الخرطوم – لا تفوّت تركيا أيّ فرصة للتسلل إلى المنظمات الإسلامية ومحاولة تجييرها لخدمة أجندتها وإظهار نفسها كدولة راعية لجهود تطوير آليات العمل الإسلامي مستفيدة من تراجع دول إسلامية مركزية كانت تتزعم تلك المنظمات.
وعكس الدور التركي في فعاليات قمة “الشباب المسلم” التي أقرتها القمة الماضية لمنظمة المؤتمر الإسلامي في إسطنبول رغبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ملء الفراغ الذي تركته دول مثل السعودية ومصر، وكذلك في ظل تراجع دور الأزهر في السيطرة على المنظمات الإسلامية.
وانطلقت السبت في الخرطوم أعمال مؤتمر قمة “الشباب المسلم” بمشاركة 150 شخصا يمثلون 120 دولة لمناقشة أوراق علمية متخصصة تحت شعار “استراتيجية الشباب لبناء المنعة والعدالة” على مدار يومين.
وتشرف على المؤتمر جامعة “أفريقيا العالمية” بالتعاون مع المركز التركي الآسيوي للدراسات الاستراتيجية وهو مركز قريب من صناعة القرار في أنقرة، ما يمنح المؤتمر بعدا يتجاوز الحدود الأكاديمية.
وقال متابعون لاجتماعات المنظمات الإسلامية إن تركيا وبعد أن فشلت في استثمار ورقة الجماعات الإخوانية تحاول أن تتسلّل للمنظمات الإسلامية الرسمية وتسيطر عليها وتكيفها لفائدتها ولتبدو كقائد للدول الإسلامية في استعادة للدور الذي كانت تلعبه زمن الخلافة العثمانية وتحقق لأردوغان حلمه بأن يكون سلطانا جديدا.
ومن الواضح أن أنقرة تتجه لإعادة تقييم علاقتها بجماعات الإسلام السياسي العربية التي صارت ورقة محروقة خاصة مع توجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحظر جماعة الإخوان المسلمين وتأكيده الاعتماد على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شريكا رئيسيا في التحالف الأميركي الإسلامي لتطويق إيران.
وقد تجد تركيا نفسها مجبرة على التقرب من السيسي وتتخلى لأجل ذلك عن ورقة الإخوان وتطالبهم بالبحث عن مقر جديد لهم بعيدا عن الأراضي التركية.
وقال مراقبون إن بعض الدول التي تجد حساسية في مناقشة بعض القضايا بصراحة تتجه إلى التطرق إليها عبر مؤتمرات علمية للتغلب على عقبات سياسية مكشوفة، لكن تظل الرعاية حاضرة والدليل أن الجامعة السودانية والمركز التركي على علاقة بجهات رسمية في كل من الخرطوم وأنقرة.
وقال مدير جامعة “أفريقيا العالمية” كمال عبيد إن “بعض الجهات توجه أصابع الاتهام إلى الإسلام جوراً وبهتاناً، وعلى الجامعات والمراكز المتخصصة الاضطلاع بدورها لتصحيح الصورة”.
وأوضح مدير المركز التركي الآسيوي للدراسات سليمان صنصوي أن “العالم يتغير بشكل كبير وهناك أزمة في التنمية ومصادر الإنتاج والاستهلاك والطاقة”.
ووضع المتابعون المؤتمر العلمي في سياق سياسي أكبر لأن غالبية الشخصيات المشاركة من الجانبين لها توجهات إسلامية تتسم بالاعتدال الظاهر وتتسق مع القناعات الجديدة للسودان وتركيا في سياق توجههما لقطع العلاقة مع جماعات الإسلام السياسي، وهو ما يوجه رسالة لقوى غربية بأنه لا يزال هناك من يمثلون هذا التيار لكبح المتطرفين.
وقال المتابعون إن الخرطوم تريد أن تعزز علاقتها مع أنقرة وتؤكد قطيعتها لطهران، بعد أن أغلقت جميع المراكز الثقافية الشيعية في السودان منذ عامين.
وتسعى الخرطوم، أيضا، إلى التلميح لعدم انفصالها عن الهم الإسلامي، وفرملة الانتقادات التي وجهت لها مؤخرا بأنها على استعداد للتضحية بمواقفها الداعمة للإسلاميين بمن فيهم أصحاب الميول المعتدلة، وذلك لاعتبارات داخلية.
ولا يريد حزب المؤتمر الوطني الحاكم ترك هذه الساحة لغريمه حزب المؤتمر الشعبي، الذي عقد مؤتمرا نهاية الشهر الماضي جمع فيه قيادات ورموزا إسلامية من خمسين دولة في محاولة لسحب البساط من البشير وتصويره على أنه تخلى عن الحركة الإسلامية التي أوصلته إلى الحكم.
العرب اللندنية