على ضوء التقرير المذهل الذي فجرته صحيفة الواشنطن بوست قبل أسبوعين تقريباً، والذي ادعى أن الرئيس دونالد ترامب كشف النقاب عن معلومات سرية تتعلق بتنظيم “داعش” لمسؤولين روس كبار زاروا البيت الأبيض، سيكون تقديم تفسير موجز لمستويات السرية مساعداً لأولئك الذين لا يعرفونها.
وفق التغطية الصحفية، وصف مسؤول أميركي على دراية بالموضوع المعلومات التي تقاسمها ترامب بأنها “معلومات كلمات مرمَّزة”، وأن شريكاً أميركياً قدمها. والنتيجة هي أنها إذا كانت تلك التغطية الإخبارية دقيقة، فإن ما فعله ترامب يشكل هفوة رئيسية لها تداعيات حقيقية على الأمن القومي وعواقب دبلوماسية.
مستويات تصنيف السرية، وفق نظام تصاعدي، هي: سري بدرجة قليلة confidential؛ وسري secret؛ وسري للغاية top secret. ولكل من هذه المستويات تعريف مطابق، والذي تسنده إلى المعلومات معظم الوكالات الفدرالية. مثلاً، سري للغاية تعني “معلومات يتوقع أن يفضي الكشف غير المخول عنها إلى إلحاق ضرر بالغ بالأمن القومي”.
على أساس هذه التصنيفات، تضع وكالات المخابرات (وكالة المخابرات المركزية “سي. آي. إيه”، ووكالة الأمن القومي) المعلومات ذات الأصل المخابراتي في “حجيرات”. وللوصول إلى هذه المعلومات الاستخبارية، يجب أن يحصل المرء على موافقة عامة على الدخول إلى “المعلومات الحساسة في الحجيرة” (تدعى SCI)، وكذلك للحجيرة المحددة. ويمكن وضع المعلومات الأكثر حساسية في داخل “حجيرات فرعية” لا تصل إليها إلا مجموعة أكثر تحديداً. وغالباً ما يكون ذلك بسبب المصادر الحساسة جداً والطرق التي استخدمت للحصول عليها.
التصريح الأمني رفيع المستوى الذي يتلقاه العديد من مسؤولي الأمن القومي هو من درجة تخولهم برؤية المعلومات فائقة السرية، ودخول حجيرات المعلومات بالغة السرية والحجيرات الفرعية. وترصد وكالة المخابرات التي تدير هذه الحجيرات عدد وهوية الناس الذين يرتادون حجيرات وحجيرات فرعية محددة.
يكمن فوق كل هذا مفهوم “الحاجة إلى المعرفة” -بحيث أنه حتى لو كان الشخص يملك التخويل اللازم ويقرأ في الحجرة الصحيحة، يجب أن يمنح الوصول فقط إلى معلومات إذا كانت له حاجة واضحة لمعرفتها.
أما معلومات “الكلمات المرمزة”- مثل تلك التي أشار إليها تقرير الواشنطن بوست (والذي أكدته منذئذٍ مؤسسات الأخبار، بزفيد ونيويورك تايمز ورويترز) فتشير عموماً إلى أن هذه المعلومات فائفة الحساسية وموضوعة في حجيرات رئيسية أو حجيرات ثانوية. ويشتق المصطلح من حقيقة أن هناك اسم (كلمة رمزية) لكل حجيرة أو حجيرة فرعية. وفي بعض الحالات، تكون هذه الأسماء نفسها قيد السرية.
بالإضافة إلى ذلك، تتلقى الولايات المتحدة معلومات من أجهزة مخابرات أجنبية، والتي تستطيع هي نفسها فرض قيود إضافية على مشاركة المعلومات، استناداً إلى حساسياتها ومتطلباتها الخاصة. وبشكل عام، إذا تلقت الولايات المتحدة معلومات استخبارية من حكومة شريكة (أ)، فإنها لا تتقاسم تلك المعلومات مع الحكومة الشريكة “ب” ما لم تعط الحكومة الشريكة (أ) الإذن بذلك.
تدعي تغطية الواشنطن بوست أن المعلومات التي تقاسمها ترامب مع الروس كانت من فئة كلمات مرمزة ومستقاة من حكومة شريكة. وبينما ما تزال الحقائق تتكشف، فإن هذه الممارسة -إذا كانت صحيحة- تشكل فشلاً خطيراً في حماية مصادر وأسليب بالغة الحساسية.
(في بيانه المصاغ بدقة، أكد الجنرال مكماستر أنه لم يتم في أي وقت من الأوقات بحث المصادر أو الأساليب المخابراتية”. لكن، حتى مع ذلك، فإن بحث وجود أو تفاصيل مؤامرة معينة يمكن أن يكشف في حد ذاته عن وجود المصادر والأساليب التي تم من خلالها الحصول عليها).
بالإضافة إلى ذلك، لن يقوض ذلك علاقاتنا المخابراتية موضع البحث وحسب، وإنما أيضاً مع الحكومات الأخرى التي نتقاسم معها المعلومات.
من المؤكد أن الرئيس ترامب لم يعرض نفسه لخطر قانوني -يصدر نظام السرية عن الرئيس عبر مرسوم تنفيذي، ومن صلاحياته الخروج عنه. ومع ذلك، لو أن مسؤولاً أميركياً آخر كشف عن معلومات بمثل حساسية ما ذكر، فسوف يُسحب تخويله الأمني على الأرجح وقد يواجه تداعيات جنائية أو إدارية.
بالنسبة للرئيس، فقد تكون التداعيات -إذا وجدت- سياسية. أما بالنسبة لأمننا القومي، وعلاقاتنا الخاصة بتقاسم المعلومات الاستخبارية، فقد تكون التداعيات أسوأ.
جوناثان لي
صحيفة الغد