دمشق – تحاول روسيا إعادة دفع العملية السياسية شبه المجمدة في سوريا، عبر اجتراح حل تلو آخر علّه يلقى صدى لدى باقي اللاعبين الإقليميين والدوليين، وآخر تلك الحلول التسويق لقوات فصل محايدة بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام بعد أن بدا أن الحفاظ على الهدنة المعلنة شبه مستحيل في حال استمر الوضع على ما هو عليه اليوم.
وترى أوساط سياسية أن روسيا بهذه المبادرة ربما تسعى لاستباق ما قد تقدم عليه الإدارة الأميركية من خطوات انفرادية، في ظل رصد تحركات لافتة لعناصر أميركية على الحدود الجنوبية، ونشر قوات أميركية على الحدود الشمالية السورية، بذريعة مراقبة الوضع هناك بعد استهداف تركيا لحليفتها الوحدات الكردية.
وتعي روسيا أنه لا إمكانية لنجاح أي عملية سياسية في غياب الثقة بين الأطراف المتنازعة في سوريا، وأنه لا بد من خطوات عملية لبنائها عبر ترسيخ حقيقي لوقف إطلاق النار على الجبهات، وعدم ترك المجال لأي مفاجآت من القوى المقابلة وعلى رأسها واشنطن تنهي تزعمها على الملف السوري.
وكانت روسيا توصلت مع تركيا في ديسمبر الماضي إلى هدنة في سوريا تستثني جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) وتنظيم داعش، ولكن هذه الهدنة لم تصمد في معظم المناطق السورية بل العكس فقد استمر الصراع في أكثر من جبهة وتوسع إلى الجنوب المحاذي للأردن بعد غياب دام لأشهر عن المشهد.
وقد أثر هذا الوضع الميداني بشكل واضح على العملية السياسية في أستانة وجنيف، حيث ما انفكت أطراف الصراع تحمل مسؤولية الخروقات للطرف المقابل معلنة في كل جولة في هاتين العاصمتين فشل أي تقدم للعملية السياسية.
وترى روسيا أن وضع قوات محايدة على الأرض ربما يكون الحل الأمثل لوضع حد للتدهور الميداني الحاصل والذي يخشى أن يزداد سوءا مع استمرار الفجوة بين القوى الإقليمية والدولية، وأيضا للحيلولة دون خطط ترسم في الكواليس الغربية، تتعارض ومصالحها في سوريا.
وصرح عضو في المعارضة السورية المسلحة بأن روسيا طرحت فكرة إنشاء مناطق خاصة للتخفيف من حدة التوتر بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة، وكذلك إدخال قوات من دول محايدة إلى خطوط التماس.
ونقل موقع “روسيا اليوم” الاثنين عن فاتح حسون عضو وفد الفصائل المسلحة ووفد الهيئة العليا للتفاوض القول في تصريح صحافي “لم يتم تحديد الدول التي ستشارك في تلك القوات التي سيتم نشرها على خطوط التماس بين طرفي الصراع في سوريا”، لكنه أكد أن الدول المشاركة بقواتها ستكون محايدة وغير مشاركة بالمعارك الجارية حاليا في سوريا.
وأكد عضو وفد الهيئة العليا للتفاوض أنه لم يكن هناك أي طرح لأسماء دول، وفي حال تمت الموافقة من قبل أطراف الصراع على اقتراح موسكو، فسيتم إنشاء مجموعة عمل، وهي التي ستختار بدورها الدول التي ستشارك في تشكيل تلك القوات.
ويرجح محللون أن تكون هذه النقطة جزءا رئيسيا من محور اللقاء بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء (غدا) في مدينة سوتشي الروسية.
وتعيش تركيا حالة من الإرباك في تعاطيها مع الشأن السوري في الأشهر الأخيرة، ما انعكس سلبا على علاقتها بالجانب الروسي.
ومن المرجح أن يطلب بوتين من أردوغان أن يوضح موقفه من التطورات في سوريا، لأن استمرار مناوراته واللعب على الحبال لم يعد من الممكن السماح به، وسيعرض عليه مسألة القوات الفاصلة لإعادة الزخم للهدنة التي هي اليوم في حكم المنهارة.
ويقول مراقبون إن هذا اللقاء الذي هو الخامس بين الرئيسين في خمسة أشهر سيكون مفصليا لجهة تحديد وجهة تركيا في الصراع السوري.
وشهدت موسكو في الفترة الأخيرة حركة دبلوماسية لافتة ففي أسبوع زار كل من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي العاصمة الروسية حيث أجريا لقاءات مع نظيرهما سيرجي لافروف كان من أبرز محاورها المسألة السورية وكيفية رسم مسار جدي لإنهاء الصراع.
والدولتان معنيتان بالدرجة الأولى بما يحدث في سوريا وترغب موسكو في بناء أرضية مشتركة للتعاون بينهما، ويعتقد على نحو كبير أن مسألة قوات الفصل تم طرحها في تلك اللقاءات.
ويتوقع أن يسعى الروس لإقناع أكبر عدد من الأطراف بهاته المبادرة، في قمة العشرين، لإعادة الزخم إلى العملية السياسية، كما ستكون حاضرة بقوة في جولة أستانة.
وقال المعارض السوري في معرض تطرقه للمبادرة “إن روسيا ضامنة لبدء العملية السياسية، وذلك يتطلب من المجتمع الدولي تدخلا أكبر في محادثات أستانة، كما أن روسيا تطالب بتدخل دولي أكبر في هذا الاستحقاق، والحقيقة أن هذا شيء مشجع”.
وتعقد الجولة الجديدة من أستانة يومي الأربعاء والخميس، وسط أنباء عن حضور قوي للمعارضة، بعد أن قاطعت الجولة الماضية ردا على خروقات النظام السوري.
العرب اللندنية