العراق يشتري طائراته المؤمنة لدى ايران بملايين الدولارات ؟
تعد القوة الجوية العراقية الذراع اليمنى الداعم للقوات المسلحة العراقية في الأرض والساند لها والمسؤولة عن حماية سماء العراق، من اعرق المؤسسات العسكرية في مجال اختصاصها في المنطقة ومهمتها مراقبة الحدود، والممتلكات الوطنية والقيام بالعمليات الجوية.
تأسست في الثاني والعشرين من نيسان 1931،عندما كان العراق تحت النفوذ البريطاني، وتم تدريب مجموعة من الطيارين في بريطانيا ، الذين عادوا الى بغداد مع الطائرات الى مطار الوشاش (مطار المُثنى العسكري حاليا)؛ لتكوين اول نواة للقوة الجوية العراقية .
وبلغت القوة الجوية العراقية، ذروتها وقوتها بعد الحرب العراقية الإيرانية 1980ــ 1988، اذ بلغ تعداد طائراتها قرابة 1050 طائرة، لتصبح واحدة من أكبر القوى الجوية في المنطقة، ولكنها لم تلبث ان ضعفت، اذ دُمرت قرابة 500 طائرة ما يعادل نصف قوة القوة الجوية في حرب الخليج الثانية 1991، وقسم منها أوتمن لدى إيران بلغ 150 طائرة لحمايتها من القصف الأمريكي. والتي تقدر قيمتها في حينها قبل 27 عاما بـ1.6 مليار دولار اميركي ؛ وبعد انتهاء حرب الخليج طالب العراق بإرجاع الطائرات المؤمنة لدى أيران ، لكنها امتنعت عن ارجاع الامانة الى العراق ، واعتبرتها جزءا من تعويضات الحرب العراقية الإيرانية، وحاول العراق جاهدا إدخال وسطاء لكن دون جدوى ، وبعدها وفرضت قوات التحالف بعد الحرب مناطق حظر للطيران في شمالي وجنوبي العراق، وما تبقى من الطائرات العراقية دُمر خلال غزو العراق عام 2003، وما لم يدمر بيع خردة .
وان الاتفاق الذي هربت بمقتضاه الطائرات العراقية الى ايران في اثناء حرب الخليج الثانية 1991 ، عندما كانت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية تهيئ للحرب على العراق ، الذي حاول اعادة علاقاته مع ايران بالتفاوض لتقليل الخسائر قدر الامكان من نتائج الحرب المتوقعة ، والاتفاق بين البلدين بمنفعة متبادلة حول نقاط محددة، اذ تم الاتفاق على ما يلي :
• فتح حركة النقل الجوي بين البلدين وربط مطار البصرة الدولي بشبكة النقل الجوية الإيرانية عبر مطار عبادان.
• تبادل المعلومات والخبرات في الأنواء الجوية وفتح البريد والتنسيق بين الخطوط الهاتفية والخدمات التلكسية عبر المحطة الأرضية ‘‘الأنتلسات’’
• فتح المجال للنقل البحري والموانئ بين البلدين والسماح للسُفُن والبواخر العراقية بأن ترسو في المياه الإيرانية , وبالتحديد في ميناءي بندر خميني وبندر عباس خوفاً من التهديدات الأمريكية , واقترح الجانب الإيراني النقل البحري من ميناء بندر خُميني إلى ميناء أم قصر في محافظة البصرة , فيما اقترح العراق دراسة إمكانية تصدير النفط العراقي عبر الموانئ الإيرانية ومد أنبوب للنفط عبر شط العرب إلى ميناء بندر خُميني على أن يتكفل العراق بتنفيذ هذا المشروع من حيث النفقات
• تنشيط التبادل التجاري بين البلدين ضمن سياقات يتم الاتفاق عليها.
• استخدام سكة الحديد للقطار من ميناء بندر خُميني إلى المحمَّرة ومنها إلى البصرة عبر إنشاء ومد سكة حديد جديدة من المحمَّرة إلى البصرة لتسهيل نقل المسافرين والبضائع بين البلدين.
• فتح خطوط للسفر البري للسياحة وللزيارات الدينية بين البلدين، وعرض العراق فتح ممر بين خانقين وقصر شيرين خاص بالزوار الإيرانيين .
• ومن اهم الاتفاقات هو تامين الطائرات العراقية، لدى ايران بصورة مؤقتة لحين انتهاء الحرب ، لكن هذا التأمين اثار الكثير من التحفظات، خصوصا ان البلدين خرجا من حرب استمرت 1980 -1988 استشهد وجرح وتعوق فيها حوالي مليون شخص, ولم تكن الجراح العراقية والايرانية ملتئمة بعد من جراء الحرب، ولكن لا بد من استرجاع بعض الخيارات التي كانت مطروحة أمام القيادة العراقية قبل الحكم على صحة اختيارها لا يران من عدمه, عندما اندلعت الحرب كانت التغطية الجوية لدول التحالف مسيطرة على سماء المعركة بشكل كامل, واشارت معلومات استخباراتية الى أن الطائرات العسكرية والمدنية ستستهدف خلال أقل من ساعة، على اساسها طرح الخيارات الاتية :
1- زج الطائرات في معارك جوية مع الطائرات قوات التحالف مما يترتب عليه خسارة الطائرات والطيارين علاوة على الاندحار العسكري الجوي من أول جولة فباستثناء طائرات الميغ والميراج المتقدمة فان بقية الطائرات لا يمكن ان تجابه الطائرات الحديثة من حيث العدد والقدرة القتالية وسرعة المناورة, مما ينعكس سلباً على الروح المعنوية للقطعات البرية، التي اعتمدت عليها القيادة العراقية ورقة رابحة في الحرب.
2- إبقاء الطائرات في الملاجئ المحصنة دون مشاركة في القتال، والخسارة في هذا الخيار سيكون جميع الطائرات.
3- الخيار الأخير محاولة تهريبها الى أحد دول الجوار فحسب القانون الدولي لا يمكن لطائرات التحالف مهاجمة الطائرات العراقية في حال وجودها في دولة أخرى لأن ذلك يعد بمثابة انتهاك لسيادة تلك الدولة واعلان الحرب عليها, وهذا الخيار يؤمن المحافظة على بعض الطائرات في حال عدم تدميرها خلال محاولة فرارها الى احدى الدول المجاورة وهو يمثل أقل الخيارات ضررا.
4 – مما اوصل القيادات العسكرية آنذاك بدراسة سُبُل التنسيق العسكري والتمهيد لتعاون عراقي إيراني بعد أن فقد الطرفان الكثير من الحلفاء في المنطقة , وكذلك للتنسيق بشأن نقل الطائرات العراقية المدنية والعسكرية إلى إيران تحاشياً لتدمير تلك الطائرات من قبل قوات التحالف ، ففي يوم 15 يناير1991عشيّة العمليات العسكرية ضد العراق تم نقل الوجبة الاولى قرابة 33 طائرة عراقية إلى إيران بين طائرات مدنية وعسكرية .
5 – الأمر بالنسبة الى معرفة عدد الطائرات المحتجزة في إيران هو تقريبي لان عدد الطائرات التي تم إسقاطها من قبل قوات التحالف لم يكن معروفا، وكانت على النحو التالي :-
وتقدر قيمة الطائرات بـ 1.6 مليار دولار امريكي ، قبل 27عاما ، وتمت عملية نقل الطائرات العراقية إلى المطارات الإيرانية على نحو يسوده التوتر من لحظة الإقلاع إلى حين السماح بالهبوط ، وللتمويه أقلعت من قواعد عراقية مختلفة لتهبط في قواعد إيرانية متفرقة .
وكان نقلها يتم في حدود زمنية قصيرة للغاية للتخلص من رصد طائرات الإنذار المبكر الأمريكية من طراز AWACS E-3 وHawkeye E-2 ولتفادي ملاحقتها واعتراضها من مقاتلات وطائرات Intruder A6 – F18 – F16 – F15 التحالف المُحلِّقة في الأجواء العراقية والتي كانت تتلقى على مدار الساعة التوجيهات والإشارات الإلكترونية من الرادارات الجوية والأقمار الفضائية عن حركة الطائرات العراقية .
وحالما يتم عبورها الحدود إلى الأراضي الإيرانية كان الطيار العراقي يخاطب عبر الاتصال الطائرات الإيرانية المُعترضة ف – 4 فانتوم على موجات الإرسال اللاسلكية الدولية المتعارف عليها للحالات الطارئة ، فيطلب الإذن من المطارات الإيرانية حيث كان ، يؤذن له بعد إشعار أبراج المُراقبة الإيرانية والحصول على الإذن بالهبوط.
في أيام رحيل الطائرات العراقية المُؤمنة والتجائها إلى إيران اكتشفت طائرة AWACS للرصد والإنذار سرب طائرات عراقية مؤلف من 7 طائرات متجهة شرقاً نحو الحدود الإيرانية فأنذرت تشكيلاً من طائرات ف – 15 الأمريكية إلا أن سرب الطائرات العراقية كان قد عبر الحدود وبلغ الأجواء الإيرانية فهبطت مع طاقمها بسلام في قاعدة مهرباد الجوية على حدود طهران، ومنعت القيادة الإيرانية طائرات (ميغ 29 بـ فولكرم المقاتلة وطائرات النقل الضخمة إليوشن – 76) العراقية العسكرية من الهبوط في طهران لأسباب لم تحددها وأمرت تلك الطائرات بالتوجّه إلى مدينة زاهدان الإيرانية قرب الحدود الباكستانية.
وإبان التسعينيات من القرن الماضي أعلن المدير العام للخطوط الجوية العراقية السابق، أنه زار إيران مرتين للتباحث حول إعادة الطائرات، إلا أن الجانب الإيراني رفض السماح للوفد العراقي بمشاهدة الطائرات.
لم تعلن ايران عن عدد الطائرات العراقية الفعلي التي وصلتها سالمة فقد بيتت لعملية الاستيلاء عليها كتعويضات للحرب العراقية الايرانية, ورفضت عقد أية مباحثات في هذا الجانب مع العراق أو غيره وحذر المسئولون الإيرانيون حلفاء في الحكومة العراقية من الحديث عن هذا الامر.
المصدر BBC
هذه صور تبين كيف تم تغيير هوية الطائرات العراقية الى ايرانية ، لماذا لايطالب العراق من حكومة ايران اعادة الطائرات .
وبينما يرفض مسؤولون عراقيون الحديث عن مصير الطائرات المدنية العراقية في إيران، أكد خبير الطيران الدولي والمدير العام للخطوط الجوية العراقية السابق وجود هذه الطائرات لدى إيران، واكدوا انه لم تتم استعادتها.
وكان مسؤولون في وزارة النقل العراقية أعلنوا عبر تصريحات صحفية ، أنهم لم يتفاوضون لإعادة الطائرات المدنية والعسكرية التي في ايران .
و اعتذر مسؤولون عراقيون بالخطوط الجوية التصريح بأي شيء عن الطائرات العراقية في ايران، وهو ما حصل مع مسؤولين في وزارة النقل العراقية.
خبراء الطيران المدني قالوا إن إيران تستخدم الطائرات العراقية في النقل الداخلي، منذ تهريبها قبل اكثر من 27 عاما، حيث غيرت هويتها بطلائها بألوان الطائرات الإيرانية، وإن سلطات الطيران المدني الإيرانية غيرت هوية الطائرات المدنية العراقية، الى ايرانية بطلائها بألوان الطائرات الإيرانية.
، وفشلت الجهود في إقناع لجنة المقاطعة التابعة للأمم المتحدة باعادة الطائرات المدنية العراقية إلى العراق.
ومن المفارقات المهمة ان بي بي سي ، نشرت في 2 تموز 2014 ،ان دفعة الطائرات، التي تم بيعها من قبل ايران الى القوات العراقية ابان احتلال داعش لمدينة الموصل هي عراقية اصلا ، واكد المحللون بالمعهد الدولي IISS في لندن ، ان الطائرات هي نفسها التي امنها العراق في ايران منذ 1991، اذاتم بيعها الى العراق وهي عراقية .
ومن المفارقة ايضا ان معظم الطائرات التي تم شراؤها من ايران، بملايين الدولارات هي بالحقيقة جزء من سلاح الجو العراقي، ومن الطائرات العراقية التي اؤتمنت في ايران ولم تعد تلك الامانة لحد اللحظة.
وهنا نتساءل؛ متى يطالب العراق برد الطائرات المدنية والعسكرية المؤمنة، لدى الجانب الإيراني، ولماذا لا يفتح هذا الملف سواء عبر تفاوض ثنائي أو عن طريق الأمم المتحدة أو عبر الإدارة الامريكية؟
وهل الوجود الايراني المتنفذ في العراق، يحول دون ذلك.
شذى خليل
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية