رغم التعافي النسبي في أسعار النفط، إلا أن شركات النفط الكبرى تواجه معضلة بشأن السرعة التي يجب أن تسعى بها لتعويض النقص في الاحتياطيات.
السؤال المتجدد الذي يواجهه قطاع النفط المرتبط بالدورة الاقتصادية هو: هل ينبغي السير بخطى سريعة للغاية والمخاطرة بإنفاق أموال طائلة مقابل عائد قليل، أم التحرك ببطء شديد للغاية ويصبح المنافسون في وضع أفضل للاستحواذ على حصة سوقية إذا ارتفعت أسعار النفط؟
وتظهر بيانات جديدة كشف عنها تحليل أجرته رويترز أن احتياطيات النفط والغاز لدى شركات النفط الكبرى هبطت هبوطا حادا.
وانخفض عمر الاحتياطي الذي يمكن للشركة خلاله إبقاء الإنتاج مستقرا لدى اكسون موبيل وشل وتوتال وشتات أويل، بينما سجلت بي.بي وإيني الإيطالية زيادة طفيفة.
وفي حالة اكسون موبيل، أكبر شركة نفط مدرجة في العالم، انخفض عمر الاحتياطي في عام 2016 إلى 13 عاما، وهو الأدنى منذ 1997 بعدما شطبت الشركة أصول الرمال النفطية في كندا.
وبلغ عمر احتياطي شل أدنى مستوى منذ عام 2008، رغم أنها اشترت منافستها بي.جي العام الماضي.
كان تراجع احتياطيات النفط في السابق يدق ناقوس الخطر، لكن الشركات باتت حذرة في الإنفاق وتركز على حماية العوائد
وفي الماضي، كان من الممكن أن يدق هذا الاتجاه ناقوس الخطر لدى المستثمرين، لكن مع تركيز المستثمرين على عوائد السهم في السوق، باتت لديهم نصيحة واضحة “كن حذرا ولا تسرف في الإنفاق”.
ويقول المستثمرون إن هذا يرجع إلى أن زيادة إنتاج النفط الصخري ونمو الطاقة المتجددة يفرضان على الشركات تجنب تخزين كميات من النفط تحت الأرض مثلما كانت تفعل في الماضي.
ويرى روهان ميرفي محلل الطاقة لدى أليانز غلوبل انفستورز، التي تمتلك أسهما في شل وتوتال وشتات أويل، أن عمر الاحتياطي الذي يتراوح بين ثماني وعشر سنوات هو “مستوى جيد جدا”.
وأكد “أن عمر الاحتياطي لدى هذه الشركات يجب أن يزيد كثيرا على 10 سنوات، خاصة حين نسعى للتعاطي مع ما سيكون عليه الطلب خلال 10 سنوات”.
وأكد أن الاتجاه العالمي للتحول من استخدام الوقود الأحفوري إلى الطاقات المتجددة في العقود القادمة سيقلل الحاجة أكثر إلى عمر احتياطي أطول.
ويتعارض هذا كثيرا مع اتجاه التركيز على إمدادات المعروض، والذي ساد قبل عشر سنوات فقط حين كان المستثمرون يتطلعون بلهفة إلى الأخبار المتعلقة بإحلال احتياطي شركات النفط الكبرى.
وعلى مدى العقد الأخير تغير العالم كثيرا، حتى أن السعودية تخطط حاليا لإدراج شركتها الوطنية الرائدة أرامكو في خطوة تعتبرها السوق محاولة للاستفادة من الاحتياطيات الهائلة التي تملكها البلاد قبل ارتفاع الطلب إلى ذروته.
وشركات النفط ملزمة بإعلان احتياطياتها سنويا بناء على متوسط سنوي لسعر النفط. ومع متوسط يبلغ نحو 44 دولارا للبرميل في 2016، وهو الأدنى في أكثر من عشر سنوات، اضطرت الشركات للتخلي عن احتياطيات المشروعات المرتفعة التكلفة.
ويقول جوناثان واغهورن المدير المشارك لصندوق الطاقة لدى جينيس أسيت مانجمنت، التي تمتلك أسهما في عدد من شركات النفط الكبرى، إن انخفاض الاحتياطيات ليس شاغله الشاغل في الوقت الحالي.
وأضاف أن “التركيز ينصب على خفض التكاليف والإنفاق في حدود التدفقات النقدية (المتاحة) كي يستطيعون البقاء في المستقبل”.
ولتعويض الانكماش، يقول مارتين راتس المحلل لدى مورغان ستانلي إن الشركات بإمكانها أن تختار الاستحواذ على شركات نفط أخرى أو توقيع اتفاقات لتقاسم الإنتاج مع دول تملك احتياطيات كبيرة مثلما فعلت بي.بي مع أبوظبي العام الماضي.
واستفادت الشركات أيضا من مسار شراء مساحات للتنقيب في المستقبل مثل استثمار توتال في البرازيل وأوغندا وشراء بي.بي حصة في حقل ظُهر المصري الذي تملكه إيني.
وبحسب ميرفي فإن “أسعار شراء احتياطيات أو العثور عليها بنفسك لم تكن أرخص من ذلك قط… السوق مناسبة جدا للشراء إذا كنت ترغب في إحلال الاحتياطيات”.
ولا يرجع انخفاض الاحتياطيات إلى هبوط أسعار النفط فحسب، بل كذلك لأن الشركات خفضت الإنفاق بقوة في السنوات الأخيرة لتتخلى عن الكثير من مشروعات التطوير المكلفة والواسعة النطاق.
وقال كيريل بشكين لدى ميرابود الذي تتضمن محفظته شركة شل “ربما نبدأ في رؤية تأثير التخفيضات الكبيرة في النفقات الرأسمالية. باتت سوق النفط تعاني من نقص متزايد في إمدادات المعروض وهو ما يجب أن يحرك سعر النفط صعودا”.
وأكد بير ماغنوس نيسفين رئيس قسم التحليلات لدى ريستاد انرجي للاستشارات ومقرها أوسلو إنه في العام الماضي جرى اكتشاف عشرة ملايين برميل من النفط، ما يمثل نحو ثلث الاستهلاك العالمي.
وحققت شركات النفط الكبرى عددا قليلا من الاكتشافات الكبيرة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك حقل ظهر وحقل ليزا التابع لإكسون في غويانا وكشف تورتو الذي حققته بي.بي في غرب موريتانيا والسنغال.
ويرى نيسفين أن أقل من ملياري برميل من النفط اكتشفتها شركات النفط الكبرى سنويا منذ عام 2010 وأن معظم هذه الكمية في حقول قائمة.
العرب اللندنية