عادت قضية التسوية الليبية تطفو على الساحة الدولية من جديد بعد غيابها نسبيا، على خلفية تطور الأحداث في سوريا. وتتجه الأنظار الآن أكثر إلى روسيا التي أصبحت بقصد أو بغير قصد حلقة وصل بين أطراف الأزمة الليبية.
وشهدت موسكو زيارات عدة في الآونة الأخيرة لمسؤولين ليبيين، بعضهم من حكومة الوفاق الوطني وآخرون من برلمان طبرق، ناهيك عن تردد اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى موسكو ولقاءاته مع المسؤولين الروس على أعلى المستويات.
ويمنح كل ذلك روسيا إمكانية لعب دور الوساطة للتقريب بين أطراف الأزمة الليبية، وهذا ما بدا واضحا في التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج، إذ طالب روسيا بالوساطة لحل أزمة ليبيا وذلك بعد فشله في التوصل إلى اتفاق في القاهرة مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر قبل أيام بوساطة مصرية.
ماتوزوف: النظام السياسي الذي حاول الغرب وضعه في ليبيا انهار بالكامل (الجزيرة)
حذر روسي
لكن موسكو تحاول توخي الحذر في جميع خطواتها المتعلقة بليبيا، وهي تنطلق بذلك من موقف الدول العربية حيال الوضع في البلاد، وهو ما يؤكده الخبير في شؤون الشرق الأوسط وعضو في مجلس التضامن مع الشعبين الليبي والسوري فياتشيسلاف ماتوزوف.
ويشير ماتوزوف إلى أن المشكلة الأساسية لا تكمن في الوساطة الروسية، فهناك وساطة عربية متمثلة في الجانب المصري والجزائري بالإضافة إلى التونسي، والموقف العربي هو المهم في الأزمة الليبية وهي تنطلق من هذا الموقف وتبني على أساسه موقفها إزاء التطورات في ليبيا وفق رأيه.
وأعلنت موسكو مرارا دعمها للسلطات الشرعية في البلاد، من خلال دعم البرلمان الليبي الذي ترى أنه تم انتخابه من قبل الشعب الليبي، وبالتالي دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يؤيده برلمان طبرق وترى موسكو أنه يسيطر عسكريا على غالبية الأراضي الليبية.
وتبقي موسكو قنوات اتصالاتها مفتوحة مع حكومة الوفاق الوطني نظرا للدعم الذي تحظى به من قبل الأمم المتحدة، رغم فشل هذه الحكومة في الحصول على تأييد البرلمان حتى الآن.
ويشدد فياتشيلاف ماتوزوف على أن النظام السياسي الذي حاول الغرب فرضه على ليبيا قد انهار بالكامل وفشلت السياسة التي حاولت الأمم المتحدة فرضها على ليبيا.
السراج طلب من روسيا أن تتوسط مع حفتر لإيجاد حل للأزمة الليبية (الجزيرة)
احترام الاتفاقات
ويستبعد المحلل السياسي والمستشرق أندريه أنتيكوف أن تقوم روسيا بالخروج عن إطار الاتفاقات والقرارات الأممية وخاصة اتفاق الصخيرات، قائلا إن روسيا تتقيد باتفاقيات الصخيرات التي تمت المصادقة عليها في المغرب عام 2015.
وأشار إلى أن القضية الآن تعتمد أكثر على إيجاد نقاط تماس بين ممثلي جنوب شرق ليبيا والغرب انطلاقا من الوضع على الأرض وتوزيع موازين القوة بحسب قوله.
وتبدو ليبيا الآن أمام مرحلة جديدة بقدوم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يضع مسألة مكافحة الإرهاب في قائمة أولوياته، ويشدد ماتوزوف في هذا الشأن على أن روسيا وحدها لا يمكن أن تحتوي الأزمة الليبية رغم علاقاتها الجيدة مع جميع الأطراف.
ويشير إلى أن تحقيق ذلك يمكن فقط عبر تفعل دور المجتمع الدولي، وخاصة دور الولايات المتحدة، فروسيا مستعدة للتعاون مع واشنطن بشأن ليبيا ولا بد من التواصل بين الجانبين في هذا الشأن حسب تعبيره.
ويقلل المحللون والخبراء الروس من أهمية دور رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج، معتبرين توجهه إلى روسيا بطلب الوساطة محاولة منه للحفاظ على مكانته السياسية في البلاد.
ويقول الخبير أونتيكوف إن فائز سراج يدرك تماما مجريات ما يحدث في ليبيا وأن حكومته لا تسيطر على ليبيا، بينما قوات حفتر تستمر في التقدم في مكافحة الإرهاب، ولذلك فإن السراج مهتم بمستقبله السياسي ويأتي توجهه إلى روسيا محاولة للحفاظ على مكانته وشخصيته السياسية في ليبيا.
المصدر : الجزيرة