القاهرة – أصدرت محكمة مصرية الأحد، حكما قضائيا بسريان اتفاقية تعيين الحدود بين مصر والسعودية التي منحت الرياض أحقية السيطرة على جزيرتي تيران وصنافير.
وقضت محكمة الأمور المستعجلة (محكمة تختص بمناقشة القضايا ذات صفة الاستعجال)، بانعدام الحكم الصادر من قبل المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة، والذي أوقف تنفيذ الاتفاقية مطلع العام الجاري.
وفسر البعض من المراقبين الحكم بأنه يحمل رسالة مهمة، ويعزز التوجهات السياسية الإيجابية بين القاهرة والرياض، والتي تكللت بلقاء قمة عقد في الأردن بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الأربعاء الماضي.
ويفتح الحكم القضائي الباب أمام تشكيل موقف جديد حيال القضية المثارة منذ أبريل العام الماضي، ويعيد الكرة إلى المربع الأول، بعد مرحلة طويلة من النزاعات القضائية، صدرت خلالها أحكام متعددة، بدت متضاربة ومتناقضة في نظر الكثيرين.
وقالت مصادر سياسية لـ“العرب”، إن حكم القضاء الإداري الصادر في السابق ما كان ليصدر لو كانت الحكومة تجاوبت وقدمت المستندات التي تثبت سعودية الجزيرتين، وتم تفسير عدم تجاوبها في ذلك الوقت على أنه إشارة إلى ممانعة مصرية بحيل قانونية، تحجب تسليم الجزيرتين، ردا على وقف السعودية تقديم 700 ألف طن من شحنات مشتقات النفط شهريا إلى الحكومة المصرية.
وربط بعض المراقبين بين موقف الحكومة أثناء مناقشة القضية أمام مجلس الدولة، وهو الوقت الذي شهد ظهور خلافات سياسية بين مصر والسعودية، وبين موقفها الحالي من التعامل مع القضية المرفوعة أمام المحكمة ذاتها، والتي تزامن الحكم فيها مع تحسن واضح في العلاقات بين القاهرة والرياض.
جمال زهران: موقف الحكومة المصرية من القضية كان متذبذبا في مرات عديدة
وما يزيد الأمر جدلا أن الحكم الذي صدر الأحد، سوف يرفع الحرج عن البرلمان، الذي أصبح أمام حكم منحه الموافقة على اتخاذ الإجراءات الدستورية باعتبارها اتفاقية سارية، ولم يكن من المستغرب خروج العديد من النواب للتأكيد على مناقشة الاتفاقية بالبرلمان في أقرب فرصة، والإيحاء بالموافقة عليها.
وأوضح جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس لـ“العرب”، أن موقف الحكومة المصرية من القضية كان متذبذبا في مرات عديدة، منذ التوقيع عليها وهو ما جعل الأحكام القضائية تأخذ أبعاداً سياسية ضمنية.
وشدد على أن تجميد الاتفاقية لأكثر من سبعة أشهر قبل إرسالها إلى البرلمان أكبر دليل على ذلك، كما أن تلويح البرلمان بمناقشتها في وقت شهدت فيه العلاقات تقدما ملحوظا بين البلدين صب أيضاً في هذا الاتجاه.
وأضاف أن إصدار محكمة الأمور المستعجلة العديد من الأحكام التي صاحبت مواقف سياسية بعينها، يجعل المسألة أكثر جدلاً بالنسبة إلى الرأي العام المصري.
وأصدرت المحكمة ذاتها حكماً سابقاً باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية، قبل أن تلغي الحكم في وقت تحسنت فيه العلاقات بين القاهرة والحركة.
يذكر أن هذه النوعية من الأحكام يلعب فيها دفاع الحكومة دورا مهما، ففي حالة حماس قامت جهات رسمية عدة بالاستشكال القانوني على إدراج حماس كمنظمة إرهابية، استنادا إلى المصلحة الوطنية، وتم تقديم مستندات تثبت هذه المصلحة.
ويؤدي تباين آراء القانونيين حول المصير النهائي الذي سوف تستقر عليه اتفاقية تعيين الحدود البحرية إلى المزيد من الجدل، خاصة أن بعض قوى المعارضة اتخذت من قضية تيران وصنافير ذريعة لتوجيه انتقادات سياسية لاذعة إلى الحكومة المصرية، وخرجت مظاهرات تندد باتفاقية تعيين الحدود مع السعودية.
وقال قانونيون لـ“العرب” إن الحكم ينطوي على أهمية كبيرة، لأنه يؤثر بقوة على المسار القانوني والسياسي للقضية، وأشار صلاح الدين فوزي، عضو لجنة الإصلاح التشريعي في مصر، إلى أن الحكم الصادر يأتي وفقاً لقواعد الاختصاص المقررة للمحكمة صاحبة الحكم، إذ أنها تختص بإشكالات تنفيذ القرارات الإدارية، في حين أن قانون مجلس الدولة الذي صدر بمقتضاه حكم إيقاف تنفيذ الاتفاقية لا يختص بمناقشة تلك الإشكالات وينحصر دوره على تنفيذ القرار من عدمه.
وأضاف في تصريحات لـ“العرب”، أن حكم القضاء الإداري السابق في تلك الحالة يعد موقوف التنفيذ ومن ثم فإن التوقيع على الاتفاقية وإحالتها إلى البرلمان يعد أمراً صحيحاً من الناحية القانونية، لافتا إلى أن التناقض في الأحكام يعطي حقاً قانونياً للمحكمة الدستورية في تحديد مصير الاتفاقية، ولا يوقف حق البرلمان في اتخاذ الإجراءات الدستورية حيالها.
العرب اللندنية