دمشق – تعكس جملة من المؤشرات أن الهدنة التي أعلنها الجيش السوري، والتي انتهت الأحد مع إمكانية كبيرة لتمديدها في محافظة درعا جنوب سوريا، أتت بتوافق روسي أميركي.
وكانت واشنطن أول من حث الجيش على تطبيق الخطوة داعية الفصائل إلى وقف العمليات العسكرية في درعا لدعم الهدنة والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.
وأعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت في بيان لها أن الولايات المتحدة ستقيم المبادرة (إعلان الجيش السوري) انطلاقا من نتائجها، لا من الكلام، وحثت دمشق على الالتزام بمسؤولياتها بموجب الهدنة المعلنة.
وقالت نويرت “يجب على المعارضة من جانبها وقف الهجمات أيضا، للسماح باستمرار الهدنة، كما نأمل تمديدها، بالإضافة إلى إدخال المساعدات الإنسانية للمحتاجين”.
ولم تعلن غرفة عمليات “البنيان المرصوص” التي تقود معركة “الموت ولا المذلة” في درعا عن موقفها من الهدنة، لكنها تبدو ملتزمة على الأرض بوقف المعارك.
وأعلنت القيادة العامة للجيش السوري في بيان السبت “وقف العمليات القتالية” اعتبارا من ظهر السبت “في مدينة درعا لمدة 48 ساعة وذلك دعما لجهود المصالحة الوطنية”.
وتسيطر الفصائل المعارضة على حوالي 60 بالمئة من مدينة درعا فيما تعتبر المحافظة ككل من آخر المعاقل المتبقية لقوى المعارضة في البلاد.
وتفتح هذه الهدنة المؤقتة الباب أمام إمكانية أن تتوصل واشنطن وموسكو إلى توافق حول إقامة منطقة تخفيف تصعيد في الجنوب السوري.
ودرعا بين المناطق الواردة في خطة “مناطق تخفيف التصعيد” التي اتفقت عليها حليفتا النظام السوري روسيا وإيران وداعمة المعارضة تركيا سابقا في العام الجاري، لكن سجلت تحفظات كبيرة عليها من قبل الولايات المتحدة لجهة الدور الإيراني.
وشهدت درعا في يونيو الجاري تصعيدا لافتا من قبل النظام السوري، بدعم كثيف من الطيران الروسي، الذي تراجع زخمه في الأيام الأخيرة، ما فهم منه رغبة روسية في إعطاء فرصة للمحادثات مع الولايات المتحدة.
ويجري مسؤولون أميركيون وروس محادثات في العاصمة الأردنية عمان، تتركز أساسا على منطقة خفض التصعيد في الجنوب ومن سيتولى الإشراف عليها، وتقول أوساط من المعارضة السورية إن هناك تقدما في هذا الجانب.
محمد المومني: الأردن يدعم الجهود التي تبذل لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار في سوريا
وأعلن الأردن ليل السبت الأحد دعمه للجهود المبذولة لوقف إطلاق نار شامل في سوريا وذلك بعد إعلان الهدنة، التي يمكن القول إنها صمدت رغم بعض الخروقات.
والأردن هو أحد الفاعلين الرئيسيين في الجنوب السوري حيث يدعم عدد من الفصائل في هذا الشطر، وهو يحتضن غرفة عمليات المعارضة على أراضيه.
وقال وزير الدولة الأردني لشؤون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء الأردنية “بترا” إن “الأردن يدعم جميع الجهود والمبادرات التي تبذل لتحقيق وقف شامل لإطلاق النار على كل الأراضي السورية”.
وشدد المومني على “أهمية اتفاق الهدنة الذي أعلن عنه السبت في الجنوب السوري لمدة 48 ساعة”. وعبر عن أمله بـ”التزام كافة الأطراف لتنفيذ الاتفاق”، مؤكدا “أهمية وقف إطلاق النار للتخفيف على الأشقاء السوريين خاصة المحتاجين لوصول المساعدات الإنسانية”.
ولعمان تحفظات أيضا على اتفاق تخفيف التصعيد، لجهة رفضها قبول أي وجود إيراني على حدودها الشمالية.
وسبق وأن حذر الأردن الذي يشارك في محادثات أستانة من نوايا إيران تكريس موطئ قدم لها في الجنوب الأمر الذي يشكل تهديدا جديا لأمنه القومي، ويعرقل إمكانية التوصل إلى حل للأزمة.
وجدد المومني “موقف الأردن الداعي إلى ضرورة العمل عبر مسار جنيف لإيجاد حل سياسي للأزمة يقبله السوريون ويضمن وحدة سوريا وتماسكها ويحمي سيادتها”.
وترافق إعلان الهدنة مع إبداء الأمم المتحدة رغبة في بدء جولة جديدة من محادثات السلام بين الأطراف السورية في العاشر من يوليو القادم في جنيف، في حين قالت موسكو إنها تأمل في عقد محادثات في أستانة عاصمة قازاخستان في الرابع والخامس من الشهر ذاته.
ويرى محللون وخبراء استراتيجيون أن هناك حرصا أميركيا روسيا واضحا على التوصل إلى توافق بشأن منطقة تخفيف التصعيد في جنوب سوريا، لأن هناك وعيا عميقا بأن حل الأزمة يمر بداية عبر الجنوب.
وجنوب سوريا يجاور إسرائيل الحليف الاستراتيجي بالنسبة للولايات المتحدة، التي تضع في الاعتبار أمنه أولوية لها، وبالتالي لا يمكن لها السماح بوجود إيراني في هذا الجانب، وللحيلولة دون ذلك لا مفر من التوصل إلى تسوية مع روسيا في تلك المنطقة.
وعلى المقلب الآخر فإن هناك حرصا واضحا من جانب موسكو على إنجاح مبادرة مناطق خفض التوتر التي أطلقتها، وهي على قناعة بأن نجاح هذه المبادرة سيكون السبيل الأمثل نحو حل الأزمة السورية التي ناهزت عامها السابع.
وسبق وأن صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقائه الإعلامي السنوي قبل أيام بأنه واهم من يعتقد أنه يمكن تسوية النزاع السوري دون التعاون مع الولايات المتحدة. وانخرطت روسيا مباشرة في النزاع السوري منذ سبتمبر 2015، بعد أن بدا أن النظام قد أوشك على الانهيار في ظل سيطرة فصائل المعارضة على مساحات واسعة من سوريا.
ومكن التدخل الروسي النظام من التقاط أنفاسه، وقلب المعادلة من الدفاع إلى الهجوم، ونجح في استعادة العديد من المناطق والمدن الكبرى على غرار حلب واليوم عينه على درعا.
ويقول متابعون إن روسيا تدرك أنه ورغم تأثيرها الواضح على مجريات الأمور في سوريا بيد أنه لا مناص من التعاون مع واشنطن التي عززت من حضورها العسكري على هذه الساحة في الأشهر الأخيرة، ولا تريد موسكو أن تتحول سوريا إلى ساحة استنزاف بالنسبة لها، وهو الأمر الذي يدفعها إلى البحث عن مساحات مشتركة مع الأميركيين قد يكون منطلقها الجنوب.
ورحبت القاهرة الأحد بالهدنة في درعا، داعية المعارضة إلى “الإعلان عن وقف إطلاق النار من جانبها أيضا، تنفيذا لاتفاق مناطق تخفيف التوتر الأربع، الذي تتطلع مصر إلى أن يكون خطوة نحو وقف دائم وشامل لإطلاق النار في جميع الأراضي السورية”.
العرب اللندنية