النجف (العراق) – عبرت التظاهرات التي شهدتها مدينة النجف الأشرف مساء الخميس في العراق عن الاستياء والغضب المتصاعد جراء الفساد الحكومي وضعف الخدمات في مدينة تعتبر حاضنة للأحزاب الشيعية الحاكمة، في الوقت الذي لم تحل فيه الحرب على تنظيم داعش دون استمرار المطالبة بالإصلاح.
ولم يتأخر رد فعل العراقيين كثيرا على سوء أداء منظومة الكهرباء الوطنية، مع تسجيل درجات الحرارة أرقاما قياسية قاربت الخمسين مئوية، خلال الصيف الجاري، إذ شهدت إحدى أكثر المدن هدوءا، وهي النجف، حيث معقل المرجعية الدينية العليا، تظاهرات غاضبة حاولت قوات الأمن تفريقها بالقوة، ما تسبب في سقوط ضحايا.
وتجمع سكان غاضبون في حي الشرطة، جنوب النجف، قرب مجمع لإسكان طلبة الحوزة العلمية، منددين بوجود تيار كهربائي ثابت فيه، مقابل انقطاعه ساعات عن مناطقهم.
وأحرق المحتجون في تظاهرات وصفت بانفجار قِدْر الضغط العراقي، إطارات سيارات، وأغلقوا عددا من الشوارع، فيما هتفوا ضد حكومة النجف المحلية والحكومة المركزية برئاسة حيدر العبادي.
وقال محتجون إن “مسؤولي المحافظة ينعمون بالتيار الكهربائي، ويوزعونه على من يريدون، ويحرمون السكان الفقراء منه”.
وانخفض معدل تجهيز السكان بالتيار الكهربائي في معظم مناطق العراق منذ منتصف الشهر الماضي مع الارتفاع المطّرد في درجات الحرارة، لكنه انحدر بشدة خلال الأسبوع الأخير من يونيو الذي وصلت فيه درجات الحرارة إلى الـ50 مئوية.
ويسكن في هذا المجمع الذي تجمع المتظاهرون بالقرب منه، العشرات من الطلبة الأفغان والباكستانيين، وتديره الحوزة الشيعية في النجف.
ووفقا لخبراء في شؤون المرجعية الدينية بالعراق، فإن تظاهرة تستهدف مجمعا طلابيا يرتبط بحوزة النجف، يعكس مستوى الغضب الجماهيري الكبير على سوء الخدمات التي تقدمها مختلف أجهزة الدولة.
وفور شيوع أنباء عن مقتل أحد المتظاهرين تحولت التظاهرة إلى صدام بين المحتجين وقوات الأمن، استمر حتى فجر الجمعة.
وقالت شرطة النجف إن التظاهرة بدأت سلمية، لكنها سرعان ما تحولت إلى أعمال شغب قطع خلالها المحتجون الطرقات وأحرقوا إطارات السيارات، نافية أن تكون هي مصدر الرصاص الحي الذي تخلل التظاهرة. وقالت إنها رصدت مصادر للنيران في أسطح بعض المنازل المحيطة بموقع التظاهرة.
وأرسلت وزارة الداخلية العراقية لجنة قالت إنها “رفيعة المستوى” للتحقيق في ملابسات الحادث، فيما أعلنت قيادة عمليات الفرات الأوسط، التي تتبع لها النجف أمنيا، اعتقال “مجموعة مندسة” تتبع “جهة دينية” لثبوت تورطها في “حرف مسار تظاهرة النجف السلمية”.
وقال قائد العمليات قيس المحمداوي، في مؤتمر صحافي، الجمعة، إن “المندسين استغلوا التظاهرات لتنفيذ أعمال تخريبية”.
ولم يحدد المحمداوي الجهة المتورطة، لكن مراقبين يرجحون أن القائد العسكري يشير إلى “جماعة الصرخي”، وهو تيار ديني شيعي يتهم بالتمرد على مرجعية علي السيستاني في النجف، ويطالب بمرجعية عربية، وعادة ما يتهم بالتورط في أحداث الشغب التي تشهدها مدن الفرات الأوسط.
وقال محافظ النجف لؤي الياسري، إن السلطات المختصة اعتقلت “مندسين” تسببوا في إثارة الشغب، واحتكوا برجال الأمن خلال تظاهرة ليل الخميس.
وأضاف أن “هؤلاء المندسين، حولوا حركة احتجاج ضد سوء التيار الكهربائي عن مسارها، بهدف زعزعة الأمن”.
وأقر بأن المناطق التي خرج سكانها للاحتجاج تشهد منذ 10 أيام “مشاكل في الخطوط الناقلة للكهرباء”، مشيرا إلى أن المتسببين في أحداث الشغب أرادوا “إرباك الوضع الأمني المستتب في النجف الأشرف، وكذلك قتل فرحة انتصارات قواتنا الأمنية والحشد الشعبي وإعلان تحرير الموصل الذي بات قريبا جدا”.
وفشلت الحكومة العراقية في تحويل الحرب على داعش إلى عنصر ضغط لإسكات مطالب العراقيين بالإصلاح ومكافحة الفساد، فضلا عن تحسين الخدمات التي شهدت تراجعا كبيرا منذ غزو 2003.
ولا تقتنع الجماهير العراقية الغاضبة من أداء القائمين على شؤون الحكم، بالتخلي عن الاحتجاج بذريعة عدم التشويش على استكمال المعركة ضد داعش، حيث لم ينفكّ المتظاهرون يخرجون إلى الشوارع، ما يعد مؤشرا على أنّ باقي أيام الصيف ستكون ساخنة بالغضب الشعبي.
والتيار الكهربائي، مشكلة مزمنة في العراق، إذ فشلت الحكومات المتعاقبة منذ 2003 في حلها.
وبرغم تخصيص مليارات الدولارات لهذا القطاع منذ 2003، إلا أن معظم محافظات البلاد تعاني انخفاض ساعات تجهيزها بالتيار الكهربائي، لا سيما خلال الصيف.
ولم ينجح البرلمان العراقي في إدانة أي من وزراء الكهرباء الذين تعاقبوا على هذا الملف منذ 2003، بالرغم من الحديث عن الفساد المالي، المتداول على نطاق واسع، والتقصير الواضح من قبل الجهة المختصة في اختيار الشركات المنفذة للمشاريع، ما تسبب في ضياع الأموال المخصصة للقطاع، من دون إحراز تقدم.
وقال متابعون للشأن العراقي إن الحكومة فشلت في التغطية على فشلها سواء من بوابة قدسية الحرب على داعش، أو بالرهان على العمق الطائفي للأغلبية الحاكمة، حيث سبق أن تظاهرت مدن محسوبة على الحكومة ضد سياساتها ورموزها، خاصة أن بعض تلك المدن تضرر من حكم الطائفة بشكل لافت مع توسع دائرة الفقر وتدني الخدمات.
ويزداد الأمر خطورة في نظر القادة العراقيين الشيعة حين تصدر تلك التحركّات الجماهيرية ضدّهم من مدن ومناطق يعتبرونها خزانهم الجماهيري ما يعني لهم خسارة شارعهم الذي لطالما شكّل لهم سندا في المناسبات الانتخابية وفي غيرها من حلقات الصراع على السلطة الذي يخوضونه باستمرار.
العرب اللندنية