القاهرة – سرّعت الحاجة إلى تشكيل تحالف إقليمي للحد من الأنشطة الإيرانية في المنطقة بطيّ الخلافات المصرية السعودية، وتؤكد قراءات أن مساعي الإدارة الأميركية الجديدة نجحت في ترجيح كفة التحالفات على الخلافات.
وأعلنت الرئاسة المصرية الجمعة أن الرئيس عبدالفتاح السيسي سيتوجه إلى الرياض الأحد، ومن المنتظر أن يعقد الرئيس المصري مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز بالرياض لقاء جرى التمهيد له بين الزعيمين في الأردن الشهر الماضي على هامش القمة العربية، ومع استئناف ضخ النفط السعودي لمصر بعد توقف دام نحو خمسة أشهر، وتأكيد مصادر مصرية عدة أن هناك مشاورات جادة (غير معلنة) للحوار حول القضايا المشتركة أملا في الوصول لتفاهمات حولها.
وكان من المتوقع أن يقوم وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بزيارة للقاهرة قبل هذه القمة، وفقا لبيان أصدرته الخارجية المصرية بداية أبريل الجاري، أشارت فيه بوضوح لزيارة الجبير (التي لم تتم)، والتي اعتقد البعض أن هدفها تحديد النقاط الخلافية بدقة والعمل على تقليصها قبل قمة الرياض.
وتأتي زيارة السيسي للسعودية عقب جولة قام بها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس لكل من الرياض والقاهرة ناقش فيها مجموعة من الملفات التي تهم البلدين، وأهمها مكافحة الإرهاب ومواجهة التغول الإيراني وبحث سبل إنهاء الأزمة في اليمن، وهو ما يشير إلى أن هذه القضايا ستكون محل اهتمام بارز في مباحثات الملك سلمان والسيسي، وتؤكد أن الولايات المتحدة شريك أو ضامن دولي قوي للشراكة بين الدولتين خلال الفترة المقبلة.
وتزامن قرار استئناف ضخ النفط السعودي لمصر مع قيام وليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بزيارة لواشنطن فبراير الماضي، وهو ما ضاعف من التكهنات المتعلقة برغبة الولايات المتحدة في أن يكون التعاون والتنسيق بين القاهرة والرياض جيدا، لأنه جزء من تحالفات كبيرة تحاول الولايات المتحدة إعادة تركيبها للتعامل مع قضايا حيوية في المنطقة وفي مقدمها التصدي لطهران.
ويقول مراقبون إن العلاقات بين مصر والسعودية ليست في حاجة إلى تدخلات أميركية بقدر ما هي في حاجة إلى حوار استراتيجي يزيل نقاط الخلاف في تفاصيل بعض القضايا الإقليمية.
واستشهدوا على ذلك بأن هناك تفاهمات كبيرة في الخطوط العريضة للقضايا، خاصة في ما يتعلق بالموقف المصري من اليمن الذي يؤكد على استعادة الشرعية والدور المهم الذي يقوم به التحالف العربي هناك والدعم البحري والجوي الذي تقدمه مصر في هذه المهمة.
ورجّح متابعون أن يتم تضييق مساحة الخلاف بين البلدين من خلال اتخاذ القاهرة مواقف أشد صرامة من إيران التي يرفض الخطاب المصري تدخلاتها السافرة، ويحذر من قيامها بأيّ اعتداء مباشر على أيّ من الدول الخليجية، باعتبار أن ذلك جزء من الأمن القومي المصري، لكن لا تزال الرياض تنتظر الكثير من القاهرة في هذا الاتجاه.
مصر قد تكون مضطرة لتعديل وجهتها ناحية إيران بما يقترب من الرؤية الخليجية، خاصة وأن القاهرة تشعر بأن التطورات الإقليمية التي تستهدف طهران تسير بوتيرة متسارعة
وذكرت دوائر سياسية لـ”العرب” أن مصر قد تكون مضطرة لتعديل وجهتها ناحية إيران بما يقترب من الرؤية الخليجية، خاصة وأن القاهرة تشعر بأن التطورات الإقليمية التي تستهدف طهران تسير بوتيرة متسارعة.
وأوضحت أن القاهرة سوف ينصب اهتمامها خلال الفترة المقبلة على ملف مكافحة الإرهاب على المستوى الإقليمي، وزيادة أطر التعاون الدولي لتجفيف منابعه عقب المعاناة التي تتعرض لها مصر بسبب شدة الضربات التي يوجهها متطرفون للداخل، وهو ما ينعكس في شكل تلقي مزيد من المساعدات التقنية وتخفيف الأزمات القادمة إليها من الجبهة الليبية، مقابل تخفيف الدعم السياسي لنظام بشار الأسد في سوريا.
الوصول إلى هذه النقطة ربما يأتي عبر صيغة محكمة لإزالة بعض الاحتقانات بين القاهرة والرياض لأن الفضاء السوري أحد أهم مراكز الاهتمام السعودي، وكان محورا مهما في زيادة عمق الهوة بين مصر والسعودية.
وتؤكد زيارة السيسي للرياض أيضا أنه تمت إزالة الكثير من العقبات التي تعتري تطوير العلاقات المشتركة وإرجاع التقارب إلى عهده السابق، وربما تجاوزه إيجابا، لأن المباحثات التي تمت من خلال قنوات متعددة وصلت إلى مرحلة متقدمة.
وقالت مصادر مصرية لـ”العرب” إن “مجرد وجود السيسي في الرياض يعني تجاوز غالبية الخلافات الجوهرية، لأن القاهرة كانت حريصة على أن يكون الحوار مختلفا عن المرات السابقة، وهو ما استجابت له السعودية بسلاسة، وتأخر لقاء الزعيمين يعزز القناعة بأن شوطا كبيرا قُطع لتهيئة الظروف لحوار استراتيجي بنّاء يجنّب البلدين تكرار الخلاف ثانية”.
وأكد مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية سابقا هاني خلاف أن توضيح المواقف والتوصل لحلول وسط حول الملفات المختلف عليها هو المحدد الأول لما يمكن أن يتم البناء عليه كمحدد أساس.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن هناك رغبة حقيقة من الطرفين لإنهاء الخلافات استنادا إلى حاجة كل من البلدين للآخر، فمصر تسعى لاستمرار الدعم الاقتصادي السعودي والوصول لحل سياسي في مسألة جزيرتي تيران وصنافير، بينما تنتظر الرياض تحقيق استفادة أكبر من الخبرات المصرية في حرب اليمن.
وأوضح الخبير في الشؤون السياسية العربية أحمد القويسني أن مستقبل العلاقات بين البلدين يتوقف على حجم التوافق بشأن بعض القضايا الإقليمية ووضع خطوط حمراء تتعلق بما لا يجوز الاقتراب منه حال حدوث خلاف سياسي آخر، في إشارة إلى أن السعودية أوقفت تصدير مشتقات نفطية لمصر عقب نشوب خلاف معها.
وأشار لـ”العرب” إلى أن البلدين يبحثان عن وجود مساحات في التنوع بين الرؤى يحاولان من خلالها محو آثار الفترة الماضية التي تباعدت فيها التقديرات بشأن بعض الملفات الإقليمية، وبالتالي فإن التشاور حول وجود آليات واضحة تحدد مقتضيات الأمن القومي العربي ستكون حاضرة وبقوة خلال الزيارة، وطيّ إحدى الصفحات العابرة التي كادت تتسبب في أزمة عميقة بين البلدين.
العرب اللندنية