جاءت الضربة الأميركية للمطار بحمص رداً على الضربات الكيماوية بـ«خان شيخون» بجوار إدلب، لتغيّر في مسار النزاع المحلي- الإقليمي، ولتحوله إلى قضيةٍ عالمية. ويزعم الخبراء الاستراتيجيون الآن أنّ استعمال الكيماوي من جانب طيران النظام كان بالتنسيق مع الروس وربما مع الإيرانيين، لأنّ الأطراف الثلاثة أرادت اختبار ردّة فعل الرئيس الأميركي الجديد، وهل ستُشابه ردّة فعل أوباما عام 2013 أم تختلف(؟). وهذا ممكن لكنه غير مرجَّح، لأنّ الأميركيين كانوا قد صرّحوا بعدة ألْسنة أنهم لا يعتبرون إسقاط الأسد، أو تغيير النظام أَولوية، وإنما يريدون من روسيا أن تكون جادّةً أكثر في مسألة الحلّ السياسي بجنيف، ومسألة وقف إطلاق النار في اجتماعات أستانة. ثم إنّ الأميركيين بعد الضربة مباشرةً راحوا يخفّفون من وقعها، قالوا إنها ضد الكيماوي فقط لأنّ السوريين والروس زعموا أنه في العام 2016 ما عاد لدى النظام كيماوي(!)، بل وتوافق ذلك مع تقارير مشابهة من الأُمم المتحدة. وقالوا أيضاً إنهم ضربوا قسماً من المطار، وتجنبوا قسمين آخرين شكّوا في وجود تخزينات للكيماوي فيهما، ووجود جنود روس!
وعلى أي حال؛ فإنّ لهجة الأميركيين المنزعجة والمبرِّرة بعد الضربة، تغيرت وتصاعدت بعد اجتماع السبعة بروما، واستدعاء السعوديين والقطريين والأردنيين والأتراك للاجتماع إلى السبعة في اليوم التالي للتشاور بشأن الأزمة السورية. لقد تصاعدت اللهجة الأميركية والفرنسية والبريطانية في الاجتماع وبعده. أما الروس الذين استخدموا «الفيتو» في مجلس الأمن لمنع تكوين لجنة تحقيق في استخدام الكيماوي أخيراً، وكان ذلك للمرة الثامنة في أمرٍ يتعلق بالحرب في سوريا؛ فإنهم حملوا على وجه الخصوص على بريطانيا، واتهموها بالتحريض على الحرب، ومنْع التوافق بين الروس والأميركان على حلٍ للأزمة السورية!
وما دامت التصريحات القاطعة قد صدرت من «تيلرسون» وزير الخارجية الأميركي قبل الذهاب إلى موسكو فما كان متوقَّعاً أن تحدث انفراجات في المحادثات الأولى بين الطرفين. فقد امتنع بوتين عن الاجتماع به، وكان اجتماعه بلافروف ومُعاونيه عاصفاً، ومنهم من يقول إنه كان سلبياً وحسْب، فقد اتفقوا على العودة للتنسيق بالحدّ الأدنى حتى لا يحدث تصادُمٌ بين طيرانيهما فوق سوريا. لكنهم توقفوا عن التعاون الاستخباري حتى في ضرب «داعش». منذ عام 2013 صارت الأزمة السورية إقليمية، لأنّ إيران وميليشياتها بالمنطقة بل وعسكرها يشاركون فيها بقوة. ثم إنّ الإيرانيين يصرون منذ التدخل الروسي عام 2015 على أنهم هم الذين استدعوهم. بيد أنّ الفعاليات الروسية من جهة، والإسرائيلية والتركية من جهةٍ أُخرى، جعلت الأمور تتعدى حدودَ الإقليم بالطبع. وهي قد أصبحت الآن دوليةً تماماً بعد أن قالت الولايات المتحدة نحن هنا. ورغم كل انسحابات أوباما فإنّ الأميركيين ما كانوا غرباء عن الساحتين العراقية والسورية. فعندهم في العراق أكثر من ستة آلاف عسكري على الأرض فضلاً عن الطيران. وصار عندهم في سوريا زُهاء الخمسة آلاف، وقد كانوا يزعمون أنهم لا يفعلون شيئاً هناك إلاّ مقاتلة «داعش». أما وقد تدخلت الصواريخ الأميركية وللمرة الأولى ضد قوات النظام السوري وطيرانه وعلى مقربةٍ جداً من الروس؛ فإنّ النزاع صار دولياً بالفعل بعد أن كان دولياً بالنظريات والحسابات الاستراتيجية. ونحن نعلم الآن أنه يقف إلى جانب الأميركيين بريطانيون وفرنسيون وكلٌّ بعدة مئات على الأرضين العراقية والسورية.
يقول الخبراء الغربيون إنّ الأميركيين (أكثر من البريطانيين) ما كانوا يريدون أن يتدخل الأتراك بقوة لسببين: الاصطدام بالأكراد، وإمكان الاصطدام بالإيرانيين. بيد أنّ المصالحة بين الأتراك والروس أدخلتهم إلى شمال سوريا، ومنعتهم أميركا بعد استعادة مدينة الباب من داعش من التقدم نحو منبج، وما يزال الأكراد بمساعدة الأميركيين هم الذين يحاولون التقدم لمحاصرة الرقة. السبعة الكبار وعلى رأسهم الولايات المتحدة استدعوا تركيا وعدة أطراف عربية إلى الاجتماع بروما. وكان الواضح أنّ الغربيين يفكرون من أجل الضغط للحل السياسي بسوريا، وإخراج إيران من البلاد، بإعطاء دور أكبر للأتراك، والاستفهام عن دورٍ ممكنٍ للعرب وربما للتحالف العسكري الإسلامي. بل ويفكر البريطانيون بمهاجمة «داعش» مع الأردنيين من الجنوب على مقربةٍ من الحدود الأردنية – السورية، والأردنية – العراقية. ويعتقد الخبراء الاستراتيجيون البريطانيون والأميركان أنّ هذه هي الطريقة الأنجع للضغط على الروس من أجل السير بشكل جدي في الحل السياسي.
ماذا يعني هذا كلّه؟ هذا يعني أنّ النزاع طويل، مثل النزاعين الليبي والأوكراني. لكنه من ناحيةٍ أُخرى، وما دام قد صار نزاعاً دولياً؛ فقد يضطر الطرفان أو الأطراف ولتجنب أخطار الاصطدام العسكري، لإعطاء دورٍ أكبر للأُمم المتحدة ومجلس الأمن، بعد الاتفاق على الأقلّ على تثبيت وقف إطلاق النار.
رضوان السيد
صحيفة الاتحاد