باريس – يسعى الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون إلى اجتذاب شخصيات منبثقة من اليمين واليسار لتشكيل أغلبية برلمانية وتطبيق إصلاحاته دون عراقيل.
وفي خضم مشاورات تشكيل حكومته نال الرئيس الوسطي المؤيد لأوروبا الثلاثاء تأييد رئيس الوزراء الاشتراكي السابق مانويل فالس الذي انضم إلى معسكره، في مؤشر على تشرذم المشهد السياسي الفرنسي قبل شهر من الانتخابات التشريعية.
ويشكل المشهد السياسي الحالي “معضلة”، بحسب الصفحة الأولى لصحيفة لوباريزيان الثلاثاء. فرغم فوز ماكرون البارز على اليمين المتطرف بنسبة 66 بالمئة من الأصوات، سيجد نفسه رئيسا لفرنسا منقسمة.
ويخوض ماكرون معركة الانتخابات التشريعية الحاسمة المرتقبة في 11 و18 يونيو حيث يسعى اليمين إلى الثأر واليسار إلى تفادي الاندحار واليمين المتطرف إلى الدخول بقوة إلى البرلمان.
وبعد أن بات رئيسا، يحتاج ماكرون ليحكم إلى أغلبية واضحة في البرلمان. وفي خضم الانتخابات، يصوت النواب لمنح الثقة إلى رئيس الوزراء الجديد والحكومة.
ويراهن ماكرون على الفرنسيين لمنحه أغلبية كما فعلوا دائما مع كل رئيس جديد. وقال مساء الأحد “إن أغلبية التغيير هذه، هي ما تطمح إليه البلاد وما تستحقه”.
وقال المحلل السياسي سيتفان روزيس “من مسؤوليته أن يقود معركة التشريعات كما كان يفعل نابوليون في المعارك الصعبة”.
وأشارت الصحافة الفرنسية إلى صعوبات المهمة، مع حركة فتية، تفتقر إلى التجربة وليست متجذرة محليا. وكتبت صحيفة “ليبيراسيون” اليسارية إن ما جرى كان “انتصارا تحت الضغط” لأن “النسبة الكبيرة للامتناع عن التصويت، رغم التهديد الذي يمثله اليمين المتطرف، هي إشارة إلى عدم ارتياح حيال الرئيس الجديد”.
صحيفة ليبيراسيون: كان انتصارا تحت الضغط لأن النسبة الكبيرة للامتناع عن التصويت، هي إشارة إلى عدم ارتياح حيال الرئيس الجديد
وأظهر استطلاع للرأي أن حركة “إلى الإمام” التي أسسها ماكرون في أبريل 2016 ستحصل على ما بين 24 و26 بالمئة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية، متقدمة على “حزب الجمهوريين” (يمين 22 بالمئة) والجبهة الوطنية (يمين متطرف بين 21 و22 بالمئة) واليسار الراديكالي (بين 13 و15 بالمئة) والاشتراكيين (بين 8 و9 بالمئة).
وتبقى التكهنات بالغة الصعوبة وخصوصا مع حالة إعادة التشكل السياسي الجارية ومناورات التحالف والاصطفاف التي تبقى ممكنة حتى نهاية موعد تقديم الترشيحات في 19 مايو.
وينتظر الحزب الاشتراكي وحزب الجمهوريين اليميني اللذان منيا بهزيمة غير مسبوقة بخروجهما من الدورة الأولى، بفارغ الصبر الانتخابات التشريعية لرد اعتبارهما.
وعقد كل من الحزبين مؤتمرا بعد ظهر الثلاثاء لتحديد إستراتيجيتهما إزاء الرئيس الجديد والاختيار بين التحالف معه بشروط أو التعاون الآني أو المعارضة الصريحة. كما يسعيان إلى رص الصفوف فيما يبدو الانضمام إلى المعسكر الرئاسي مغريا لعدد من أعضائهما.
وأثار الاشتراكي فالس صدمة بإعلان انضمامه الكامل إلى معسكر الرئيس المنتخب، وهو الذي تولى رئاسة الوزراء من 2014 إلى 2016 عندما كان ماكرون وزيرا للاقتصاد.وقال فالس المنبثق من التيار اليميني في الحزب الاشتراكي، والذي دعم ماكرون بدلا من المرشح الاشتراكي بونوا آمون، إن “هذا الحزب الاشتراكي مات، وأمسى خلفنا”.
ويسعى كل من حزب الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبن الذي نال 34 بالمئة تقريبا الأحد وحزب “فرنسا المتمردة” بقيادة صوت اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون (19.5 بالمئة في الدورة الأولى) إلى البناء على التقدم الذي أحرزاه في الصناديق.
وبدأت الحركة التي أوصلت ماكرون إلى الإليزيه التعبئة أمام تعدد الخصوم وعدلت اسمها إلى “الجمهورية إلى الأمام!”.
وستعلن الحركة الفتية وتفتقر إلى مراكز ثقل انتخابية، الخميس أسماء مرشحيها الـ577 للانتخابات التشريعية.
وتبدو قرارات اختيار المرشحين دقيقة إذ عليهم الجمع بين وعود التجديد وهاجس الأداء والفعالية.
ويتعين على ماكرون التزام الحذر في ما يتعلق بدعوة العديد من الشخصيات الاشتراكية البارزة لحركته السياسية إذ أن ذلك من شأنه أن يدعم وجهة نظر معارضيه حول أن إدارة ماكرون ستكون امتدادا لإدارة فرنسوا هولاند والتي لا تحظى بأي بشعبية.
وفي مؤشر على هذه الصعوبات استُقبل انضمام فالس ببعض الإحراج. وقال المتحدث باسم ماكرون، كريستوف كاستانير “أولا عليه تقديم طلب انتساب” مضيفا أن صلاحية اختيار المرشحين منوطة بهيئات الحركة.
ولدى الرئيس الجديد أولوية أخرى تكمن في اختيار رئيس وزراء جامع قادر على توحيد البلاد، وسيعلن ماكرون خياره بعد تسلم السلطة في مراسم تجري صباح الأحد.
وتنتظر ماكرون ملفات كبيرة وفي مقدمتها التصدي للبطالة ومواجهة التهديدات الإرهابية وإنعاش أوروبا الضعيفة. وينوي التوجه أولا إلى برلين، كما يقول محيطون به.
ورحب أصحاب العمل بانتخابه لكنهم يتساءلون عن مدى قدرته على الإصلاح وخصوصا على صعيد قانون العمل الذي يشكل خطا أحمر بالنسبة إلى النقابات.
وفي ما بدا بمثابة تحذير، تظاهر الآلاف من “المناهضين للرأسمالية” الاثنين لإظهار عزمهم على التصدي لأي “قمع اجتماعي”.
العرب اللندنية