لندن – عادت دول ومنظمات غربية إلى محاولة توظيف قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان كأداة ضغط على دول خليجية وعربية بعد اتضاح الفشل الكبير لمشروع “الربيع العربي” والذي دفع بالمنطقة إلى حروب أهلية وفوضى غير مسبوقة تاريخيا.
وتحاول منظمات وأحزاب غربية أن تقدم نفسها في ثوب المطالب بالإفراج عن نشطاء يحظى أغلبهم بدعم سياسي خارجي، لكنهم لا يمثلون في الداخل ثقلا شعبيا أو سياسيا يذكر.
وتحول نشطاء في الإمارات والسعودية ومصر إلى أوراق ضغط من قبل حكومات في دول أوروبية وبريطانيا والولايات المتحدة، خصوصا خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
كما وظف حزب العمال البريطاني المعارض تماهي رؤيته المعادية للخليج، مع بيانات متتابعة دأبت منظمات غير حكومية فيها على إدراج مبالغات ومعلومات خاطئة أحيانا، ضمن حملات واسعة استهدفت أنظمة عربية تقليدية في دول تحظى باستقرار نسبي.
ومثلت قضية الناشط أحمد منصور آخر حلقة في سلسلة “ما بعد الربيع العربي” التي تحاول فيها بعض المنظمات، مثل منظمة العفو الدولية، إعادة الزخم الذي أدى إلى فوضى المنطقة.
وتتهم نيابة جرائم المعلومات في الإمارات منصور بـ”الترويج لمعلومات كاذبة ومضللة عبر الإنترنت، من خلال أجندات تهدف إلى نشر الكراهية والطائفية”.
ودخلت مواقع وأعضاء في تنظيم الإخوان المسلمين على الخط للدفاع عن منصور الذي أمرت النيابة بحبسه احتياطيا على ذمة التحقيق، وأطلقوا حملة منسقة للإفراج عنه.
وتشبه الحملات للإفراج عن منصور حملة عالمية للإفراج عن الناشط رائف بدوي في السعودية.
وقالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي تقوم بزيارة إلى السعودية الثلاثاء، إنها ستثير “قضايا صعبة” مع زعماء السعودية بعدما دعاها منتقدون في الداخل إلى الضغط على الرياض في ما يتعلق بحربها في اليمن وسجلها في مجال حقوق الإنسان.
وقالت ماي التي أطلقت حملة دبلوماسية لتأمين اتفاقات تجارية بعد بدء محادثات الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، إنها ستدافع عن حقوق الإنسان ومصالح بلادها خلال محادثاتها في المملكة.
وملف حقوق الإنسان هو ورقة “الجوكر” التي تحمل وجهين متناقضين في السياسة الغربية. فماي التي تتزعم حزب المحافظين (يمين الوسط)، خاضعة لضغوط اليسار الراديكالي المعادي للخليج والمناصر لإيران خصوصا.
ولم يختلف الوضع في دول أخرى مثل فرنسا رغم المعادلة السياسية المعاكسة للحكم في بريطانيا، إذ يضغط اليمين الشعبوي على الرئيس اليساري الاشتراكي فرنسوا هولاند من أجل إثارة قضية حقوق الإنسان في دول عربية عدة.
وتراجعت كثيرا في المقابل انتقادات لاذعة كانت تستهدف سجلا دمويا لحقوق الإنسان في إيران. وعلى العكس من ذلك باتت إيران تحظى بدعم كل من اليساريين والشعبويين الأوروبيين على حد سواء.
ويعني هذا الدعم بقاء ملف حقوق الإنسان كورقة سياسية يمكن توظيفها في أي وقت من أجل تحقيق مكاسب محددة.
وشهد حكم أوباما فترة قاتمة في تاريخ العلاقات المصرية الأميركية، إذ دأبت الإدارة السابقة على إثارة ملف النشطاء والتمويل الأجنبي.
ووصلت العلاقات بين الجانبين إلى منعطف خطير بعدما أطاح الجيش بالإخوان المسلمين من الحكم، وتم اعتقال المئات من المنتمين إلى الجماعة التي تصنف كتنظيم إرهابي في مصر والسعودية والإمارات.
ومن بين الانتقادات التقليدية التي تواجهها السعودية “قيادة المرأة للسيارة”، بجانب حقوق المثليين والملحدين وحقوق إقامة علاقات خاصة خارج الزواج.
وقال دبلوماسي مصري لـ”العرب” إن “الغرب يبدو مصرا على فرض قيم لا تتماشى مع ثقافتنا في المنطقة، هم يعرفون أننا لن نقبل بالكثير مما يحاولون فرضه علينا من مبادئ، وأن المجتمعات العربية غير مستعدة أيضا للتعايش معها”.
وأضاف “لكنهم يستثمرون هذه المبادئ كأوراق يمكن اعتمادها للضغط علينا من أجل تحقيق مصالح سياسية”.
العرب اللندنية