تونس – حاول البنك المركزي التونسي امتصاص تداعيات تصريحات وزيرة المالية لمياء الزريبي حول تعويم الدينار جزئيا قبل أسبوع برفع سعر الفائدة الرئيسي ورفع نسبة الفائدة على المدخرات أمس، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 2014.
ورفع المركزي سعر الفائدة الرئيسي من 4.25 بالمئة إلى 4.75 بالمئة، كما رفع نسبة الفائدة على المدخرات نقطة أساس إلى أربعة بالمئة، من أجل مواجهة الهبوط الحاد في قيمة الدينار والضغوط التضخمية.
ونفى المركزي وجود خطط لتحرير سعر الدينار أمام العملات الرئيسية في الوقت الراهن، وذلك في أول رد على تصريحات وزيرة المالية التي تسببت في فوضى في سوق الصرف المحلي.
وذكر البنك في بيان إن “السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف المعتمدة لا تستهدفان تخفيضا في قيمة العملة أو سعر صرف محددا أو تعويما للعملة الوطنية، بل تعتمد تدخلات مدروسة ومنسقة للحد من التغيرات الحادة في أسعار الصرف”.
ويقول اقتصاديون إن هذا الموقف وإن جاء متأخرا لإعادة التوازن لسوق الصرف وإرسال إشارات طمأنة للتونسيين بأن الوضع مستقر رغم الأزمة إلا أنه لا ينفي أن الخطوة ضرورية لوقف العلاج بالمسكنات.
ويعي المسؤولون التونسيون أن تدهور العملة المحلية ستكون له تداعيات سلبية للغاية على الاستثمارات وعلى تنافسية الشركات والتضخم وعجز الميزان التجاري وارتفاع نسبة الدين والفوائد المنجرّة عن ذلك إلى جانب التوازنات المالية للبلاد.
وقال الشاذلي العياري، محافظ البنك المركزي، في تصريح للتلفزيون الرسمي إن “مجلس إدارة البنك اجتمع الثلاثاء واتخذ حزمة من القرارات الرامية إلى دعم الدينار الذي يشهد هبوطا حادا منذ أسبوع”.
واعتبر العياري أن “رفع نسبة الفائدة من شأنه أن يقوي الدينار ويحسن نسبة الصرف مقابل العملات الأجنبية ويجعل العملة الوطنية أكثر جاذبية على مستوى الاستثمار والادخار”.
وأوضح المحافظ أن البنك تواصل مع كافة بنوك البلاد واتفقوا على طريقة يتم من خلالها تسهيل بيع وشراء العملة قدر الإمكان.
الشاذلي العياري: الخطوات التي اتخذناها من شأنها أن تقوي الدينار وتحسن معدلات الصرف
وتم تدوال اليورو مقابل 2.69 دينار والدولار مقابل 2.53 دينار الأسبوع الماضي بما يمثل هبوطا غير مسبوق في قيمة العملة المحلية. لكن بعد أن ضخ المركزي الثلاثاء 100 مليون دولار و50 مليون يورو عاد الدينار للارتفاع ليسجل 2.5 دينار لليورو و2.4 دينار للدولار.
ويعتقد خبراء سوق صرف العملات أن ترك الدينار حرا سيجعله تحت رحمة واقع التوازنات الاقتصادية الحالية إلى أن يصل إلى نقطة التوازن في السعر الحقيقي.
وأرجع العياري انزلاق الدينار إلى تصريحات وزيرة المالية التي تم تأويلها “بنية الحكومة التخفيض من قيمة العملة المحلية وهو أمر غير صحيح”. وقال إن “المعلومة تفاعلت معها سوق الصرف بطريقة سلبية وغير سلمية، ما تسبب في هبوط الدينار”.
وذكر مصرفيون لـ“العرب” أن العديد من الفروع البنكية بالعاصمة تونس شهدت الأسبوع الماضي طوابير من المواطنين والمتعاملين والتجار لسحب مدخراتهم بعد تصريحات وزيرة المالية، ما تسبب في شح السيولة النقدية لدى البنوك.
ويعتبر البعض من المحللين أن القيمة الحقيقية للعملة المحلية مقارنة باليورو على سبيل المثال هي ثلاثة دينارات وأن قيمتها الحالية تحتاج إلى مراجعة عاجلة حتى تتلاءم مع الوضع الذي تعيشه البلاد خاصة على مستوى العجز التجاري الكبير.
ونقلت رويترز عن المحلل عزالدين سعيدان قوله في وقت سابق هذا الشهر إن “خفض قيمة الدينار التونسي هو إصلاح تعهدت به تونس لصندوق النقد منذ أن دخلت في مفاوضات للحصول على قرض وهو إجراء من شأنه أن يساهم في دفع الصادرات وخفض الواردات وبالتالي خفض العجز التجاري الكبير”.
وزارت بعثة صندوق النقد الدولي تونس في وقت سابق هذا الشهر للوقوف على مدى إنجاز الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة للإفراج عن القسط الثاني المقدر بقيمة 350 مليون دولار من إجمالي قرض بقيمة 2.9 مليار دولار.
وأظهرت بيانات لمعهد الإحصاء التونسي أن العجز التجاري اتسع في الربع الأول من العام الجاري ليبلغ 1.7 مليار دولار مقابل مليار دولار بمقـارنة سنـوية، أي بارتفاع بنحو 57 بالمئة، وهو ما يتطلب إعادة النظر في عمليات التوريد ولا سيما العشوائية منها.
وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد قال الأسبوع الماضي، إن “الحكومة ستحد من الواردات العشوائية لمواجهة تفاقم العجز التجاري وهبوط الدينار إلى مستويات تاريخية أمام اليورو والدولار مما قوض احتياطي العملة الأجنبية”.
وتواجه تونس صعـوبات كثيـرة في طـريق إنعاش اقتصادها العليل منذ ست سنوات رغم كل الجهود المبذولة للخروج من نفق الأزمة.
وتضع الحكومة ضمن خططها الإصلاحية الملحة تخفيض عدد موظفي القطاع العام بعرض التسريح الاختياري مقابل مزايا اقتصادية وإصلاح الصناديق الاجتماعية والإدارة والحد من البيروقراطية وإصلاح القطاع المصرفي.
العرب اللندنية