القاهرة – دخلت مصر أزمة كل عام، إذ تستعد مئات الآلاف من الأسر المصرية إلى اقتراب امتحانات الثانوية العامة التي تفرض على المصريين إجراءات مثيلة بـ”العقاب الجماعي”.
ويسيطر القلق والتوتر على أكثر من نصف مليون أسرة، بدءا من فرض هدوء إجباري في المنزل وغلق التلفزيون وقطع شبكة الإنترنت وتحول الأمهات إلى حارسات على الطالب المحبوس “اختياريا” في غرفته.
وهذه هي شهور المحصلة التي أنفقت عائلات مصرية آلاف الدولارات من أجل الوصول إليها. وستستمر امتحانات الثانوية العامة لما بعد عيد الفطر المبارك، بعدما قررت وزارة التربية والتعليم إجراءها خلال شهر رمضان بدءا من يوم 5 يونيو المقبل.
وتقول فريدة محمود، وهي أم آية الطالبة في مدرسة متولي الشعراوي الثانوية بالقاهرة، لـ”العرب” إنها قائمة على خدمة ابنتها “حتى يتسنى لها التركيز في المذاكرة وحفظ الدروس. مهمتي هي توفير كل مطالبها دون جدال”.
وتشبه فريدة الآلاف من الأمهات اللاتي يسهرن على التأكد من أن شيئا لن ينغص الهدوء والتركيز اللذين يبحث عنهما الطالب. وتتوقف حياة الأسرة تدريجيا مع اقتراب موعد الامتحانات.
وقالت فريدة “أصبح ممنوعا التحدث بصوت مرتفع أو فتح التلفزيون لفترة طويلة، كما تم قطع شبكة الإنترنت عن المنزل حتى لا تستخدمه وتضيع وقتها”.
وأضافت أنه “في العموم قد لا نشاهد التلفزيون إلا خلال حصول ابنتي على الدرس الخصوصي في الخارج”.
ويتوقف مسار حياة الطالب في مصر على السنة الثالثة والأخيرة من مرحلة الثانوية العامة، إذ يقرر المجموع الذي يحصّله في نهاية العام الكلية التي سيلتحق بها في المستقبل.
ويؤدي الطالب الامتحانات في سبع مواد دراسية. ويمتد كل امتحان إلى 3 ساعات.
ويلعب المدرس الخصوصي الدور المحوري في مسار الطالب على مدار العام، إذ ارتفعت تكلفة الدروس الخصوصية في مجتمع يعاني أزمة اقتصادية طاحنة.
لكن أولياء الأمور لا يملكون سوى تلبية كل احتياجات المدرس، الذي يمثل ابنهم بالنسبة إليه رقما من بين المئات من الطلاب الذين يتوافدون على مركز (سنتر) مقسم إلى قاعات تظل مزدحمة طوال اليوم.
وتدفع فريدة نحو 18 ألف جنيه (ألف دولار أميركي) شهريا مقابل مجمل الدروس الخصوصية التي تشترك فيها ابنتها لأشهر عديدة.
ويقع عبء توفير هذه الأموال على عاتق الأب، الذي عادة ما يلجأ إلى حرمان الأسرة من الكثير من احتياجاتها الضرورية في سبيل تسديد ثمن الدروس الخصوصية التي لا تتوقف إلا ليلة الامتحان.
ويفرض حسن رزق، زوج فريدة، على نفسه حظرا يصل حتى إلى هواياته المفضلة.
ويقول حسن لـ”العرب” إنه “رغم أنني من هواة مشاهدة كرة القدم أضطر إلى ممارسة هذه الهواية في أحد المقاهي القريبة من البيت”.
وأضاف “فرضنا على حياتنا داخل الأسرة نظاما أقرب للطوارئ بسببها، وحلمي بعد كل هذه المعاناة أن تصبح آية طبيبة”.
وطموح العائلة لمستقبل ابنها هو أكبر ضغط غير مباشر عليه، إذ يصاب الكثير من الطلاب بحالات نفسية يشوبها الانغلاق والعزلة.
ومن بين هؤلاء الطلاب يارا إبراهيم، التي تقول إنها تلجأ إلى الضحك طوال الوقت حتى تخرج مما تعتبره “سجنا” من الضغوط التي يمارسها عليها أفراد الأسرة. وأصبح سؤال “لماذا لا تذاكري دروسك؟” إحدى أدوات هذا الضغط الذي يستمر طوال الشهور السابقة على الامتحانات.
وتقول يارا، التي تقيم في محافظة الجيزة، لـ”العرب” إن يومها بسيط يشمل فقط “إغلاق باب الغرفة على نفسي لساعات طويلة.. فقط أخرج لفعل شيء داخل المنزل في دقائق وأعود إلى غرفتي مجددا”.
وأضافت “انقطعت علاقتي بكل أصدقائي وعائلتي، أختلس بضع ثوان لمطالعة مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا أكون مغيّبة عن العالم، فأسرتي تراقبني باستمرار”.
العرب اللندنية