في الثامن من آيار/مايو حذرت إيران من أنها ستضرب قواعد من وصفتهم بالإرهابيين إذا لم تتصد باكستان لهم، بينما طالبت إسلام آباد طهران بإطلاعها على أماكن وجود هؤلاء كي تتخذ الإجراءات المناسبة ضدهم. جاء ذلك بعد أيام من هجوم شنته جماعة تطلق على نفسها اسم “جيش العدل” أسفر عن مقتل عدد من عناصر حرس الحدود الإيراني. وقال رئيس هيئة الأركان الإيرانية محمد باقري إن المناطق الحدودية لباكستان مع إيران تحولت إلى ملاذ ومعقل لتدريب وتجهيز من سماهم الإرهابيين.وأضاف أنه إذا واصل ت الجماعات المسلحة عملياتها ضد إيران فإن قواتها المسلحة ستستهدف معاقل الإرهابيين في أي مكان، بحسب تعبيره. ومن جانبها، تنفي باكستان باستمرار وجود ما يسمى جيش العدل على أراضيها أو اتخاذ أراضيها منطلقا لعناصره، وتطالب في المقابل طهران بتزويدها بأي معلومات عن الجماعة في باكستان لتتخذ هي الإجراء المناسب. فما هو “جيش العدل”؟
أولاً: النشأة
جماعة إيرانية معارضة مسلحة تنشط في محافظة سيستان وبلوشستان، تقول إنها تقاتل القوات الإيرانية لاستعادة حقوق البلوش وأهل السنة، وتعتبرها طهران جماعة إرهابية. تأسست جماعة “جيش العدل” عام 2012 في محافظة سيستان وبلوشستان، وذلك بعد عامين من إعدام السلطات الإيرانية زعيم حركة “جند الله” البلوشية عبد المالك ريغي في يونيو/حزيران 2010. وبعد تعيين عبد الرحيم ملا زاده أميرا لجماعة “جند الله”، أعلن هذا الأخير وعبد الرحيم ريغي -شقيق عبد المالك- تأسيس “جيش العدل” عبر توحيد الفصائل والحركات المسلحة التي تخوض حربا ضد السلطات الإيرانية. وتمت مبايعة ملا زاده أميرا لجيش العدل نهاية العام 2012، وكان يصدر بياناته باسم صلاح الدين فاروقي، وهو من أبرز قادة المقاومة فی بلوشستان، وكان قبل ذلك قائدا في “جند الله”.في المقابل، يرى مراقبون أن جيش العدل اسم جديد لجماعة جند الله، وهو تنظيم إسلامي سني معارض تأسس عام 2003، مقره بلوشستان في جنوب شرق إيران، ويقول إنه يحارب من أجل حقوق المسلمين السنة في البلاد.
يشار إلى أن منطقة سيستان وبلوشستان حكمتها السلالات المغولية المتعاقبة، وصولا إلى اجتياحها خلال القرن السادس عشر من الصفويين، وانتهاء بالاستعمار البريطاني الذي فصل المنطقة عن أفغانستان وألحقها نهائيا بالأراضي الإيرانية، وهو ما أثار الكثير من النزاعات السياسية ذات الخلفية العرقية والطائفية.وبحكم تركيبتها العرقية والمذهبية المعقدة وموقعها الجغرافي، تمثل المنطقة أهمية خاصة لدى النظام الإيراني، خاصة أن السنوات الأخيرة شهدت تنامي المطالبات بالانفصال في أجزاء بلوشستان الثلاثة (في كل من إيران وباكستان وأفغانستان) لتأسيس الدولة البلوشية.وقد ألحقت طهران الإقليم بأراضيها عام 1928، ويعد من أكبر المحافظات إيرانية، بينما انضم جزء من الإقليم إلى باكستان بعد عام على قيامها عام 1947 ليصبح رابع أقاليمها.
بعد سقوط نظام الشاه عام 1979 بدأ البلوش تحركًا فوريًا للتعبير عن هويتهم المميزة، ولكن البلوش وجدوا أنفسهم مرة أخرى في مواجهة مع النظام السياسي الجديد في إيران، وحظرت الأحزاب السياسية البلوشية، وبدأ البلوش في مواجهة تمييز واضطهاد من نوع جديد قائم على أساس مذهبي (سنة وشيعة)، وبدأت نخب حداثوية تصعد وتأخذ مكان النخب التقليدية في المجتمع البلوشي بسبب التعليم والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شملت بلوشستان بطبيعة الحال، وزاد حضور النساء في الحياة العامة، وصارت الطبقة الوسطى أكثر اتساعًا وتأثيرًا.
وقد ساهمت الطبقة الوسطى من خلال عملها في دول الخليج العربي في إنشاء حركة جديدة لتداول المال والاستثمار، وبدأ البلوش يمتلكون قطاعات تجارية وخدماتية كانت محتكَرة من قبل قوميات أخرى، وقد ساهم ذلك في تعميق الوعي القومي، ولكن سقطت القيادات السياسية فريسة النزاع والتفتت، وازدادت حدة الانقسام بين الأحزاب السياسية البلوشية؛ كما تجلى بوضوح في الانتخابات العامة التي جرت عام 1985 ثم بعد ذلك في التسعينيات، وأدى الجانب الإقليمي للقضية البلوشية، فضلاً عن التعقيدات المتزايدة للمجتمع البلوشي، إلى تعقيد مهمة الحركة القومية البلوشية في تحقيق إستراتيجية الوحدة والتلاحم لتحقيق أهدافها.
ثانيًا: الأسس الفكرية
يعرّف “جيش العدل” نفسه على صفحته الرسمية بموقع “تويتر” بأنه “حركة جهادية في بلاد فارس تسعى لإسقاط الحكومة الإيرانية وتحكيم الشريعة الإسلامية”. قائد الجيش هو “عبد الرحیم ملازاده”، الذي يصدر بياناته باسم “صلاح الدین فاروقي”، أمير جيش العدل، من مواليد 1979 بمدينة “راسك” التابعة لإقليم بلوشستان، ويعتبر من أبرز قاعدة المقاومة فی بلوشستان، وكان ضمن جند الله التي أسسها عبد المالك ريغي، والآن حاج صلاح الدين يقود جيش العدل البلوشي على نهج الأمير ريغي.
ولأمير جيش العدل علاقات وثيقة بقبائل البلوش في منطقة بلوشستان الباكستانية، حيث توجد صلة قرابه وعاش عددا من السنوات بين أبناء هذه المنطقة؛ الأمر الذي يعطي له دعما قويا من بلوش باكستان والذين يعانون أيضا من اضطهاد من قبل الحكومات الباكستانية. ويعتبر هو القائد والمخطط الإستراتيجي لعمليات جيش العدل في بلوشستان، والتي قام خلال ما يقرب من عامين من تأسيس التنظيم بالعشرات من العمليات المسلحة ضد قوات الحرس الثوري الإيراني, والمسئولين والمصالح الإيرانية بإقليم سيستان وبلوشستان.
وفي حوار مع صحيفة “الرياض” السعودية نشر يوم 15 آب/أغسطس 2015، يصف قائد جيش العدل “فاروقي” جماعته بأنها “منظمة دفاعية وعسكرية أُسست لصون الحقوق الوطنية والدينية للشعب البلوشي وأهل السنة في إيران”. وترفع جماعة “جيش العدل” مبدأ الجهاد من أجل استعادة الحقوق، وتتهم في بياناتها السلطات الإيرانية بممارسة مخططات طائفية في بلوشستان وباقي المناطق التي يقطنها السنة في إيران. ويقول قائد الجماعة في ذات الحوار إن طهران عمدت إلى عدم إشراك الشعب البلوشي في نظام حكم الدولة الإيرانية، وإنها ترتكب ما أسماها مظالم وجرائم تتمثل في استهداف دينه وأرضه وهويته القومية.
ثالثاً: الأهداف
يهدف جيش العدل وفقًا لبياناته، إلى رفع راية التوحيد “لا إله إلا الله”، وإخراج كل مظاهر الشرك من جميع الأراضي البلوشية في بلوشستان الغربية المحتلة من إيران، وضرب وإضعاف الآلية العسكرية الإيرانية في جميع أرجاء بلوشستان، وإرباك النظام وإشغاله داخليا، إضافة إلى دوره في الدفاع عن أهل السنة في مختلف دول العالم؛ حيث قام تنظيم “جيش العدل” بعمليات عسكرية؛ ردًّا على الدعم الإيراني لرئيس النظام السوري بشار الأسد في مواجهته ثوار سوريا، ومحاولاتها في إرجاع حقوق البلوش المسلوبة من ملالي طهران، منها حقوق المواطنة، حقوق الأرض، الكرامة، حقوق الإنسان، ثروة البلاد المسلوبة وجوع الأهالي.
يتعرّض أكثر من خمسة ملايين بلوشي ضمن جغرافية ما تسمّى بإيران إلى اضطهاد قومي ومذهبي ممنهج بواسطة الاحتلال الأجنبي الفارسي، في حين تدّعي الدولة الإيرانية أن دستورها يستمد من الشريعة الإسلامية وتروج على أنها تعمل على وحدة المسلمين فيما بين الشيعة والسنة، إلا أنها تحارب بناء المساجد في بلوشستان السنية مثلما تحاربها في الأحواز وكردستان، بينما تنشر واعظيها في الأقاليم المحتلة حيث لا يتورع هؤلاء في استفزاز مشاعر الشعوب عبْر الطعن والتجريح والسب والنيل من الخلفاء الثلاثة الأوائل وأم المؤمنين وأهل السنة والجماعة وإطلاق صِفة “العُمَريّين” عليهم وفي الوقت ذاته شتم الخليفة الفاروق ونعته بأبشع الصفات والألقاب.
رابعا:الهيكلية
يتخذ جيش العدل من المناطق الحدودية بين إيران وباكستان مقرا له، ويتألف “جيش العدل” من ثلاث كتائب تحمل أسماء ثلاثة من عناصره الذين قتلوا في مواجهات عسكرية مع القوات الإيرانية، وهم: عبدالملك ملازاده، نعمة الله توحیدي، وشیخ ضیائي، بالإضافة إلى كتيبة أمنية تقوم بمهام الرصد والاطلاع.ولقائد “جيش العدل” علاقات وثيقة بقبائل البلوش في منطقة بلوشستان الباكستانية وتربطه ببعضهم صلة قرابة وعاش بضع سنوات بينهم. ويعتبر فاروقي القائد والعقل الإستراتيجي للجماعة في بلوشستان.
خامسًا: العمليات العسكرية
نفذت جماعة “جيش العدل” -حسب موقعها على تويتر- عدة هجمات ضد قوات الأمن الإيرانية، منها على سبيل المثال وليس الحصر: ففي 23 تشرين الأول/أكتوبر 2013 قتلت 14 من الحرس الثوري الإيراني، وفي 26 تشرين الثاني/نوفمبر التالي أكدت الجماعة إسقاطها مروحية. وفي 23 آذار/مارس 2014 أعدمت عنصرا من الحرس الثوري الإيراني،وفي 6شباط/فبراير 2016 خطفت خمسة إيرانيين قرب الحدود مع باكستان وجرى نقلهم -حسب مزاعم إيرانية- إلى باكستان. وفي كانون الثاني/يناير من العام الحالي استهدفت كتائب “عبدالملك ملا زادة” التابعة لجيش العدل، دوريتين لحرس الحدود الإيراني في منطقة “جكيغور” بمدينة زابل شمال شرقي إقليم بلوشستان؛ أسفرت عن قتل وجرح عدد كبير من قادة وضباط الحرس الثوري. غير أن أبرز العمليات التي استفزت إيران كانت يوم 26 نيسان/إبريل الحالي في منطقة مير جاوه، حيث قتل عشرة من عناصر الحرس الثوري بينهم ثلاثة ضباط.
وبعد هذه العملية الأخيرة، أكد جيش العدل أنه سيواصل معركته ضد النظام الإيراني طالما لم يكف عن سياساته العنصرية والتميزية ضد الشعوب غير الفارسية وأهل السُنّة والجماعة، وأضاف أن طهران تنتهج سياسة تدمير البشر والجغرافيا في آن واحد في المناطق غير الفارسية، وأنها شكلت محاكم لتفتيش العقائد في البلاد، وأنها وضعت عشرات الآلاف في السجون، فضلاً على إعدام آلاف آخرين.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة