وهذا بالضبط ما وسم الدبلوماسية السورية منذ أدارت ظهرها للشعب السوري، ورفضت
التعاطي معه، منذ منتصف العام 2011، واختارت اللجوء إلى السلاح حلاً وحيداً للرد على مطالب الشعب في الحرية والكرامة، ورفعت شعارها الغبي “الأسد أو نحرق البلد”. وعلى ذلك، جاء طلب هذه الدبلوماسية من الأجنبي الطامع إنقاذ فشلها وإفلاسها الكليين، بعد أن ارتكبت ما ارتكبته بحق الشعب السوري من جرائم قتل وتهجير وتدمير للبنى التحتية. وهكذا جعلت الدبلوماسية السورية من بلادها مسرحاً للصراعات الدولية، رغبة منها في إطالة عمر نظامها الاستبدادي. ويمكن القول: إنّها نجحت جزئياً، وإنْ على حساب تدمير الوطن وأهله.
أما غباء هذه الدبلوماسية فيما نعنيه اليوم، فقد تجلّى بأوضح صوره في جريمة الكيماوي أخيراً، فما أن سمع النظام السوري أنَّ نوعاً من التغيير في الموقف الأميركي تجاه شكل الحل السياسي لا يشترط بقاء رأس النظام أو ذهابه، حتى عاد متمادياً في عنجهيته، ليستخدم ضد شعبه في خان شيخون غاز السارين المفترض أن يكون قد سلّمه، مع ما سلَّم من سلاح كيماوي، بضمانة حلفائه الروس لدى استخدامه في الغوطة الشرقية، عام 2013 وقتل أكثر من ألف إنسان، معظمهم من الأطفال. وكان تسليمه، في ذلك الوقت وفي الدرجة الأولى، نوعاً من طمأنة للإسرائيليين بالذات، الأعداء التقليديين المزعومين للنظام ولحزب البعث (الحاكم) وكذلك للمطبلين الآخرين: إيران وحزب الله، وكأنّما أراد النظام أن يقول للملأ متباهياً: “أميركا معي أنا، وأنا وإياها على الإرهاب”. نعم، هكذا أراد القول، وبالصفاقة كلِّها، وإن شئت بـ “الذكاء” كله.
لكن أميركا، وتحديداً رئيسها، دونالد ترامب، الذي وقع في حرج واضح أمام الصقور
الأميركيين، وخصوصاً في حزبه الجمهوري، وجدها فرصةً مناسبة ليضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، منها أنّه غير باراك أوباما تماماً، ومنها أيضاً الضغط على أطراف جنيف للدخول في مفاوضات جدية، يكون لأميركا دور رئيس فيها بعد فشل الروس، أو إفشالهم لها ومماطلتهم على مدى خمس سنوات، لغايةٍ في نفس يعقوب، ولعلهم أرادوا الإجهاز على ما تبقى في سورية من بشر وبنيان، ما يمكِّن لهم أكثر فأكثر، ولعلهم فقدوا قدرة الضغط على حليفهم “الحريص” جداً على أمرين: “السيادة الوطنية ومحاربة الإرهاب”.
ولعلَّ في مقدمة إصابات ذلك الحجر، إعلاء الرئيس ترامب الراية الأميركية وإعطاءها الأولوية، وإعادة الاعتبار للعظمة الأميركية، كما وعد في برنامجه الانتخابي، وبالتالي، إرضاء أو إسكات كلّ الأصوات الأميركية التي نالت منه على نحوٍ أو آخر، وبالغت في الحديث عن علاقته مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، إذ تضمنت ضربة الشعيرات رسالة ما إلى “صديقه” القيصر الذي يتنطع لقيادة العالم، بعد أن ضرب هو الآخر ضربتين قويتين، في أوكرانيا ثم في سورية.