالنسبة لإيران، التي اتهمت دولًا في الشرق الأوسط بالتآمر مع الغرب، لخفض أسعار النفط لإلحاق مزيد من الضرر باقتصادها الذي قوضّته العقوبات.
الآثار المترتّبة على انخفاض أسعار النفط
تختلف الاثار المترتّبة على انخفاض أسعار النفط اختلافا كبيرًا من بلد إلى آخر، ووفق الخبراء، فإنّ الهبوط الحاد لأسعار النفط، يبدو نعمة للبلدان الرئيسة المستهلكة للنفط، في وقت تجددت فيه المخاوف بشأن النمو الاقتصادي، لكنه قد يكون نقمة للبلدان المنتجة.
ويتوقف ذلك إلى حد كبير على ما تتبعه من سياسات الصرف الأجنبي، فالهبوط الحاد في قيمة العملة الروسية (الروبل) مثلًا ساعد الكرملين على التخفيف من آثار انخفاض أسعار النفط، وأتاح للسلطات الاستمرار في الإنفاق المحلي المرتفع، إلّا أنّ موسكو في حقيقة الأمر ستضطر إلى أن تقلّص بشدّة وارداتها مرتفعة التكاليف على نحو متزايد.
والوضع مماثل في الصين، حيث يساعد هبوط سعر النفط على تفعيل الإنتاج الصناعي والتكنولوجي والسلعي وزيادة الصادرات، ويعزز القيمة الشرائية لليوان كعملة دولية صاعدة .
والحال شبيه بالنسبة لإيران الخارجة من عقوبات طويلة مع تأثيرات جانبية أكيدة لانعكاس انخفاض سعر النفط على العائدات المالية التي يمكن ان تجنيها في مرحلة الانفتاح التي تلت إنهاء العقوبات، مع أن تقييم آثار أسعار الصرف الأجنبي أصعب، لأن العملة الرسمية لكلا البلدين لا تتسم بحريّة التداول على نطاق واسع.
وفي تقرير لافت لوكالة الطاقة الدولية مطلع سنة 2016، جاء أنّه “في البلدان التي لا تكون عملتها مربوطة بالدولار الأمريكي، تساعد التقلبات في أسعار الصرف الأجنبي على إبطال جانب من أثر التراجعات الأخيرة لأسعار النفط.
وهكذا فإن الإيرادات الاسمية لصادرات روسيا بالروبل زادت في الآونة الأخيرة على الرغم من هبوط قيمتها بالدولار”، وعلى النقيض من ذلك فالبلدان الأعضاء في “أوبك” من دول الخليج مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين ترتبط عملتاهما بالدولار، فإنهما شهدتا هبوط في الإيرادات بالعملات المحلية جراء هبوط أسعار النفط.
رؤية الاقتصاد السعودي : يتنوع اقتصاد المملكة العربية السعودية بمقومات استدامته، ورغم أن النفط والغاز يمثلان دعامة أساسية للاقتصاد، إلا انها تتوسع في الاستثمار ، ويسعى الى تخطي التحديات .
لقد بلغ متوسط نمو الاقتصاد السعودي خلال الـ (25) سنة الماضية أكثر من (4%) سنوياً، مما أسهم في توفير ملايين الوظائف، ويعد الاقوى بتسلسل 20 اقتصاداً على مستوى العالم.
وتسعى المملكة إلى أن تتبوأ مكانةً أكثر تقدماً من أجل تنويع الاقتصاد وإطلاق إمكانات قطاعاتها الاقتصادية الواعدة، وتخصيص عدد من الخدمات الحكومية، بحلول عام (1452هـ – 2030م)، بالرغم من التباطؤ الاقتصادي العالمي .
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية