أعباء الموازنة اللبنانية تنتقل إلى كاهل المواطنين عبر ضرائب جديدة

أعباء الموازنة اللبنانية تنتقل إلى كاهل المواطنين عبر ضرائب جديدة


بيروت – يحبس اللبنانيون أنفساهم بانتظار تفاصيل أول موازنة لبنانية منذ 12 عاما، بعد أن كثر الحديث عن أنها ستتضمن حزمة واسعة من الضرائب التي تطال معظم اللبنانيين وتؤثر على قدراتهم الشرائية.

وتتضمن الاقتراحات الضريبية فرض رسوم سير جديدة ورفع سعر الطوابع المالية وزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10 إلى 11 بالمئة ورفع الرسوم على المشروبات الكحولية المستوردة.

وتثير الإجراءات، التي تشمل زيادة الضريبة على رخص البناء وعقود البيع العقاري وفرض رسم خروج على المسافرين عن طريق البر والجو، مخاوف اللبنانيين لأنها لا تترافق مع إجراءات لتحفيز النمو أو رؤية اقتصادية واضحة.

ويثير انعدام التوازن في مشروع سلسلة الرتب والرواتب الذي تدرسه الحكومة الكثير من الإشكالات حيث يبرز التفاوت الضخم بين حجم الزيادات المقترحة على رواتب العسكريين مقارنة برواتب الإداريين والأساتذة والمعلمين.

وقد برزت ردود أفعال على الاقتراحات الضريبية تمثلت في إطلاق هاشتاغ “الجيوب مش إيرادات” الذي حظي بشعبية كبيرة. ويتجه الأساتذة إلى الإضراب المفتوح احتجاجا على ما يعتبرونه إجحافا في حقهم مقارنة بالرتب والرواتب المقرر منحها للعسكريين.
إيلي يشوعي: إقرار سلسلة الرتب والرواتب سيخلق تفاوتا بين القطاعين العام والخاص

وقال الخبير الاقتصادي كامل وزنة إن الضرائب المقترحة “ليس لها مردود اقتصادي، وهي تفرض أعباء إضافية على المواطن”.

وأكد أن “زيادة الرواتب للموظفين في القطاع العام قد تزيد الاستهلاك، لكنها ستؤدي إلى ضغط كبير على الشركات قد يتسبب بوقف التوظيف، وفي بعض الحالات قد يفرض عليها القيام بعملية إعادة هيكلة كاملة انطلاقا من عدم قدرتها على تحمل الزيادات في الرواتب”.

وأضاف وزنة أن “زيادة الرواتب يمكن أن تنعكس على قطاعات مختلفة، وتتسبب بزيادة كلفة التعليم وأقساط المدارس، حيث يرجح أن تعمد المدارس الخاصة إلى تعويض الزيادة المفروضة عليها من خلال رفع الأقساط”.

ويعتبر أن مشروع سلسلة الرتب والرواتب قد يؤدي إلى مشكلة بنيوية تطال الاقتصاد اللبناني ككل في السنوات الخمس القادمة لأنه “لا يقيم توازنا بين زيادة المديونية التي ستتراكم في الفترة القادمة وبين التنمية الاقتصادية”.

ويرى الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي أن طريقة فرض الضرائب في مشروع الموازنة تؤكد أن القائمين عليها “ليسوا اقتصاديين نظرا لغياب الحد الأدنى المطلوب في أي مشروع موازنة من إنشاء سياسة إدارية مرتبطة بتحديث الإدارات وتفعيل أجهزة الرقابة”.

وأضاف أنها “تفتقر إلى سياسة نقدية مرتبطة بكيفية إدارة الدين العام وتقديم قراءة عامة عن السياسة النقدية وتحديد مدى ملاءمتها مع الاقتصاد بشكل عام”.

وأكد أن “إقرار الضرائب يجب أن يأتي في إطار سياسة ضريبية متكاملة فنحن لا نستطيع السير في تطبيق إجراءات ضريبية تتناقض مع المبادئ الضريبية المعتمدة عالميا، والتي تتجه إلى إقرار ضرائب مفيدة واجتماعية”.
كامل وزنة: حزمة الضرائب الجديدة لن يكون لها أي مردود اقتصادي ملموس

وأشار يشوعي إلى أن المنطق الضريبي في مشروع الموازنة المعتمد على زيادة الرسوم والضرائب على الاستهلاك “يكشف غياب الحد الأدنى من العدالة لأن مجموع الواردات الضريبية غير المباشرة يمثل أكثر من 65 بالمئة من قيمة الواردات”.

وأوضح أن هذا النوع من الضرائب “يؤذي المواطن مباشرة ويؤثر سلبا على قدرته على الاستهلاك، ويتسبب في تعميق الركود الاقتصادي”.

وتوقع يشوعي أن تتسبب السياسة الضريبية في “تراجع نسبة النمو المقدرة لهذا العام بنحو 2 بالمئة. ورجح أن لا تتجاوز 1 بالمئة في أحسن تقدير في ظل المنظومة الضرائبية الجديدة”.

وذكر أن الاعتقاد بأن إقرار سلسلة الرتب والرواتب سيؤثر إيجابا على الاستهلاك وقـدرة المواطـن الشرائية خاطئ لأن “الضـرائب غيـر المباشـرة ستطـال الجميع وقـد يكـون وضع من يـرتفع راتبـه بشكـل كبيـر أفضل مـن سـواه، ولكن التأثير العـام ليس إيجابيا”.

وشدد يشوعي على أن “السلسلة ستخلق حـالة من انعـدام التـوازن بـين القطـاعين العـام والخـاص لأنها سترفع الحد الأدنى للأجور في القطاع العـام ما يتسبـب في نشـوء شبكة مطالبات بالتصحيح والمساواة في صفوف عمال وموظفي القطاع الخاص”.

وقال إن الأزمة تطال المتقاعدين حيث أن “من يتقاعد قبل يوم من إقرار السلسلة لا يستفيد منها، ومن يتقاعد بعد يوم من إقرارها يستفيد، وهذا يخلق فرقا كبيرا بين حجم التعويضات”.

ويحتج الأساتذة على عدم منحهم الدرجات التي كانوا يطالبون بها والتي تبلغ 10 درجات في حين أن مشروع السلسلة يعطيهم ثلاث درجات فقط. ويؤكد يشوعي أن كل منطق السلسلة ينطوي على قدر كبير “من التخبط وسوء الإدارة وغياب الرؤية”. ويستشهد على صحة ما يذهب إليه بالمرات الكثيرة التي أرسل فيها مشروع السلسلة إلى اللجان دون أن يتم إقرارها.

وأكد أن توزيع الأجور على الفئات الثلاث في الدولة يكشف عن توزيع غير عادل حيث “تنال الفئة العسكرية أكثر من 60 بالمئة من أجور القطاع العام في حين لا تحظى فئة التعليم بأكثر من 25 بالمئة وتبقى نسبة 15 بالمئة لصالح الفئة الإدارية ما يعمق الفرق بين الفئات الثلاث”.

وأشار إلى أن استئثار العسكر بالقسم الأكبر من قيمة الأجور يعود “إلى اتفاق القوى السياسية على التشبث بالنظام الحالي القائم الذي أنتج إجماعا على ضرورة استرضاء القوى العسكرية والأمنية”.

العرب اللندنية