قلبت الولايات المتحدة استراتيجية الرئيس السابق باراك أوباما القائمة على الانسحاب العسكري من الأزمات والرهان على وكلاء محليين وإقليميين رأسا على عقب، وعادت إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى المنافسة الحامية مع إيران وروسيا لاستعادة المواقع التي تخلت عنها الإدارة السابقة في العراق وسوريا وليبيا.
وتجد واشنطن نفسها في وضع صعب في ظل لحاق رجل قوي مثل قائد الجيش الليبي خليفة حفتر بالخندق المقابل، أي بروسيا، مع أنه حليف نموذجي لمواجهة التيارات المتشددة وبينها جماعة الإخوان التي تخطط إدارة ترامب لحظرها، لكنها قد تجد نفسها مجبرة على التحالف معها في ليبيا.
وقال قائد القوات الأميركية في أفريقيا توماس وولدهاوزر إن ثمة صلة “لا يمكن إنكارها” بين روسيا وحفتر مما يسلط الضوء على القلق الأميركي بشأن دور موسكو المتزايد في ليبيا.
وذكرت تقارير من قبل أن الولايات المتحدة لاحظت وجود قوات خاصة روسية فيما يبدو وطائرات دون طيار في سيدي براني بمصر على بعد حوالي 100 كيلومتر من الحدود مع ليبيا. لكن الروس والمصريين نفوا وجود هذه القوات.
وعندما سئل عن وجود قوات روسية في ليبيا قال وولدهاوزر “يوجد روس على الأرض في المنطقة” مضيفا أن المحاولات الروسية للتأثير في ليبيا مثيرة للقلق.
وأضاف وولدهاوزر “إنهم على الأرض ويحاولون التأثير على العمل ونحن نراقب ما يفعلونه بقلق بالغ وتعرفون أنه فضلا عن الجانب العسكري في هذا شاهدنا بعض الأنشطة في الآونة الأخيرة في مشاريع تجارية”.
وقال وولدهاوزر في مؤتمر صحافي “حسنا أعتقد أنه أمر معروف للجميع.. الروس ورغبتهم في التأثير على الأنشطة داخل ليبيا.. أعتقد أن الصلة بين الروس وحفتر لا يمكن إنكارها في هذه المرحلة”.
وتتزامن التساؤلات بشأن دور روسيا في ليبيا مع مخاوف في واشنطن من نوايا موسكو في ليبيا الدولة الغنية بالنفط والتي تحولت إلى مناطق متناحرة في أعقاب انتفاضة 2011 المدعومة من حلف شمال الأطلسي على معمر القذافي الذي كانت تربطه علاقات بالاتحاد السوفييتي السابق.
وخلال العامين الماضيين أرسلت بعض الدول الغربية ومن بينها الولايات المتحدة قوات خاصة ومستشارين عسكريين إلى ليبيا، لكن تأثيرها ظل محدودا في ظل ارتباك الرؤية إلى الحل والرهان على دوائر محلية متناقضة المصالح والولاء القبلي.
ونفذ الجيش الأميركي ضربات جوية دعما لحملة ليبية ناجحة العام الماضي لطرد تنظيم داعش من معقله في مدينة سرت، فيما اعترفت دول مثل إيطاليا وبريطانيا وفرنسا على استحياء بوجود قوات لها في مناطق مختلفة من ليبيا.
واعترف وولدهاوزر بوجود قوات خاصة أميركية محدودة العدد في ليبيا، مشيرًا إلى أنها تتولى عمليات استخباراتية بـ”طائرات استطلاع دون طيار انطلاقًا من قاعدة في تونس”، وأن ذلك “لغايات استخباراتية”.
وأضاف قائد القوات الأميركية في أفريقيا “سنبقي قوة قادرة على الإنتاج الاستخباراتي والعمل مع مختلف المجموعات عند الحاجة لتتمكن من مساعدة حكومة الوفاق الوطني على مهاجمة أهداف لتنظيم داعش”.
ويعتقد محللون أن وضع الوجود الروسي في ليبيا تحت المجهر هدفه إيجاد مبررات لدور أميركي أوسع في الملف الليبي الذي أغفلته الولايات المتحدة منذ الإطاحة بالقذافي، ما سمح بتدخل أطراف كثيرة فيه كان آخرها روسيا.
وأشار المحللون إلى أن واشنطن ستجد أمامها فسيفساء من المتدخلين الخارجيين في ليبيا بعضهم حلفاؤها والبعض الآخر من المنافسين، فضلا عن خليط واسع من الميليشيات القبلية والحزبية المحلية.
وأدارت واشنطن الظهر للملف الليبي في سياق استراتيجية أوباما القائمة على الانسحاب من النزاعات وخاصة بعد حادثة مقتل السفير كريس ستيفنز (11 سبتمبر 2012) في هجوم لمجموعات سلفية على قنصلية بلاده بمدينة بنغازي، وهي المجموعات التي يقاتلها حاليا حفتر.
وسيجد الأميركيون أنفسهم في معركة استعادة دورهم في ليبيا مخيرين بين الرهان على حفتر أو على مجموعات تحمل أفكار قتلة السفير وهذا ما سيزيد من تعقيد مهمتهم.
ورغم ما راج عن رغبتها في التقارب مع قائد الجيش الليبي، فإن واشنطن تطلق تصريحات متناقضة أحيانا، فهي تريد دعم حكومة فايز السراج الواقعة تحت رحمة ميليشيات إسلامية، وفي نفس الوقت تريد فتح قنوات التواصل مع حفتر الذي يبدو أنه حسم أمره باتجاه روسيا القادرة على إمداده بالسلاح وتوفير التدريبات لمقاتليه.
وفي ظلّ غياب دور أميركي فعال في فترة أوباما عملت قوى إقليمية بينها مصر على دعم حفتر لخوض حرب معقدة على مجموعات متشددة متحالفة مع دول إقليمية وتسيطر على العاصمة طرابلس.
ولجوء حفتر إلى روسيا كان خطوة اضطرارية في ظل تمسك الولايات المتحدة ودول أوروبية بمنعه من الحصول على الأسلحة فيما كانت الميليشيات المنافسة تحصل عليها بسهولة من داعميها.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى أن تحدد استراتيجيتها في ليبيا بدقة حتى تقدر على استعادة حفتر من روسيا. ويمكن أن تستفيد من زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن ولقائه المرتقب مع ترامب لتوضيح معالم تلك الاستراتيجة وإلا فإنها قد تجد نفسها وقد وضعت اليد في اليد مع ميليشيات مدعومة من قطر وتركيا.
وحذّر مراقبون ليبيون من أن إدارة ترامب قد تجد نفسها متحالفة مع إخوان ليبيا بما يطيح بخططها لوضع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وفروعه المختلفة على قائمة التنظيمات الإرهابية وتحميل الجماعة مسؤولية التشدد الذي انتشر في الغرب باعتبارها الجماعة الأم التي تفرّعت عنها مختلف التيارات التكفيرية والإرهابية.
صحيفة العرب اللندنية