لندن – أعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إجراء انتخابات عامة مبكرة في الثامن من يونيو المقبل، ملقية بذلك قنبلة في وجه أنصار حزب المحافظين الذي تتزعمه وأحزاب المعارضة وإدنبرة وقادة الاتحاد الأوروبي.
وهذه الخطوة المفاجئة هي بمثابة استفتاء آخر على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتشعر ماي رئيسة الوزراء المعينة، بأنها تحظى بشرعية منقوصة في مواجهة مفاوضات صعبة وضد سياسيين أوروبيين يحصون الثغرات من أجل تقويض مطالبها المختلفة.
كما تدرك خطط أحزاب المعارضة لعرقلة كل خطوة تخطوها في المفاوضات التي من المقرر أن تستغرق عامين وفقا لنص المادة 50 من معاهدة لشبونة.
وأعلنت ماي “رأست للتو اجتماعا لمجلس الوزراء حيث اتفقنا على ضرورة أن تدعو الحكومة إلى انتخابات عامة في الثامن من يونيو”.
وأضافت “قررت أن البلاد تحتاج هذه الانتخابات بعد تردد، لكنني أقول بقناعة صلبة إنّه من الضروري توفير قيادة مستقرة وقوية تحتاجها البلاد لدعمنا خلال عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وما بعدها. كل صوت لصالح المحافظين سيزيد من صعوبة الموقف بالنسبة للسياسيين المعارضين الذين يريدون منعي من القيام بمهمتي”.
وأشارت إلى أنها ستتقدم بمشروع قانون اليوم أمام البرلمان لتمهيد الطريق أمام الدعوة لانتخابات مبكرة.
وأعلن رئيس مجلس العموم ديفيد لدينغتون عن حل البرلمان في 2 مايو المقبل.
وهذه الانتخابات هي فرصة لا تعوض بالنسبة لمعسكر البقاء في الاتحاد. وعلى رأس هذا المعسكر يقبع حزب الديمقراطيين الأحرار، الذي سارع رئيسه تيم فارون بالقول “إنها فرصتنا كي نعيد العجلة إلى الوراء، وأن نعيد النظر في كل عملية بريكست”.
ويسعى حزب الديمقراطيين الأحرار إلى تكرار نجاح حققه في دائرة “ريتشموند” غربي لندن، عندما تمكن من إزاحة زاك غولدسميث المرشح السابق لمنصب رئيس بلدية لندن، والمناصر لخروج بريطانيا من الاتحاد.
وقال زعيم حزب العمال جيرمي كوربين إن حزبه يدعم إجراء انتخابات مبكرة.
ورغم ذلك شن سير كاير ستارمر، وزير بريكست في حكومة الظل العمالية هجوما لاذعا على ماي. وقال إن “الانتخابات المبكرة هي نتيجة فشل رئيسة الوزراء في بناء توافق وطني، لكنها فرصة لحزب العمال لتصحيح مسار بريطانيا نحو مستقبل أكثر طموحا”.
ريتشادر وايتمان: هذه الانتخابات ستكون استفتاء جديدا على بقاء أو خروج بريطانيا من أوروبا
ويعول معسكر البقاء داخل حزب العمال على تراجع شعبية كوربين الذي يطرح نفسه كأحد أكثر السياسيين البريطانيين تشككا في الاتحاد.
وضغطت ماي على ضعف كوربين في قيادة المعارضة. وقالت في وقت سابق إنها تريد قيادة قوية كي تمثل بريطانيا خلال مفاوضات الخروج.
وقال ريتشارد وايتمان، الباحث في معهد تشاثام هاوس وأستاذ العلوم السياسية في جامعة كينت، إن “مشكلة حزب العمال تكمن في عدم قدرته على الوقوف في وجه المحافظين، نظرا لضعف كوربين. هذا الضعف ستستغله ماي بشكل جيد”.
وأضاف وايتمان في تصريح لـ”العرب” أن “هذه الانتخابات ستكون استفتاء جديدا على بقاء أو خروج بريطانيا من أوروبا. الناخبون سيذهبون إلى صناديق الاقتراع ويصوتون وفقا لآرائهم في هذه القضية، وليس وفقا لانتماءاتهم السياسية”.
ويستحوذ حزب المحافظين في مجلس العموم على أغلبية ضعيفة بفارق 16 مقعدا فقط. وإذا ما تمكنت ماي من توسيع الفارق وحصد أغلبية مطلقة، فسيمثل ذلك تفويضا كاملا لمعسكر الخروج من الاتحاد.
وخلال عطلة الأسبوع أظهر آخر استطلاع للرأي تقدم المحافظين بفارق 18 نقطة كاملة عن أقرب منافسيهم، وهو حزب العمال.
وقالت مصادر إن سير لينتون كروسبي، العقل المدبر لحملة المحافظين التي أسفرت عن فوز الحزب بالأغلبية خلال الانتخابات السابقة التي أجريت في يوليو عام 2015، أخبر ماي في وقت سابق لإعلانها عن إجراء الانتخابات المبكرة إن “حزب المحافظين قد يخسر أغلب المقاعد الـ27 التي اقتنصها من حصة حزب الديمقراطيين الأحرار قبل نحو عامين”.
وأنهت الانتخابات السابقة ائتلافا حكوميا ضم المحافظين والديمقراطيين الأحرار بقيادة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون.
وقالت المصادر إن ماي أصرت على إعادة تعيين سير كروسبي كمخطط للحملة التي ستقودها حتى موعد الانتخابات المبكرة.
وتريد ماي أيضا وضع حد لمطالبات رئيسة وزراء أسكتلندا نيكولا ستيرجن المكررة بالسماح لإدنبرة بإجراء استفتاء على انفصال أسكتلندا عن المملكة المتحدة.
وسرعان ما قالت ستيرجن الثلاثاء إن “قرار ماي الدعوة إلى انتخابات مبكرة يمنح أسكتلندا فرصة تعزيز مسعى إجراء استفتاء على الانفصال. هذه خطوة غير موفقة سياسيا لماي”.
لكن إذا خسرت ماي الرهان في الانتخابات، فسيدخل ذلك بريطانيا في نفق سياسي مظلم، إذ سيكسب معسكر البقاء في الاتحاد أرضا جديدة تؤهله لإعادة طرح قضية إجراء استفتاء جديد على بريكست للنقاش مجددا.
كما سيعزز فرص دول الاتحاد الأوروبي في التأثير على القوى السياسية المعارضة، وسيزيد كثيرا من وتيرة دعم أوروبا لها.
وستتنافس الأحزاب على طرح نفسها كمناصرة لخروج ناعم من الاتحاد، يحافظ على بقاء الاستثمارات الأجنبية ويجنب بريطانيا معدلات تضخم مرتفعة، ويفضي إلى عقد اتفاق تجارة مربح مع دول الاتحاد.
وقال وايتمان لـ”العرب” إن “هذه خطوة شجاعة ولكن لم يكن هناك مفر منها، إذ صارت هي الحل الوحيد بالنسبة للحكومة كي تدخل مفاوضات أكثر سهولة مع الأوروبيين”.
العرب اللندنية