القاهرة – يربط محللون نجاح الحكومة المصرية في مهمة تجديد الخطاب الديني بقدرتها على مواجهة التيار السلفي، إلا أنهم أكدوا أن المعركة بين الطرفين تظل مؤجلة حتى إشعار آخر رغم غضب الأقباط المتصاعد.
يأتي ذلك في وقت يضاعف التيار السلفي من الضغوط الواقعة على النظام الحاكم الذي يسعى إلى تحسين العلاقة مع الأقباط بعد استهداف كنيستين مؤخرًا، ومع تصعيد البعض من رموز السلفية لهجة الهجوم على المسيحيين وبلوغ الأمر حد تكفيرهم وتحريم مصافحتهم بالتزامن مع أعيادهم حاليًا.
ويبدو الخطاب الرسمي المصري وكأنه يسير في الاتجاه المعاكس لما يحدث على الأرض بشأن إحداث تغيير جذري في مسألة تجديد الخطاب الديني وترسيخ ثقافة قبول الآخر، خاصة وأن التيار السلفي يصرّ على إظهار العداء للأقباط واستباحة استهدافهم.
ولم يستنكر السلفيون، الحادثين اللذين استهدفا كنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية الأسبوع الماضي، وأسفرا عن مقتل 45 شخصا، بينهم 7 من رجال الشرطة وباقي الضحايا من الأقباط.
وشدد متابعون على أن أيّ حراك رسمي نحو وضع استراتيجية لتجديد الخطاب الديني، حتى لو كان ذلك بتشكيل مجلس أعلى مختص بمكافحة التطرف والإرهاب بعيدًا عن تهيئة البيئة الدينية وتنقيحها من التيارات المتشددة، لن يجدي نفعًا.
وقالوا إن إصرار الحكومة على ترك التيار السلفي يتمدد تجاه كل ما هو غير إسلامي ولا يتماشى مع أفكاره يثير غضب الأقباط في ظل العداء العلني لهم من جانب البعض من شيوخ السلفية، وعلى رأسهم ياسر برهامي نائب رئيس الدعوة السلفية.
وكان لافتًا دفاع وزارة الأوقاف المصرية، مساء الجمعة، عن برهامي ووصفه بأنه “خطيب جيد” ولا يخرج عن النص خلال خطب الجمعة التي يلقيها.
وأثار هذا الدفاع العديد من علامات الاستفهام من جانب ناشطين أقباط ومثقفين حول السر وراء هذه الحماية المقدمة من جانب المؤسسة الدينية المنوط بها حماية المساجد من اعتلاء المتشددين لمنابرها.
ومثّل الدفاع عن أحد أقطاب السلفيين البارزين (برهامي) من جانب مؤسسة دينية بقيمة وزارة الأوقاف صدمة لمثقفين وليبراليين ينظرون إلى الفكر السلفي على أنه “المُحلل” للأعمال الإرهابية التي تستهدف أقباط مصر.
واعترف إرهابيون، ومنهم عادل حبارة الذي حُكم عليه بالإعدام ونُفّذ فيه، بأنهم تتلمذوا على يد سلفيين، حتى أن أسرة الانتحاري الذي فجّر نفسه في الكنيسة البطرسية وسط القاهرة في ديسمبر الماضي أكدت أنه تلقى ما يسمى بـ”العلم الشرعي” على يد شيوخ سلفيين مشاهير بمحافظة الفيوم.
الأزهر سمح باستمرار وجود نصوص وتفسيرات إسلامية دون تحديثها، وهي نصوص وتفسيرات يحتمي بها المتشددون من التيار السلفي.
وأكد مختصون بالشأن الديني في مصر أن على الحكومة أن تتخذ خطوات واضحة وصريحة لتحجيم السلفيين لإظهار الجدية في مواجهة المتشددين والتخلص من أصحاب الأفكار المتطرفة إذا كانت تريد تجديد الخطاب الديني.
غير أن البعض شككوا في إمكانية أن تخطو الحكومة تلك الخطوة، على الأقل خلال الفترة الحالية، وقالوا إنها تخشى التصعيد ما قد يدفع السلفيين للانتقام لتجد الدولة نفسها في مواجهة مع أكثر من تيار ديني واحد في نفس الوقت.
وأوضح باحثون لـ”العرب” أن التيار السلفي يستمد قوته من اعتبار نفسه أحد الركائز الأساسية التي بنى عليها النظام الحالي شرعيته إبان ثورة 30 يونيو 2013 ومشاركتهم في وضع خارطة الطريق التي أنهت حكم جماعة الإخوان.
وأضافوا أن بعض شيوخ السلفية لديهم شعور بأنهم شركاء في الحكم، وبالتالي فإن تفكيك هذه القوة في حاجة إلى إرادة سياسية قوية قبل أن تتنامى ويصل بعناصرها الغرور إلى حد تنصيب أنفسهم بدلاء عن الأزهر.
وما يزيد هذه المخاوف أن الحكومة لا تظهر الامتعاض والتبرم من السلفيين بنفس القدر الذي تتعامل به مع الأزهر.
وفسّر متابعون ذلك بأن الأزهر هو من سمح بأن يستمر وجود نصوص وتفسيرات إسلامية دون تحديثها أو إلغائها بدعوى تجنب هدم التراث، وهي نصوص وتفسيرات يحتمي بها المتشددون من التيار السلفي في طرح رؤاهم وأفكارهم المعادية لبيئة المواطنة وتقبل الآخر.
ورأى الباحث في شؤون التيارات الدينية أحمد عامر أن المعركة مع السلفيين قادمة لا محالة، لكنها مؤجلة لحين تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة التطرف الذي غالبًا سيحلّ مكان الأزهر في تنقيح التفسيرات ونصوص التراث التي شكّلت وجدان السلفيين.
وأضاف لـ”العرب” أن الحكومة أصبحت في ورطة، فهي إما أن تختار الحفاظ على شعبية النظام عند الأقباط بالتخلص من التيار السلفي أو أن تتجنب الاتهام العربي والإقليمي بإقصاء الإسلاميين من المشهد وتبقيهم في الصورة، وهذا ما يلعب عليه السلفيون ويتحامون فيه.
ويتركز النفوذ السلفي في المناطق الريفية والشعبية من خلال جمعيات أنصار السنة المحمدية والجمعيات الشرعية بالمساجد والتي تقدم الخدمات والمعونات.
وذكر القيادي السابق في جماعة الإخوان ثروت الخرباوي أن القضاء على التيار السلفي يتطلب السيطرة على المجال الديني، من خلال مؤسسات رسمية قوية تستطيع أن تجد لنفسها مكانًا عند مختلف فئات المجتمع لقطع الطريق على التيارات الدينية الموازية.
وقال لـ “العرب” إن “شيوخ السلفية المتشددون يستقطبون الشباب ويغذون أفكارهم لتكون معادية لكل ما هو غير إسلامي، ثم يستقطب الإخوان هؤلاء الشباب إلى معسكرهم المعادي للنظام، وبالتالي فالسلفية هي من تربّي إرهابيي الإخوان”.
العبر اللندنية