تتطلع بريطانيا إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع دول المنطقة العربية بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) وبروزها منافسا لدول الاتحاد، وهو ما بدا جليا حسب مراقبين بعد زيارة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى الأردن ثم السعودية.
في هذا السياق، يقول رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي زهير الحارثي إن “التنسيق الخليجي البريطاني جاء ليسد فراغ الدور الأميركي الذي ابتعد عن المنطقة وأحداثها على الأقل حتى الآن”.
وفاجأت ماي -التي سبق أن أشادت بدور السعودية الاستخباراتي في إحباط عمليات إرهابية في بريطانيا- الكثيرين بمواقف بلادها الواضحة إزاء دول الخليج العربي واهتمامها حيال التهديد الذي تمثله إيران لهذه الدول.
ويرى مراقبون أن هذا المناخ دفع لتشكل توازن أمني في منطقة الخليج واقتسام للنفوذ بين الدول الكبرى، ولا سيما بعودة الروس من خلال قاعدتهم في سوريا وتواجد الأميركان في الخليج والعراق، وتعزيز حضور البريطانيين في الخليج.
ترجح الكفة
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور شافي الدامر أن بريطانيا ترجح كفة علاقاتها بالدول العربية ولا سيما الخليجية على حساب العلاقات مع دول أخرى.
ويرى في حديثه للجزيرة نت أن “السعودية تعتبر بمثابة الثقل الحقيقي بالنسبة للسياسة البريطانية تجاه المنطقة”.
من جهته يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور وحيد حمزة إن حل المشاكل المستعصية في المنطقة في طليعة المصالح الاستراتيجية القومية البريطانية، معتبرا أن السعودية والأردن بمقدمة دول المنطقة القادرة على تحقيق ذلك التعاون.
ويأتي ملف مكافحة الإرهاب من أهم الملفات التي طرحت في لقاء ماي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف، ولا سيما بعد هجوم لندن الأخير الذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية.
ويقول حمزة إن في أولويات التعاون الثنائي “مشاركة المعلومات الاستخباراتية عن مواقع خلايا الإرهابيين النائمة وأهدافهم المتوقعة”.
تاريخ واقتصاد
وعن دور العلاقات التاريخية في الاستراتيجية البريطانية الحالية تجاه المنطقة، يشير الدامر إلى أنه لا يزال يسود اعتقاد لدى الساسة “الكلاسيكيين” في لندن بأن بريطانيا من أكثر الدول فهما وتفهما لدول المشرق العربي، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فتح الباب على مصراعيه لهذه المدرسة المطالبة بتكريس العلاقات مع دول المنطقة.
في السياق يقول أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عبد الله الصيفي العساف إن “بريطانيا هي المطبخ السياسي الذي لا يستغني عنه العالم في معرفة تعقيدات المنطقة وحلولها بحكم خبرتها الطويلة في العالم العربي”.
ومساء الثلاثاء، قالت ماي في بيان إنها تتطلع إلى الاستفادة من “الإمكانات الضخمة للاستثمارات السعودية لخلق زخم قوي للاقتصاد البريطاني”
والتقت ماي بعدد من أبرز المسؤولين السعوديين الماليين في مقر البورصة السعودية، كما التقت بعدها وزير الطاقة السعودي خالد الفالح وبحثا سبل ومجالات التعاون الاقتصادي والصناعي.
ويرى خبراء اقتصاد سعوديون أن الزيارة تأتي في توقيت ملائم بعد أن وضعت ماي التصورات مع حكومتها لمستقبل بريطانيا بعد “بريكسيت” وإطلاق السعودية لرؤيتها التنموية 2030.
ليست مصادفة
ويعتبر الخبير الاقتصادي خالد الحارثي أن ماي تحمل في جعبتها الكثير الذي يناسب المرحلة في البلدين، قائلا إنها “ليست مصادفة أن يرافق ماي في الزيارة رئيس بورصة لندن كزافييه روليه”.
ويعتقد الحارثي أن ذلك يخدم مصالح الطرفين في اكتتاب شركة “أرامكو” الذي يعد أمرا حيويا ومهما، ويتعلق بمصالح شركات نفط كبرى مثل “بي بي” و”أرامكو” وتوليه المملكة اهتماما كبيرا.
ويقدر حجم التبادل التجاري بين السعودية وبريطانيا بسبعة مليارات جنيه إسترليني وفقا لبيانات مجلس الأعمال السعودي البريطاني.
يذكر أنه أثناء زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الشهر الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن دعمه لتطوير برنامج أميركي سعودي تتجاوز قيمته 200 مليار دولار في السنوات الأربع القادمة.
المصدر : الجزيرة