طهران لا يمكن أن تحافظ على نفوذها في سياق إقليمي مستقر

طهران لا يمكن أن تحافظ على نفوذها في سياق إقليمي مستقر

 بعد أن هدأت ثورة فرحة الانتصار بـ”تحرير” مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية، وبدأت تظهر بشكل واضح تداعيات هذه المعركة وآثارها وسط تحذيرات من أن أشكالا جديدة من تنظيم داعش يمكن أن تنمو بين أنقاض المدينة المدمرة، وتصعد على أكتاف سياسات الحكومة وكيفية تعاملها مع هذه المدينة المفخخة.

وحذر الفريق ستيفن تاونسند، قائد التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، من أن الحرب ضد التنظيم لم تنته بعد رغم الانتصار التاريخي في الموصل، حيث أن التنظيم سيحاول طرح نفسه بصورة جديدة، ما لم تتمكن بغداد من مراجعة الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا التنظيم وإصلاح مكامن الخلل.

واليوم، وفي ظل الحديث عن تراجع تنظيم الدولة الإسلامية وانتهاء دوره في العراق، تتجه الأنظار نحو تلك الميليشيات التي وجدت لنفسها مبررا في الحرب ضد داعش، وتكونت إثر فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني. وفيما تحدثت مصادر عن إمكانية إصدار السيستاني فتوى تلغي فتوى الجهاد الكفائي، ذهبت مصادر أخرى إلى التحذير من أن إيران ستعمل على عرقلة ذلك وعرقلة أي مخطط يهدد مستقبل ميليشياتها وسيطرتها على العراق.

وتنشتر عبر أنحاء العراق الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران. ويكشف تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، مدى التغلغل الإيراني في جاره الغربي العراق، مشيرة إلى أن التدخل لا يقتصر فقط على الجانب العسكري، وإنما أيضا في ما يخص الحياة اليومية للعراقيين واقتصاد البلاد وسياستها وكل مجالات الحياة. وتقول الصحيفة إن “النفوذ الإيراني في العراق متنوع وواضح في الشؤون العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية”.

ولا يمكن لإيران أن تبقي نفوذها القوي في العراق، وأيضا في سوريا ولبنان، في سياق إقليمي مستقر لذلك ستعمل على توفير الأرضية التي ستؤدي وفق البعض من الخبراء إلى ظهور أشكال جديدة من تنظيم الدولة الإسلامية، فيما يذهب آخرون إلى القول إنها ستطور نسختها الخاصة بداعش. وقالت مصادر لـ”العرب” إن إيران تعمل، في الوقت الراهن، على بناء تشكيلات جديدة تنبثق عن الحرس الثوري، للعمل خارج حدودها، من خلال هيئة يطلق عليها (المجمع العالي لهيئة التعبئة العامة/ باسيج). ويمثل هذا المجمع قيادة لتشكيلات الحرس الجديدة خارج الحدود، وتكون موازية لقيادة هيئة التعبئة العامة داخل إيران، وتتمتع بالصلاحيات كافة، التي تتمتع بها الهيئة.

وأجمعت المصادر على أن لديها معلومات دقيقة عن أن النظام الإيراني استقطب عددا من مسلحي وقادة داعش التابعين له من الموصل وسوريا إلى إيران، لإعادة تنظيمهم تحت مسمى جديد، فيما رجّحت جهات أخرى فكرة أن تقوّي إيران ما يعرف بتنظيم خراسان ليكون بديلا عن داعش. وعلى الرغم من أن تنظيم خراسان هو تنظيم صغير إلا أن خطورته تكمن في أن أعضاءه ممن ينسقون مع صانعي القنابل في فرع القاعدة باليمن، وهناك دلائل تشير إلى أن بعض أعضاء تنظيم خراسان هم جزء من الوحدة الفرعية القناصة (النخبة) وكانت تعرف أيضا باسم قناصة تنظيم القاعدة.

ويشير مصدر أمني عراقي طلب عدم ذكر اسمه إلى أن الحرس الثوري نقل عددا من عناصر داعش سواء من الموصل أو من الرقة وأُسكنهم في أطراف مدن مريوان وجوانرو وباوه وروانسر في كردستان إيران، ونقل قسما آخر منهم إلى معسكر للحرس الثوري في مدينة نغدة، حيث تتم هناك عملية إعادة تدريب مسلحي هذا التنظيم على النشاطات الإرهابية وفنون الحرب. وتلفت مصادر في العاصمة الأردنية عمان إلى أن الحرس الثوري وفيلق القدس يجندان الأكراد الإيرانيين في صفوف داعش، معتمدا على عدد من رجال الدين المتشددين، أبرزهم عبدالحميد العالي من أهالي مدينة مريوان ومحمد العلوي من أهالي سقز وهادي هرميدول وحسين قمتراني من بوكان. وتقول المصادر إن إيران ستحتاج إلى هذه الجماعات خلال فترة الانتخابات المقبلة والتي بدأت الميليشيات الشيعية في تنظيم نفسها سياسيا للمشاركة فيها، الأمر الذي من شأنه أن يؤمن المزيد من الهيمنة لإيران على النظام السياسي في العراق.

ويرى المحلل العسكري والاستراتيجي اللواء هاشم السامرائي في حديثه لـ”العرب” أنه في مواجهة إيران “هناك حقيقة لا بد من الاعتراف بها، وهي أن ما تحققه إيران من نجاحات واختراقات وتغلغل في الأقطار العربية ليس فقط لأنها تنشط في هذا المجال وترصد الأموال وتسخر وسائل الإعلام، بل إن تلك النتائج سببها ضعف أو حتى فقدان العمل والنشاط من الدول العربية والإسلامية لمواجهة ذلك، مستدركا أنه وإن كانت توجد مبادرات فردية فهي تلامس محيط القضية ولا تعالج جوهرها، لأن هذه القضية تتطلب فهم ما تستند إليه ومعالجته أو مواجهته ومثل هذا الفهم غير موجود ونحتاج إلى مواجهة السلاح بسلاح مثله وأكثر تأثيرا مما تستخدمه إيران”.

سلام الشماع

صحيفة العرب اللندنية