مثلت الضربة العسكرية الأميركية على مطار الشعيرات في حمص تغيراً جذرياً في الموقف الأميركي من سورية، وتحديداً ضد نظام الرئيس بشار الأسد. لقد استخدم الرئيس ترامب كلمات قاسية جداً بحق الأسد، فوصفه بأنه «شرير» وغير ذلك من العبارات المسيئة التي تعكس موقفاً شخصياً أكثر منها موقفاً سياسياً. وفي حالة سورية فإن الموقف الشخصي للرئيس الأميركي هو أهم بكثير من الموقف السياسي لأسباب عدة:
أولاً: الملف السوري أصبح معقداً ومتشعباً واختلطت فيه قضايا كثيرة كاللاجئين والتدخلات الإقليمية والإرهاب وغيرها، وكلها تدفع أي دولة بما فيها أميركا للتردد في اتخاذ أي موقف أو التصدي لحل هذه القضية لأنها ستتحمل كل تبعاتها، وقد وصل الرئيس السابق أوباما إلى هذه النتيجة وقرر أن لا يتعامل مع هذا الملف كلياً وتركه للتعفن حتى وصلت الأزمة السورية إلى ما وصلت إليه، وهي الخلاصة ذاتها التي كان المرشح ترامب يحملها، وبقي على ذلك الموقف خلال أسابيعه الأولى في البيت الأبيض، وبالتالي قرر متابعة سياسة سلفه في عدم الانخراط في القضية السورية والتركيز فقط على تفصيل صغير يتعلق بالقضاء على «داعش»، ومن خلال الغارات الجوية حصراً والاعتماد على حلفاء محليين على الأرض من أجل تنفيذ هذه المهمة، وبالتالي كان الانخراط السياسي لأي رئيس أميركي جديد في سورية مستحيلاً إلا إذا وجد دافعاً شخصياً له للاهتمام ووضع سورية في صلب أولوياته، ولذلك فإن التصريحات الشخصية للرئيس ترامب ضد الرئيس السوري تعكس كيف يفكر ترامب وحاجته إلى استخدام نفوذه وقوة الولايات المتحدة من أجل القيام بشيء ما يراه جيداً في الحالة السورية.
ثانياً: صحيح أن ترامب لا يملك خبرة في السياسة الخارجية أو الخيارات العسكرية، لكنه محاط بخيرة الخبرات العسكرية في البنتاغون ومجلس الأمن القومي، وبالتالي يكفيه أن يعبر عن مواقف سياسية وعلى مستشاريه أن يقوموا بتحويلها إلى سياسات عملية على الأرض، ولذلك فبمجرد استخدام الأسد السلاح الكيماوي في خان شيخون وجد ترامب في هذا العمل تصرفاً لا أخلاقياً واستشعر أنه يجب القيام بشيء ما، فطلب الخيارات العسكرية التي قدمت له على شكل ثلاثة خيارات، فاختار أولها والذي كان توجيه ضربة محدودة للمطار الذي خرجت منه الطائرات التي قصفت خان شيخون، وهو ما يعكس أن ترامب لا يتردد في استخدام القوة العسكرية حتى من دون تغطية قانونية إذا شعر أنها ضرورية بالنسبة إليه، وبالتالي ومجدداً فإن ما يسمى الاتصال الشخصي بالقضية لعب دوراً كبيراً في اتخاذه القرار المناسب والسريع.
ثالثاً: يشعر ترامب أنه مني بثلاث هزائم داخلية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من حكمه، الأولى كانت رفض المحكمة الفيديرالية لقراريه الأول والثاني في ما يتعلق بمنع السفر لمواطني سبع دول مسلمة من بينها سورية، ووقف برنامج اللجوء بشكل موقت. والثانية كانت في فتح مكتب التحقيق الفيديرالي (أف بي آي) تحقيقاً في العلاقة بين حملة ترامب وروسيا والتي أثرت في شكل كبير على صورته الداخلية، خصوصاً بعد استقالة مستشاره للأمن القومي مايكل فلين. والثالثة كانت في عدم تمكنه من تمرير قانون التأمين الصحي المقترح من قبل الجمهوريين وإلغاء قانون الرعاية الصحية الذي استطاع أوباما تمريره في الكونغرس قبل ست سنوات، وكان نقطة هامة في الحملة الانتخابية للمرشح ترامب. بالتالي هناك حاجة شديدة له كي يحقق نجاحاً ما، خصوصاً خلال المئة اليوم الأولى من حكمه، ولذلك ربما يرى في سورية الاهتمام الكبير والدعم الذي حصل عليه بعد ضرب مطار الشعيرات فرصة في تحقيق نجاح ما يمكنه الاعتماد والبناء عليه، وربما هذا ما يفسر وضع سورية على رأس اهتمامات وزير الخارجية الأميركي في رحلاته وتصريحاته الصحافية، وربما كان أكبر دليل على ذلك ما قاله ترامب خلال مؤتمره الصحافي مع الأمين العام لحلف الأطلسي وهو يقرأ من تصريحه المكتوب «حان الوقت لإنهاء الحرب الدموية في سورية، ومنع الجرائم التي ترتكب بحق الأطفال والرضّع في سورية»، مستكملاً أوصافاً حادة ضد بشار الأسد من خلال وصفه بأنه «جزار».
من كل ذلك، يتوقع أن تعمل إدارة ترامب على تطوير استراتيجية سياسية وعسكرية بالنسبة إلى سورية، ربما تعتمد في بعض عناصرها على ما قامت به إدارة أوباما من قبل في التركيز على محاربة «داعش»، لكن، وفي الوقت نفسه، تطوير أولوية الدفع بالانتقال السياسي وإزاحة الأسد، الذي قال وزير الخارجية الأميركي تيلرسون أنه يمكن أن يتم في شكل متواز، وليس بالضرورة متعاقب.
المشكلة الرئيسية في هذه الاستراتيجية ستكون المعارضة السورية السياسية والعسكرية، وإعادة تموضع القوى الإقليمية. فالمعارضة السورية السياسية في انهيار تام بفعل خلافات داخلية، والأهم عدم قدرتها على التأثير في مجرى الأحداث في سورية بفعل عنف النظام الأعمى مما ألغى أي معنى لمفاوضات أو عملية سياسية يمكن لها أن تسهم في بناء معارضة سياسية ذات تأثير وفعالية. أما المسلحة منها، فقد انهار «الجيش السوري الحر» كقيادة مركزية في عام 2014 ولم تفلح أية جهود في إعادة توحيد الفصائل المختلفة تحت راية واحدة. ومع تعدد الفصائل وتفرقها واتخاذها مسميات عدة، لم تفلح في تكوين بديل عسكري، ومع تلاحق سلسلة الانهيارات العسكرية وآخرها في حلب، أدركت الفصائل العسكرية أنها تعيش مرحلة من التراجع والانهيار مع تزايد دعم الميليشيات الشيعية و «حزب الله» لنظام الأسد على الأرض، وهو للأسف ما لم يدفع هذه الفصائل للقيام بإعادة بناء التحالفات العسكرية وتركيز جهودها في استراتيجية عسكرية موحدة. الذي حصل هو العكس تماماً حيث انهارت واختفت هذه الفصائل رويداً رويداً.
أما على المستوى الإقليمي فكان تغير الأولويات عاملاً رئيسياً في انهيار المعارضة السورية المسلحة، خصوصاً بالنسبة إلى تركيا والسعودية، فأصبح تركيز تركيا على منع الكرد المتحالفين مع «حزب العمال الكردستاني» من كسب المزيد من الأراضي السورية. ومع الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن زاد اهتمام السعودية بحديقتها الخلفية التي أصبحت أولوية لا بد من تنظيفها، ولذلك يمكن القول إن نقطة الضعف الرئيسية في الاستراتيجية الأميركية ستكون المعارضة نفسها التي تُركت لسنوات تحارب وحدها قوات نظام الأسد و «حزب الله» والميليشيات العراقية والإيرانية وقوات «الحرس الثوري» وفوق ذلك كله القوات الروسية التي تدخلت جوياً مع نهاية عام 2015 وبرياً مع نهاية عام 2016.
لذلك ولإنجاح أية استراتيجية أميركية في سورية للتخلص من نظام الأسد يجب أن تعيد المعارضة السياسية والعسكرية تمركزها وتنظيم صفوفها وإلا أضاعت الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما تبقى من سورية.
رضوان زياده
صحيفة الحياة اللندنية