تعمل عدد من البلدان العربية على إطلاق خطط طويلة المدى للتطوير والإصلاح، لكن وحتى تكون هذه الخطط مكتملة الأهداف والنتائج يجب أن يوازيها بالضرورة تحسن في الصورة التي يرسمها الآخرون عنهم؛ حيث لا تزال صورة المجتمعات العربية لدى الغرب سلبية ومشوّهة، على الرغم من ملايين الدولارات التي يتم إنفاقها على شركات العلاقات العامة الدولية لتحسين الصورة.
قبل أيام فتحت الأبحاث والدراسات الصادمة التي عرضها منتدى الإعلام العربي في نادي دبي للصحافة الباب أمام العديد من التساؤلات حول أدوار شركات العلاقات العامة الدولية التي تلجأ إليها بعض الدول العربية لتحسين صورتها، كما عبّرت عن الحاجة للبحث عن مصادر غير تقليدية للوصول إلى الجمهور الغربي من خلال الوسائل التكنولوجية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي.
وكشف التقرير الذي أعده نادي دبي وتم عرضه مطلع الشهر الجاري بعنوان “نظرة الشعب الأميركي إلى العالم العربي” عن وجود أزمة متفاقمة في التواصل مع شعوب البلدان الغربية، وأفاد بأن 65 بالمئة من الأميركيين لا يعلمون الكثير عن العالم العربي، كما أن 81 بالمئة منهم غير قادرين أصلا على تحديد موقع البلدان العربية على خارطة العالم.
أشار التقرير إلى أن 76 بالمئة من المستطلعة آراؤهم، (عيّنة من ألفي شخص تم التوصل إليهم عبر الإنترنت)، قالوا إنهم لا يرغبون في السفر إلى إحدى الدول العربية، وارتبط ذلك بأن نحو 22 بالمئة من هؤلاء يعتبرون أن المحتوى الذي يقدم بخصوص البلدان العربية في وسائل الإعلام الأميركية “كئيب وسلبي”.
جاءت تلك الأرقام في وقت يشهد فيه العالم العربي جدلا متصاعدا بشأن ما تمّ الإعلان عنه في وسائل إعلام غربية عن تعاقد كلّ من مصر والمملكة العربية السعودية مع شركات دولية لتحسين صورتيهما داخل البلدان الغربية، واستعانة البلدين وغيرهما من بلدان العالم العربي والشرق الأوسط بهذه الشركات منذ سنوات طويلة لم تكن له نتائج ملموسة في تغيير الصورة الذهنية لدى الغرب عن العرب.
بحسب العديد من خبراء الإعلام فإن محاولات إعادة صياغة الصورة العربية لدى العقل الغربي بدأت منذ عام 1980 من خلال تنظيم أول مؤتمر دولي لتوضيح صورة العرب بمشاركة باحثين أجانب وعرب، وهو الوقت ذاته الذي بدأ فيه تعرض العديد من البلدان العربية لحملات ممنهجة لتشويه صورتها إثر تصاعد عمليات الجماعات والتنظيمات الإرهابية.
قال حسين أمين أستاذ الإعلام بالجامعة الأميركية بالقاهرة لـ”العرب” إن ما أفرزته نتائج الأبحاث الأخيرة لا يشير إلى وجود مشكلات عربية في التواصل مع الشعوب الغربية فقط، لكنه يبرهن على وجود قصور ثقافي وتعليمي غربي لا يركز على الصورة الإيجابية للعرب، كما أن الإعلام الأميركي بصفه خاصة ينصبّ اهتمامه فقط على ما يجري في الداخل الأميركي، وبالتالي فإن الأخبار والأحداث الدولية لا تستدعي انتباههم.
وبحسب دراسات أجراها باحثون عرب حول صورة الشخص العربي في الكتب المدرسية الثانوية بالولايات المتحدة فإنها ركزت على إبراز “البداوة” كأهم العناصر في الوطن العربي، مع تأكيد العناصر السلبية البدوية كعمليات الإغارة والسلب دون ذكر للأمانة وكرم الضيافة، والتركيز على فقر المزارعين العرب وتصوير المدن العربية بأنها تزخر بالعاطلين عن العمل مع قلة من أصحاب الملايين يركبون السيارات الفارهة.
وأضاف أمين أن فشل أدوار شركات العلاقات العامة يرتبط أكثر بالأوضاع التي تعانيها البلدان العربية والتي يستحيل معها تحسين الصورة الذهنية في ظل تصاعد منحيات العنف داخل عدد من البلدان، بالإضافة إلى توجيه عدد من وسائل الإعلام الغربية رسائل سلبية مقصودة عن العالم العربي تعمل لصالح أهداف بعينها، وهو ما يُصعّب من مهام هذه الشركات التي تجد نفسها أمام فيضان من الأخبار السلبية.
وأشار إلى أن جزءا كبيرا من الصورة الذهنية السلبية تجاه البلدان العربية تتحكم فيها سياسات دولية بعيدا عن الأدوار المهنية للإعلام الغربي وما يساعد على ذلك انتشار الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تقوم بعملياتها داخل البلدان العربية وفي أوروبا وأميركا أيضا، وهو أمر لا يتحمّل مسؤوليته العرب وحدهم بل إن هناك قوى إقليمية ودولية تدعم هذه الجماعات بالمال والسلاح، وبالتالي فإن تحسين الصورة ينبغي أن تشارك فيه البلدان الغربية أيضا وليس العرب بمفردهم.
غير أنّ أمين اشترط أن تكون هناك متابعة دقيقة لما تنشره تلك الشركات الإعلامية بشأن الأوضاع العربية والتحقق من النتائج التي وصلت إليها حتى لا يبدو وكأنها تحرث في المياه كما كان يحدث في السابق.
أشار العديد من خبراء الإعلام إلى أن معضلة البلدان العربية بالأساس تتعلق بتطبيق نظريات بناء الصورة الذهنية والتي تؤكد أن هدم الصورة يكون أسهل كثيرا من عملية البناء، فما يجري من مشكلات داخلية عند العرب يمكن أن يترك آثارا في الخارج ما يتسبّب في هدم الصورة الذهنية الإيجابية، وبالتالي فإن محاولة تصحيح الصورة تحتاج جهودا ضخمة.
أيضا قد يكون غياب الهدف من وراء الحملات الدعائية العربية سببا في ما يتعلق بتصحيح الصورة، فوسائل الإعلام تقوم بعدة أهداف منها تكوين الرأي العام وتشكيل الوعي المجتمعي وتعبئة الجماهير وإجراء عمليات غسل للأدمغة، وغالبا ما تلعب معظم الشركات على هذه الأهداف غير أن ما تحتاجه البلدان العربية هو تهيئة الرأي العام العالمي لتقبّل ما تبثه تلك الشركات وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل غياب الوعي الغربي لدى الكثيرين تجاه العالم العربي.
وذهب البعض إلى التأكيد على أن كثافة الوسائل الإعلامية تصعّب من مهمة وصول شركات العلاقات العامة إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور. وتشير الإحصاءات إلى أن الولايات المتحدة على سبيل المثال لديها أكثر من 9000 محطة تليفزيونية و11000 محطة إذاعية بالإضافة إلى أكثر من 15 ألف وسيلة إلكترونية متنوعة، وبالتالي فإن نجاح أيّ من تلك الحملات يرتبط بالتركيز على الشبكات الكبرى التي تجذب الجمهور وهو ما سينعكس على القيمة المادية لما يتم الترويج له.
كانت أدوار تلك الشركات تأتي بنتائج إيجابية أكثر خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي إلا أنه مع دخول الألفية الجديدة ووقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 حدثت انتكاسة في تأثير هذه الشركات، وبالتالي أضحى من المستحيل عليها أن توقف أو تنفي أحداثًا حقيقية وقعت بالفعل في العالم العربي أو ارتبطت به عقب تنامي التنظيمات الإرهابية.
وأكدت ليلى عبدالمجيد أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة لـ”العرب” أن التعامل مع شركات العلاقات العامة باعتبارها فقط دعائية وترويجية بالدرجة الأولى يقف عائقا أمام نجاحها في تحقيق أهدافها، وبالتالي فإن الأمر لا بد أن يرتبط بسياسات عامة تضعها الدول العربية لتحسين الصورة يكون من ضمنها الاعتماد على هذه الشركات.
وأضافت أنّ هناك وسائل عديدة يمكن خلالها للعرب من تحسين صورتهم دون اللجوء إلى شركات دولية تجهل طبيعة الأوضاع الداخلية للعديد من الدول، أوّلها مواقع التواصل الاجتماعي التي تعدّ بمثابة قنوات مفتوحة ممكن توضيح الصورة من خلالها، بالإضافة إلى ضرورة تدشين قنوات عربية إقليمية بلغات مختلفة تعمل على الأمر ذاته وبالتالي فإن غياب التنسيق العربي يعد عاملا رئيسيا للفشل.
ولفتت إلى أن هناك عوامل سياسية تحكم مسألة نجاح العلاقات العامة في تحقيق أهدافها من عدمه. وبالنظر إلى النماذج الغربية التي عملت على تسخير العلاقات العامة في الحقل السياسي فإنها دأبت على اللجوء إليها في مراحل صنع واتخاذ وتنفيذ القرارات السياسية والعسكرية، وذلك لتهيئة الأجواء المناسبة لتنفيذ هذه القرارات، بالإضافة إلى تركيزها على الحشد الجماهيري لما تتخذه من قرارات سياسية لا تتعلق بمصير شعوبها فقط ولكن على المستوى العالمي، ما يمكنها من خلق التحالفات الاستراتيجية.
العرب اللندنية