بغداد – ينظر مجلس النواب العراقي، في جلسته المقرّرة الخميس، في طلب بسحب الثقة من المفوضية العليا للانتخابات، الأمر سيشكّل في حال التصويت على الطلب بالموافقة، حدثا سياسيا مهمّا في مسار الصراع على السلطة، وسيعني كسب مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري لجولة من ذلك الصراع، على حساب خصمه وغريمه الأول رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فيما لن يخلو الأمر من فوائد لأطراف أخرى في مقدّمتها رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.
وكشفت مصادر برلمانية عراقية عن تفاصيل صفقة سياسية عقدت بين نواب كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، واتحاد القوى وهو تجمع للنواب السنة في البرلمان، تضمنت دعم التحالف لإقالة مجلس مفوضية الانتخابات، مقابل التغاضي عن استجواب وزيرين في حكومة العبادي.
ولا ينفصل الصراع الدائر على مفوضية الانتخابات، عن صراع أشمل على السلطة في العراق يزداد حدّة كلما اقترب موعد الانتخابات النيابية المقرّر، مبدئيا، أن تجرى خلال الثلاثية الأولى من السنة القادمة.
ومن أبرز أقطاب ذلك الصراع مقتدى الصدر الطامح إلى موقع قيادي بالدولة العراقية، والذي لا يوفّر جهدا لمنع عودة غريمه الأوّل نوري المالكي رئيس الوزراء السابق إلى رئاسة الحكومة.
ويعتبر الصدريون المفوّضية إحدى أدوات المالكي لتزوير الانتخابات وتجيير نتائجها لمصلحته.
وعلى هذه الخلفية خاض التيار الصدري حملة مبكّرة لتغيير المجلس الذي يشرف على إدارة مفوضية الانتخابات، ويتكون من تسعة أعضاء، يمثلون أكبر الأحزاب والتيارات السياسية في البلاد.
وبالرغم من أن المفوضية ترفع شعار الاستقلال، إلا أن الأحزاب تحتكر عملية اختيار المرشحين للعمل فيها.
ويعتقد الصدريون أن مجلس المفوضين الحالي هو بوابة للمالكي نحو العودة إلى موقع رئيس الوزراء الذي شغله لدورتين سابقتين كانت نتائجهما كارثية على مختلف الصعد الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
وتشكلت المفوضية الحالية في ولاية المالكي الثانية. وبالرغم من أن ممثل زعيم دولة القانون في المفوضية، مقداد الشريفي، لا يشغل منصب الرئيس فيها، إلاّ أنه يتحكم في أهم مفصل داخلها وهو الدائرة الانتخابية التي تراقب حركة التصويت والعد والفرز، وتطّلع مبكرا على النتائج التفصيلية لمراكز الاقتراع، وتمتلك صلاحية البت في الأصوات الصحيحة والباطلة.
وبعد سلسلة تظاهرات نظمها الصدريون في بغداد والمحافظات، اضطر البرلمان إلى قبول طلب تقدم به نواب كتلة الأحرار لاستجواب رئيس مجلس المفوضية، سربست مصطفى، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني.
وخلال جلسة الاستجواب، استعرضت النائب عن كتلة الأحرار الصدرية، ماجدة التميمي، سلسلة وثائق تثبت ارتكاب المفوضية لخروقات مالية وإدارية تسببت في حالات تزوير وهدر للمال العام.
واستفسرت التميمي عن الأسباب التي تقف وراء عدم اتخاذ المفوضية الإجراءات القانونية في حق المقصرين بفقدان عدد كبير من بطاقات الناخبين خلال اقتراع العام 2014، فضلا عن معرفة أسباب غلق التحقيق في حالات السرقة التي وقعت لبطاقات الناخبين في عدد من مناطق بغداد، فيما استكمل التحقيق في حالات مماثلة بالموصل.
وطالبت التميمي بمعرفة دوافع السماح لغير العراقيين بالمشاركة في انتخابات مجلس النواب العام 2014، مؤكدة وجود أجانب، بينهم أتراك وسوريون ليسوا من مزدوجي الجنسية شاركوا بالتصويت رغم استمرار التحديثات الدورية لسجلات الناخبين.
سوريون وأتراك شاركوا بالتصويت في انتخابات مجلس النواب العراقي سنة 2014 التي فاز بها ائتلاف دولة القانون
وكانت تلك الانتخابات قد أفضت إلى حصول ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي على ما يقارب ثلث مقاعد مجلس النواب.
وتساءلت عن أسباب احتساب نتائج المئات من مراكز الاقتراع الخاصة بانتخابات مجالس محافظات 2013 على الرّغم من وجود مخالفات جسيمة، في مقابل استهانة بالتعامل مع المئات من الاستمارات الانتخابية في محطات أخرى.
كما استفسرت النائب عن دوافع قيام مجلس المفوضين بمنح مكافأة راتب شهر كامل لأعضائه، بواقع نحو 7 آلاف دولار لكل منهم.
ولكن ردود رئيس مجلس المفوضين لم تكن مقنعة للنواب، وهذا ما أكدته نتيجة التصويت، إذ قال 119 نائبا إنهم لم يقتنعوا بالإجابات، فيما صرّح 118 بقناعتهم، وأعاد 15 نائبا أوراق التصويت فارغة.
وشكلت هذه النتيجة مفاجأة للمراقبين في بغداد، إذ كان يعتقد أن البرلمان لن يساعد كتلة الأحرار في إقالة المفوضية.
لكن مصادر برلمانية، أبلغت “العرب” بأن نتيجة التصويت هذه جرى الإعداد لها مبكرا، من خلال اتفاق بين ممثلين عن كتلة الأحرار واتحاد القوى.
وأوضحت المصادر، أن كتلة الأحرار، طلبت من رئيس البرلمان سليم الجبوري، الذي ينتمي إلى اتحاد القوى، تحويل التصويت على القناعة بإجابات المفوضية من علني إلى سري، ليتاح أمام النواب التخلص من تأثيرات رؤساء الكتل وزعامات الأحزاب.
وتابعت المصادر، أن “النواب الصدريين، أكدوا للجبوري أنهم سيدعمون موقف وزيرين سنيين معرّضين للاستجواب في البرلمان، إذا تحول التصويت على المفوضية إلى سري”.
وتشير هذه المصادر إلى اكتمال ملفي استجواب كل من وزير التربية محمد إقبال ووزير الزراعة فلاح زيدان، وهما من اتحاد القوى.
وفعلا، قرر الجبوري، خلال جلسة صاخبة الثلاثاء، أن يكون التصويت على القناعة بأجوبة المفوضية سريا، وهو ما جاء بنتائج لم تكن متوقعة.
لكن هذه الصفقة، يجب أن تجتاز اختبارا حقيقيا، يتمثل بتصويت البرلمان على طلب بسحب الثقة من المفوضية، بعد أن توفر عدم القناعة بإجابات رئيسها، وهو ما يتطلب إجماعا برلمانيا، يؤكد صعوبتَهُ الانقسامُ الحاد في نتيجة التصويت على القناعة بأجوبة المفوضية، حيث كان الفارق صوتا واحدا فقط.
لكن المصادر، تشير إلى أن اتفاق الصدريين والسنّة على إقالة المفوضية، ربما ينال دعم المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارزاني، لا سيما وأن المتضرر المباشر منه هو المالكي.
وينتظر أن يعقد البرلمان الخميس، جلسة يتم خلالها تقديم طلب موقّع من 50 نائبا، للتصويت على سحب الثقة من المفوضية.
وإذا أقيلت مفوضية الانتخابات، فإن فرص إجراء الاقتراع العام في أبريل 2018 ستتناقص، بسبب التعقيدات التي ترافق تشكيل الهيئات في العراق، بسبب نظام المحاصصة، ما يتطلب مفاوضات طويلة.
ويقول مراقبون في بغداد، إن رئيس الوزراء حيدر العبادي، ربما يكون أكبر الرابحين من قرار إقالة مجلس مفوضية الانتخابات، في حال اتخذه البرلمان، إذ سيضمن تمديد ولايته عاما آخر على الأقل.
لكن مصادر قريبة من المالكي، تقول إن كتلة ائتلاف دولة القانون التي يتزعمها، ستلجأ إلى طلب انتخابات مبكرة، إذا أقيل مجلس المفوضين الحالي.
العرب اللندنية