طهران – عكست تصريحات إبراهيم رئيسي، مرشح المتشددين في إيران والذي يتوقع أن يفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة، وجود قناعة لدى المحافظين الذين يسيطرون على أبرز المؤسسات بأن من مصلحة إيران الانكفاء إلى قضاياها الداخلية والتوقف عن استراتيجية “تصدير الثورة” التي جلبت الكثير من الأعداء لطهران.
وأعلن رئيسي عزمه “التواصل مع كل الدول شرط الاحترام المتبادل” مع كافة دول العالم باستثناء ما أسماه “الصهيونية”، وهو تصريح اعتبره مراقبون رغبة من المتشددين في التهدئة مع الولايات المتحدة ودول الخليج، والسعي لامتصاص حالة التعبئة ضد إيران والتي ينتظر أن تقوى مع تشكيل تحالف عربي أميركي لوقف التمدد الإيراني في مختلف الملفات الإقليمية.
وأكد مرشح المتشددين أنّ القوى الأجنبية في سوريا ستشكل دائما مشكلة وليست حلا، وأن الحل يجب أن يكون من قبل السوريين، مشددا على أنّ القوى الأجنبية لم تحلّ أيّ مشكلة من المشكلات التي تعاني منها سوريا.
واعتبر المراقبون أن هذا التصريح فيه اعتراف بأن الملف السوري خرج من يد إيران التي فتح تدخلها لدعم بقاء الرئيس السوري بشار الأسد الطريق أمام التدخلات الإقليمية والدولية في الأزمة السورية.
وأضافوا أن هذا الاعتراف يعكس قناعة بأن تدخل إيران في سوريا وبقية ملفات المنطقة زاد من مشاكلات إيران بدل أن يوسّع من دائرة نفوذها، مرجّحين أن تكون تصريحات رئيسى تعبيرا عن مزاج عام داخل التيار المتشدد يعترف بالعجز عن استثمار الأزمات الإقليمية لخدمة أجندة طهران.
ويعتقد على نطاق واسع أن المرشحين للرئاسة، وعلى عكس سابقيهم، سيعملون على بعث رسالة تهدئة مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والاستمرار بخطاب التهدئة مع دول الخليج، وخاصة مع السعودية للحيلولة دون استدراج إيران إلى مواجهة عسكرية قد لا تكون لصالحها.
وبدا المرشح الأكثر حظوظا للفوز بالانتخابات الرئاسية في إيران، المقررة الشهر المقبل، مهتما بمعالجة الأزمات الداخلية المعقدة أكثر من الاستمرار بخيار تصدير الثورة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد.
وخلال بيان نشره على موقعه الرسمي، أعلن رئيسي أنه “لا يمكننا حلّ المشكلات التي تواجه البلاد؛ مثل الركود والبطالة والعقبات التي تعرقل نشاط الشركات الإيرانية، إلا من خلال إحداث تغيير جذري في صلب النظام”.
ويتخوف العديد من المحللين والدبلوماسيين من أن يؤدي فوز مرشح المحافظين بالانتخابات الرئاسية إلى إضعاف سياسة الانفتاح التي أنجزها الرئيس الحالي حسن روحاني.
ويعتبر بعض المحللين أن رئيسي مقرّب جدا من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وهذا يعني أن سياسته سيطغى عليها الارتياب إزاء الغرب.
وقال المحلل الإيراني في مجموعة الأزمات الدولية علي فائز إن رئيسي “ليست لديه خبرة في السياسة الخارجية، لذلك من المتوقع خلال الفترة الأولى على الأقل أن يواصل سياسة دعم الاتفاق النووي ولوم الولايات المتحدة على أيّ خلل في تنفيذه”.
ومن غير المرجح أن يعمد مرشح المتشددين إلى تليين القيود الاجتماعية أو أن يطلق سراح الشخصيات التي عارضت إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد عام 2009 والذين لا يزالون قيد الإقامة الجبرية”.
وقال رئيسي في تصريح له يعود إلى العام 2014 “على الذين يتعاطفون مع زعماء الفتنة أن يفهموا أن الأمة الإيرانية العظيمة لن تصفح أبدا عمّا قاموا به”.
وما يؤكد قربه من المرشد الأعلى أن خامنئي عيّنه عام 2016 سادن العتبة الرضوية المقدسة وهي مؤسسة مقرها في مشهد حيث يوجد ضريح الإمام الرضا ثامن الأئمة المعصومين.
وبدأت وسائل الإعلام تلقبه بآية الله منذ فترة وهي رتبة دينية شيعية عالية، كما أنه عضو رئاسة مجلس الخبراء المكلف بتسمية المرشد وإقالته في حال دعت الحاجة. ويعتبر البعض أن رئيسي يطمح إلى خلافة خامنئي.
ويتساءل المحللون لماذا قدم رئيسي ترشيحه لرئاسة البلاد إذا كان يطمح إلى تسلّم منصب المرشد الأعلى.
وقال دبلوماسي غربي رافضا الكشف عن اسمه “في حال خسر الانتخابات سيتلقى ضربة قوية ما يشكل مجازفة كبيرة من قبله، كما أن جميع الرؤساء في مراحل معينة تعرضوا لانتقادات من قبل المرشد الأعلى”.
إلا أن رئاسة البلاد يمكن أيضا أن تعطيه دفعا لتسلم المنصب الأعلى كما حصل مع علي خامنئي الذي أصبح المرشد الأعلى عام 1989 بعد توليه الرئاسة.
وحاول رئيسي التمايز عن كل التشكيلات السياسية عندما قال بأنه “مرشح جميع الإيرانيين”، مشددا على ضرورة الاهتمام بالطبقات المحرومة خصوصا عبر استحداث وظائف في الوقت الذي وصلت فيه نسبة البطالة إلى 12.4 بالمئة من السكان.
وقال حامد رضا طرقي العضو في الحزب المحافظ “الائتلاف الإسلامي” إن “رئيسي يعيش حياة متواضعة ويهتمّ بالفقراء والطبقات المحرومة بخلاف روحاني الذي يبدو أرستقراطيا مقارنة به”.
العرب اللندنية