الحلف الأمريكي الإسرائيلي حلف عقائدي عسكري، تُغذّيه النبوءات التّوراتية والإنجيلية المُحرّفة، التي تصلُ إلى ترسيخ فكرة أنّ العرب المسلمين والمسيحيين الذين يدافعون عن أرضهم فلسطين ويقاومون الاحتلال الصّهيوني، إنّما يمنعون تحقيق إرادة الله بإعطاء أرض فلسطين لليهود «الشعب المختار».
وعلى هذا الأساس فكلّ تعطيل لسيطرة إسرائيل على كامل فلسطين، وإقامة الهيكل مكان المسجد الأقصى، إنّما هو تأخير لمجيء المسيح، حسب الاعتقاد اليهودي المسيحي. وبناء على ذلك تمُدّ أمريكا إسرائيل بكلّ أنواع الأسلحة، وتجد نفسها مُلزمة عقائديّا بتسليحها ما أمكنها ذلك، لأنّ المعركة الكبرى بين إسرائيل وأعدائها تحتاج كلّ ذلك. ولضمان انتصار إسرائيل يجب أن تكون الأقوى في المنطقة، ولهذا المعتقد تأثير واسع داخل أوساط الشعب الأمريكي، ومن الغباء أن يطلب العرب من الصّهيونية العالمية أن تحميهم من الصّهيونية الإسرائيلية داخل الشرق الأوسط.
ومن جهة أخرى فإنّ الإدارة الموزّعة للولايات المتحدة مكّنت اللوبيات المختلفة من إيجاد الطّرق للتّأثير في عملية السياسة، والتّخطيط عن طريق كسب تأييد أعضاء في الكونغرس أو في مجلس الشيوخ، وقد لا يكتفي اللوبي الاسرائيلي بالفرع التشريعي، بل يكسب ولاء وتأييد ممثّلين مُنتخبين في الفرع التنفيذي أيضا، هذا إضافة إلى التسلّل إلى الإعلام بمختلف أصنافه والتأثير في الرأي العام، وتقديم الدّعم المناسب في الحملات الانتخابية، والتصويت لصالح من يُناصر إسرائيل ويتبنّى عنجهيتها ويُجاهر بدعمه لها، وضمان الولاء الأمريكي لهذا الكيان.
هكذا يسعى اللوبي الإسرائيلي في أمريكا إلى التأثير في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتلميع صورة إسرائيل بتقديم التلفيق الأسطوري عن بدايات تأسيسها، وزيف مواقفها في الجدل السياسي المعاصر. وبطبيعة الحال منع انتقادها وكشف وجهها الإجرامي وعقيدتها العنصرية وحاضرها الدموي المتواصل. وقد استطاع اللوبي الاسرائيلي أن يلجم أصوات المنتقدين المحتملين في الكونغرس، وليس هناك على الإطلاق جدل سياسي أو أخلاقي متعلّق بإسرائيل بالإمكان إثارته داخل ذلك المبنى، فعندما يكون أبرز الأعضاء الرئيسيين في الكونغرس، وفي مجلس الشيوخ صهاينة مسيحيين ويهودا، فإنّ العبارة التي ستتردّد هناك دائما أنّ الأولوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة هي حماية إسرائيل. فهم عاكفون شيوخا ونوابا على توظيف سياسة أمريكا الخارجية لدعم مصالح إسرائيل بشكل مطلق في أحيان كثيرة.
ولمّا كان الأمر كذلك فإنّ المال السياسي الذي يُقدّمه الايباك، أقوى لوبي ضغط يشتغل لصالح إسرائيل في الولايات المتحدة، هو أحد العوامل الحاسمة في انتخابات أمريكا، فهذا التنظيم يُكافئ بشكل جيّد مُناصريه، وفي المقابل يُعاقب مناوئيه عبر دعم خصومهم في الانتخابات وتأليب الرأي العام ضدّهم بتشجيع الصّحف على مدح منافسيهم.
مثل هذا النظام السياسي الأمريكي الذي استغلّه اللوبي اليهودي، ونجح في قيادة العقل السياسي الأمريكي وتوجيهه صوب مصالح إسرائيل، لم ينجح العرب في التعامل معه بشكل يوازي التعامل الإسرائيلي، إمّا عن جهل بطبيعة هذا النظام السياسي، الذي يقود المعسكر الرأسمالي العالمي، والاكتفاء بشعور التخوّف الذي ساد الخطاب السياسي العربي الرسمي وغير الرسمي، وكثيرا ما عبّر عن نفسه بترقّب انتخابات أمريكية تأتي برئيس أقلّ عدائية للعرب، أو أنّ الامكانات البشرية والمالية العربية مشتّتة ومُعطّلة، تأثّرت بالخلافات العربية العربية، ما أفقدها التخطيط المنهجي والاستشراف الأكاديمي والبحثي، الذي يمكن أن تنهض به مراكز الدراسات والأبحاث، كما هو الشأن في الطرف الآخر الذي أثّر في المعطيات الدولية، سواء في السياسة أو الاقتصاد، ونجح في السيطرة على المؤسسات صانعة القرار الأمريكي، فهل من استفاقة للخلاص من هذا الإحراج؟ أم أن الأمر يصلح أن يُرفع إلى محكمة الأحفاد، على أن يُرفق بشهادة في التقصير.
لطفي العبيدي
صحيفة القدس العربي